كلمة رجاء للخوري لويس سَعد،
خادم رعيّة مار جرجس، غوايا، القبيات.
“لماذا تضِّجون وتَبكون؟ لَم تَمُت الصَّبيّة وإنّما هي نائمة” (مر 5: 35-43)
باسم الآب والابن والرُّوح القدس، الإله الواحد، آمين.
يومٌ مباركٌ للجميع، هذا اليوم الّذي فيه نفهم القيامة على ضوء الرُّوح القدس، الّذي يُزلزل كُلّ ما يمكن أن يتزلزل فينا، كي يُثَّبِت فينا الّذي لا يتزلزل. وأكثرُ ما يُزلزَل فينا يتجلّى عند وصولنا إلى سرّ الموت، أو عند فقداننا أحد الأحبّة. عندما نفقد أحبّاءنا ويَغيبون عنّا، نتساءل قائلِين: أين هُم؟ هل انتهوا؟ هل هذه هي الحياة؟ إنّنا نَصِلُ إلى هذا الباب الّذي يُغلَق أمامنا، وعنده ينتهي كُلّ شيء.
ولكن، إذا تأمَّلنا في إنجيل القدِّيس مرقس، في هذه الصّبيّة الّتي تبلغ من العمر اثنتي عشرة سنة، والّتي ارتمى أباها على رِجلَيه أمام الربّ، قائلاً له إنّ ابنته قد أشرفت على الموت. عند سماعه لِطَلب هذا الرَّجل، نجد أنّ الربّ قَبِل بالسَّير معه في هذه الطريق، ومرافقته في هذا المشوار: كان الرَّجُل يَعدُّ كُلّ خطوةٍ من خطواته طوال الطريق. في مسيرتنا في طريق الألم، نعتقد أنّنا نسير وحدنا، ولكنَّ الحقيقة هي أنَّ الربَّ يسير معنا، تمامًا كما سار مِشوار الألم مع هذا الرَّجل.
في منتصف الطريق، وفي تجربةٍ قويّة تعرَّض لها هذا الرَّجل، نسمع بعض النَّاس يقولون له: “لا تُزعِجْ المعلِّم، فإنّ ابنتك قد ماتت”. هنا تأتي كلمة الربّ لتَقول لنا: آمنوا وأكمِلوا الطريق، فَمَعي لا توجد نهاية. عندما وصلا إلى البيت، كانت المفاجأة قول الربِّ للحاضِرين في البيت: “لماذا تضِّجون وتَبكون؟ لَم تَمُت الصَّبيّة وإنَّما هي نائمةٌ” (مر 5: 39). إنّ كلمة “نائمة”، دفَعَتْ الجميعَ إلى الضَّحك، لأنّ النّوم يعني الرَّاحة، أمّا الموت فهو نهاية.
إنّ الربَّ يدخلُ إلى بيوتنا وإلى حياتنا وإلى عائلاتِنا، ويَقلب المقاييس. عندما يقول الربّ عن موتِنا إنّه نومٌ، فهذا يعني أنّ قلبَ الإنسان هو بأمسِّ الحاجة إلى تحقيق كُلّ أحلامه، وإلى عَيشِ كلّ العُمر، والحصول على كُلّ الصِّحة وكلّ الفرح، وكلّ الحياة مع الجماعة. فإذا نَقُصَ شيءٌ من هذا العُمر، يأتي الربّ لِيُوقِظنا إلى العُمر الّذي لا ينتهي. انطلاقًا من هذا الكلام، قال الربُّ عن الصَّبيّة إنّها نائمة، فنَومُ الصَّبيّة يعني أنّها تَحلُم بأن تُكمل مسيرة حياتها.
فَجاء الربّ إليها وأَيقَظها من نومِها، ودعاها لِتُكمِل مسيرة هذه الحياة مُستنِدةً إلى كلمته المقدَّسة. إنّ الربَّ يسوع دعا هذه الصَّبِيَة لإكمال مسيرة حياتها مستندةً إلى كلمته، وأيضًا إلى لمسته الشافية: وفي هذا الإطار، يقول لنا القدِّيس مرقس إنّ الربَّ قد لَمَسَ هذه الصَّبيّة، وهذا ما يَحتاج إليه الإنسان خصوصًا في قلب الحُزن. نحن بحاجةٍ إلى أن يَلمس قلبَنا شخصٌ نُحبُّه، فالشِّفاء يتمّ باللَّمس.
بعدما لَمسَ الربُّ هذه الصَّبيّة، قال لها: “يا صَبِيَّة قومي!”. بالطَّبع هنا، نحن لا نتكلَّم على القيامة من النَّوم، إنّما على القيامة من الموت. لماذا هي قيامةٌ من الموت؟ لأنَّنا في الموت، نفقد معنى الحياة، متى اعتقدنا أنّ رجاءنا هو في هذه الحياة فقط، لأنَّه عندها يَصُحُّ فينا قول بولس الرَّسول: “نحن أشقى النَّاس”. هنا تأتي كلمة الربّ: “قومي يا صبيّة”، فيُقيمها من نومها، ويُرسلِها ويَطلُب إطعامها. هنا نرى دور الجماعة الّتي عليها أن تُطعِم جميع المدعوِّين إليها، وهنا يتجلَّى دور الكنيسة الّتي تُطعم المؤمنِين بعضهم بعضًا من كلمة الحياة، ومن جسد الربِّ ودمه، الّذي هو زادنا في السَّفر.
لذلك، فلنجدِّد إيماننا ولنَسمَع صوتَ ربِّنا في منتصف طريق حياتنا وتجاربنا وضِيقنا، وفي ظلّ فقداننا أحبّائنا في منتصف العُمر، يقول لنا: إيّاكم ألّا تؤمنوا، وتابعوا الطريق، لأنِّي أنا القيامة والحياة. آمين.
ملاحظة: دُوِّن التأمّل بأمانةٍ مِن قِبَلِنا.