[blank h=”20″]

[/blank]

[column width=”1/1″ last=”true” title=”” title_type=”single” animation=”none” implicit=”true”]

“تذكار الموتى المؤمنِين”، 2008،

القدّاس الاحتفالي السنويّ،
في رعيّة مار فوقا – غادير، كسروان.

[/column]

[divider type=”1″]

[/divider]

[column width=”1/1″ last=”true” title=”” title_type=”single” animation=”none” implicit=”true”]

عظة القدّاس الإلهيّ،

للمطران أنطوان نبيل العنداري السامي الاحترام،

[/column]

[divider type=”1″]

[/divider]

[column width=”1/1″ last=”true” title=”” title_type=”single” animation=”none” implicit=”true”]

أيّها الأحبّاء في تذكار الموتى المؤمنِين نلتقي في هذه الرعية المحبة للمسيح بدعوةٍ من جماعة “اذكرني في ملكوتك”، لنكونَ على موعد الرجاء والصلاة لأجل راحة أنفس موتانا المؤمنين الذين تذكرهم الكنيسة، وتذكر الموتى عموماً.
 
وتكريم الأموات يعود إلى القديمِ القديم، فيذكر الكتاب المقدس في سِفر المكابين الثاني من العهد القديم، كيف أنَّ يهوذا المكابي كان يُــقيم الذبائح تكفيراً عن الأموات ومن أجل راحة نفوسهم، وكان ينمو هذا التقليد إلى جانب الذبائح التي كانت تقام على نية الموتى ليكتسب الموت معنى القيامة والرجاء مع مجيء السيد المسيح. والكتاب المقدس من خلال تعليم يسوع المسيح يركز على معاني الرجاء والحياة الأبدية وعلى هذا العبور الذي ينتقلُ فيه الإنسان من الموت إلى الحياة.
 
والرَّبُّ يقول لنا في إنجيله “من يؤمن بي، ومن يسمع كلامي ينال حياةً أبديَّةً”. يعدُنا الرَّب بهذا الميراث الأبدي، بهذا الملكوت السماوي، بهذه الحياة الثانية التي أعلنتها الكنيسة حقيقةً إيمانيةً في خاتمة قانون الإيمان حين نقول: “نترجى قيامةَ الموتى والحياة في الدهر الآتي”. فالموت لم يعدْ في نظر المؤمن نهاية، إنمَّا بداية لحياة حقة ووفيرة، ولأنَّ المؤمن ينظر نظرةً مع المسيح القائم من بين الأموات الذي غلب الموت بالموت وكانت قيامته عربونا لقيامة كلّ منا.
 
وكان التكريم مستمراً في تاريخ الكنيسة، إذ كان الناس يجتمعون حول قبور الشهداء، وكان الآباء القدّيسون يوصون بالصلاة من أجل راحة نفوسهم، تماماً كما فعلت والدة القديس أوغسطينوس، القديسة مونيكا، التي أوصت ابنها بأن يذكرَها في الذبيحة الإلهية. وعلى هذا المنوال سارت قافلة جميع المؤمنين الذين يترجَّون القيامةَ والحياة الأبدية، ولكنهم يدعُون أحباءهم وأنسباءهم لكي يذكروهم في صلواتهم، لأنَّ المزمور يقول “إنَّ ذكر الصديق يدومُ إلى الأبد”.
 
وجاء البابا بونيفاسيوس الرابع، في الجيل السابع، ليرسمَ رسمياً هذا التذكار، ليكونَ تذكار الموتى المؤمنين وتكون الصلاة من أجل راحة أنفس الموتى. ولكن، أن يكونَ تذكار الموتى في الثاني من شهر تشرين الثاني، فهذا أمرٌ يعود إلى مطلع الجيل الحادي عشر، حين كان أحد الآباء العامين في فرنسا، في دير كلوني، ورسمَ الصلاة لتكون بعد صلاةِ عيدِ جميع القديسين. ومنذ ذلك الحين بدأ التقليدُ في تكريم الموتى وزيارة المقابر وأخذ الزهور لتوضع تكريماً لهم بعد الذبائح الإلهية التي تُقام راحةً لنفوسهم.
 
وبعد نهاية الحرب العالمية الثانية، عمَّمَ قداسةُ البابا بينيديكتوس الخامس عشر هذا التكريم، ليكون في الكنيسة جمعاء إلى جانب المؤمنين.
 
وقد ذكَرنا هذا التاريخ أيها الأحبة، لنقولَ أنَّ الشراكة بين الأحياء والأموات هي شراكةٌ روحية، وأنَّ علاقتنا مع أمواتنا هي علاقة شركة القديسين، هم سبقونا ونحن لاحقون. ونحن إذا ما ذكرناهم في صلواتنا، فإنَّما هو تذكارُ الذَّبيحة للتكفير والتنقية والتقديس، كما يقول لنا القديس بولس في رسالته الأولى إلى كنيسة كورنثوس: “لأنَّ الخلاص يمر ُّكما يمرُّ الإنسان في النار”. وفي صلاة الجنازة نقول: “كالمعدن في كُوَرِ اللَّهيب يجتازُ الإنسان ليتنقَّى ويتقدَّس، ليكونَ في ملءِ العلاقة مع ربه في الملكوت السماوي”. وهكذا تكتسب الذبيحة معناها لأنَّها من أجل راحة أنفس الموتى، ومن أجل اللقاء مع الرب، ولكي تتنقَّى النفوس بعد عيشها في غربة هذه الدنيا، لتلتقيَ الآب السماوي الذي يجازيها على أعمالها.
 
وبين التاريخ وتعليم الكنيسة، تدعونا رعوية تذكار الموتى لكي نُعبِّرَ في مرافقتنا لموتانا وصلاتنا لأجلهم، عن إيماننا، لأنَّ المسيحَ القائمَ من بين الأموات، باكورة الراقدين يعلمنا أنَّ الذي يتغلب على الموت باستطاعته أن يقول مع بولس الرسول: “أين شوكتكَ يا موت؟ وأين غلبتكِ يا جحيم؟”، لأننا أصبحنا أبناء
الحياة، أبناء القيامة، ولأن الموت لم يعد سوى عبور إلى الحياة الأبدية، والحياة الحقَّة الوفيرة.
المؤمن إذاً يَذكر موتاه بعين القيامة والرجاء، ولأنَّنا مؤمنون ونعود إلى تعليم الرَّبّ وكلامه في الكتاب المقدس وإلى تقليدنا في الكنيسة، لذلك نكرم موتانا.
 
وإذا ما كانت السنة الطَّقسية في الكنيسة المارونية تذكر الموتى المؤمنين في أسابيع التذكارات التي تفصل بين زمن الدنح وبداية زمن الصوم، ولكن في هذه الشراكة مع الكنيسة الجامعة تذكر الكنيسة الموتى جميعاً في الثَّاني من شهر تشرين الثاني. فإنَّنا نرفع ألحاظنا إليه تعالى، مُستَمطِرين منه الرحمات لأجل موتانا، أنسبائنا، أقاربنا، وجميع الموتى في العالم، الذين لهم من يذكرهم، والذين ليس لهم، نحن نذكر ونصلي من أجل راحة أنفسهم جميعاً، ولكي نعيش معهم في شراكة، نحن نصلي لهم وهم من عليائهم يشفعون بنا، وهكذا تكون الشراكة وفق ما يريد ربنا، بالصلاة وبتقديم الذبيحة الإلهية التي أرادت الكنيسة أن تكون لخير النفوس ولخير أمواتنا.
 
ورعوية تذكار الموتى تدعونا لكي نكون إلى جانب الحزانى “طوبى للحزانى لأنهم سيفرحون” يقول لنا المسيح في عظته على الجبل. وما هذه المرافقة إلا لنساعدَ الحزانى على عيش أجواء الرجاء، ولكي نحيي ونُذكي الإيمان في قلوبنا وضميرنا وطريقة عيشنا وشهادة حياتنا المسيحيَّة، والمرافقة تكون مع الأحياء حين تغرب حياتهم، ومع الثَّكالى بعد غياب أمواتهم. فهذه المرافقة ليست مرافقة إنسانية واجتماعية فحسب، إنما هي أيضا مرافقة روحية إيمانية، هي مرافقة تشدُّ الإنسانَ إلى أخيه الإنسان لكي يحيا القيم التي يدعونا الإنجيل لنعيشَها في هذه المحبة التي تربط الإنسان بأخيه الإنسان وبشكل خاص المحزون والمحتاج. وإلى جانب ذلك تكون هذه المرافقة في عيش التكفيرِ من خلال أعمالِ الرحمة التي نؤدِّيها في ذكر موتانا، وهذا ما تسعى الجماعات الكنسية ومن بينها جماعة “اذكرني في ملكوتك” التي أخذَت على عاتِقِها أن تكون في صُلْب نشاطها ورعويَّتها وتأدية شهادة حياتها، قريبة من المحزون ومصلِّية من أجل راحة نفوس الموتى، وأن تقدِّمَ الأعمال الصالحة والمبرورة على نية الموتى، وأن تذكر بشكل خاص من ليس لهم من يذكرهم، وهذا ما تدعونا إليه الكنيسة.
 

أيُّها الأحباء، إنَّنا في هذا التَّذكار المبارك، وبهذه الخواطر الرُّوحية واتكالاً على المواعِدِ الإلهية، نسأله تعالى أن يُجزينا خير الجزاء لكي نعيش إيماننا وحقائقنا الإيمانيَّة، ونفهم أن الموت عبور إلى الحياة الأبدية، ونصلي من أجل راحة نفوس موتانا ونرافق المحزونين، ونعرف أنَّ تذكار الموتى لم يعد حزناً كحزن الوثنيين، إنَّما حزن يؤول إلى الفرح، يؤول إلى المجد لأن آلام هذه الدنيا لا توازي المجد المزمع أن يأتي. وباستطاعتنا أن نقول مع اللِّص اليمين الذي كان إلى جانب يسوع المسيح ونال الخلاص في اللَّحظة الأخيرة “اذكرني يا رب متى أتيتَ في ملكوتِك”، لأنَّ الرَّبَّ هو الرَّحمة وهو المحبة. آمين

ملاحظة : دُوّنت العظة من قبلنا بتصرّف.

 

[/column]

[blank h=”20″]

[/blank]

Instagram
Copy link
URL has been copied successfully!
WhatsApp