[blank h=”20″]
[/blank]
[column width=”1/1″ last=”true” title=”” title_type=”single” animation=”none” implicit=”true”]
انطلاقة جماعة “أذكرني في ملكوتك”،
بالقداس الإلهيّ لأجل الراقدين على رجاء القيامة،
في كاتدرائيّة سيّدة النّعم – نيقوسيا، قبرص.
[/column]
[divider type=”1″]
[/divider]
[column width=”1/1″ last=”true” title=”” title_type=”single” animation=”none” implicit=”true”]
عظة القدّاس الإلهيّ،
لسيادة المطران يوسف سويف السامي الاحترام،
[/column]
[divider type=”1″]
[/divider]
[column width=”1/1″ last=”true” title=”” title_type=”single” animation=”none” implicit=”true”]
باسم الآب والابن والرّوح القدس، الإله الواحد، آمين.
أهلاً وسهلاً بكم في قبرص،
آبائي،
أخواتي وإخوتي في الربّ، أبناء أبرشيّة نيقوسيا،
في هذا النّهار المبارك، نستقبل بفرحٍ كبيرٍ جماعةَ “أذكرني في ملكوتك”، ونُعلِن تأسيسها في قبرص، وها هي تنطلق مِن أبرشيّتنا، أبرشيّة نيقوسيا الحبيبة، إلى سائر المدن القبرصيّة.
عند لقائي، منذ شهرَين تقريبًا، بمسؤولي هذه الجماعة، لَفَتَتْني إشراقةُ وجوهِهم الّتي تعكس طيبةَ قلوبهم، ممّا دفعني إلى الإصرار على إنشاء هذه الجماعة في الأبرشيّة. إنّ هذه الجماعة تجتمع مرّةً كلّ شهرٍ، حول المسيح يسوع القائم مِن بين الأموات، في الذبيحة الإلهيّة لتُصلّي مِن أجل الموتى المؤمِنين. إنّ الذبيحة الإلهيّة تجمعنا بأمواتنا المؤمِنين، وتوحِّدنا بجسد المسيح، إذ إنّنا جميعنا أعضاءٌ في هذا الجسد الواحد. إنّنا نقول إنّ الّذين سبقونا إلى لقاء الآب هم أمواتٌ، غير أنّهم في الحقيقة، أحياءٌ في الملكوت لأنَّهم يعيشون برفقة الربّ يسوع. أمّا نحن الأحياء في هذه الأرض، فإنّنا لا نزال نجاهد فيها حتّى نصل في نهاية مسيرتنا عليها، إلى معاينة وجه الله في الملكوت.
إضافةً إلى القدّاس الشهريّ، الّذي تقدِّمه على نيّة أمواتنا المؤمِنين، تقوم هذه الجماعة بزيارة المتألِّمين في الرعيّة، والمحزونين فيها جرّاء فقدانهم لعزيز. ولهذه الزيارة بُعدٌ رسوليّ وروحيّ مهمّ جدًّا: إذ إنّها تتطلّب مِن المؤمِن أن يحمل يسوع المسيح، الّذي هو مصدر كلّ تعزية، إلى كلّ متألِّمٍ ومحزونٍ في الرعيّة. وفي هذا الصدّد أَوكَلتُ مسؤوليّة تنسيق هذا العمل الرسوليّ إلى الأخت ليلى، إحدى الأخوات الفاضلات المتواجدات في هذه الرعيّة. كما أطلب مِن جميع المؤمِنين الانضمام إلى هذه الجماعة، ليتمكّنوا مِن عيش هذا الاختبار الروحيّ العميق مِن خلال هذه الجماعة الروحيّة.
إنّ هذا الاختبار الروحيّ لا يعود بالفائدة على أمواتنا الّذين سبقونا إلى الملكوت فحسب، بل علينا نحن أيضًا الأحياء في هذه الأرض: إذ لا يمكننا أن نجد عائلةً لم تتعرّض لفقدان عزيزٍ لها بالموت. أمام هذا الاختبار الصّعب، يغرق الإنسان في حالةٍ لا تُوصَف: فمِنهم مَن لا يقوى على تَقَبُّل هذا الواقع الجديد، فينْعَزِل عن الآخرين رافضًا الاختلاط بهم ورؤيتهم، كما أنّه قد يرفض الاستماع إليهم والتحدّث معهم؛ بينما آخرون يرضخون لهذا الواقع ويَقبَلون به. عند ساعة الموت، يكتشف الإنسانُ عمق الإنسانيّة الضّعيفة، ويختبر العُرِي كما اختبره الربّ يسوع حين كان معلَّقًا على الصّليب.
أمام حَدَثِ الموت، يطرح الإنسان على ذاته تساؤلات عديدة، وما هذه التساؤلات إلّا دليلٌ على وجود شعل الإيمان والرّجاء في قلبه. إنّ الزيارة التّي تقوم بها هذه الجماعة المسيحيّة للحزانى، تصنع العجائب في نفوس المتألِّمين لفقدان أعزّاء، إذ تدفعهم إلى التعمُّق أكثر في إيمانهم وتزرع في نفوسهم الرّغبة للقاء الربّ من جديد والعودة إليه.
بعد أن لمسْتُ فوائد هذا الاختبار الّذي تعيشه هذه الجماعة، أشجِّعكم إخوتي المؤمِنين على عيشه في رعاياكم. وقد تكلَّمت عن أهميّة هذا الاختبار مع كهنة الأبرشيّة، فأبدى الجميع رغبةً في نَقلِ هذا الاختبار إلى رعاياهم مِن خلال هذه الجماعة. إنّ هذا الاختبار الروحيّ يهدِف أوّلاً إلى عيش المؤمِن في شراكةٍ مع الله الآب والابن والرّوح القدس من جهةٍ، وفي عيش الشراكة مع جميع القدِّيسين وأمواتنا الّذين سبقونا من جهة أخرى، فهذه الشراكة مع بعضنا البعض، هي شراكة محبّة وتضامنٍ روحيّ، شراكة أُخوّة بيسوع المسيح.
إنّه لتدبيرٌ إلهيّ أن تنطلق هذه الجماعة المسيحيّة في رعيّتنا في يوم العنصرة، يوم حلول الرّوح القدس. إنّ الكنيسة القبرصيّة تحتفل بيوم العنصرة مع الكنيسة الأرثوذكسيّة، وما هذا إلّا علامة مِن علامات وَحدة الكنائس.
وفي هذا الصدّد، أودّ أن أُخبركم أنّ جماعة “أذكرني في ملكوتك”، تنطوي على بُعدٍ مسكونيّ، إذ إنّها متواجدة في كنائس كاثوليكيّة كما في كنائس أرثوذكسيّة، وهذه أيضًا إحدى علامات الوَحدة بين الكنائس. إنّ الصّلاة وَحدها كفيلةٌ بتحقيق تلك الوَحدة، فالوَحدة لا تتحقّق إلّا إذا اجتمعت الكنيسة بأسرها حول شخص المسيح يسوع الّذي مات مِن أجلنا، نحن البشر، ومنحنا بقيامته الحياة الأبديّة. في عيد العنصرة، نُطلِقُ هذا الاختبار، طالبين مِنَ الربّ في هذه المناسبة أن يُجدِّد قلوبَنا بروحه القدُّوس، عطيّتِه الكبُرى للبشر بعد قيامته مِن بين الأموات وصعوده إلى السّماء. في الإنجيل الّذي تُلِيَ على مسامِعنا اليوم، يقول لنا الربّ يسوع: “لن أتركَكُم يتامى” (يو 14: 18).
لقد حقَّق الربّ وَعدَه لنا يومَ أرسل إلينا الرّوحَ القدس الّذي يُحيي عِظامنا الميّتة. إنّ العَظمَ الميِّت، هو موت الحبّ في قلب الإنسان. إنّ العَظم الميِّت لا يعني فقط الموت الجسديّ، بل هو أيضًا كلّ موتٍ نفسيّ وروحيّ واجتماعيّ واخلاقيّ، يختبره الإنسان في حياته. في يوم العنصرة، نطلب من الربّ أن يُجدِّد فينا نعمة الرّوح القدس، فيُحوّل كلّ موتٍ فينا إلى حياةٍ أبديّة، والجفاف إلى ينابيع مياهٍ حيّة في داخلنا، والحقدَ إلى حبٍّ، والموت في حياتنا العائليّة والاجتماعيّة إلى مصدرٍ للعطاء والحياة الجديدة ووسيلة لِنَشر حضارة الحبّ والغفران، فتنتهي الحروب في العالم ويعمّ السّلام بفضل إرادة المؤمِنين الطامِحين إلى السّلام، وتتحقَّق فينا بفعل الرّوح القدس الأُنشودة الّتي كتبها القدِّيس فرنسيس الأسِّيزيّ.
في يوم العنصرة، نُطلِق هذا الاختبار الروحيّ الّذي تعيشه جماعة “أذكرني في ملكوتك”، في قبرص. إنّ جماعة “أذكرني في ملكوتك”، تأسَّست أوّلاً في لبنان، ثمّ بدأت تنتشر تدريجيًّا في كافة أقطار العالم: في أوروبا وأفريقيا، في أميركا وأُستراليا، وفي أماكن متعدّدة في الشرق الأوسط، واليوم في قبرص. إنَّ رعيّتنا هي الرعيّة السادسة والسبعون الّتي تتواجد فيها جماعة “أُذكرني في ملكوتك”.
في هذا اليوم المبارك، نشكر الربّ على انطلاقة هذه الجماعة في أبرشيّتنا، كما نسأله أن يبارِكنا في مسيرتنا الجديدة وأن يُرسِل لنا رُوحَه القدُّوس للمُضي قُدُمًا في اختبارنا الروحيّ الجديد هذا. تعيش الكنيسة المجاهدة اختبار الصّلاة هذا في شراكةٍ مع الكنيسة المنتظرة في المطهر، والكنيسة الممجدّة في السّماء، من جهة؛ كما تعيشه الكنيسة المجاهدة مع بعضها البعض من جهة أخرى، ممّا يُعطي المؤمِنين الّذين لا يزالون في هذه الأرض، قوّةً في الإيمان وثباتًا في التَّعليم الّذي نالوه. إنّ هذا الاختبار الروحيّ يجعلنا قادرين على النُّطق بلغةٍ جديدة، لغة العنصرة، كما قرأنا في الرّسالة الّتي تُلِيَت على مسامِعنا من سِفر أعمال الرُّسل. في العنصرة، يمنحنا الربّ يسوع رُوحه القدُّوس فيحوّل لغة الموت الّتي تسيطر على عالمنا إلى لغة الحبّ والتسامح، لغة القيامة والحياة، فيتمكّن الّذين يسمعوننا مِن إدراك حقيقة ما نقول.
إنّنا أبناء الحياة، نتكلَّم بلغة الحياة، والحياة هي يسوع المسيح، فالكتاب المقدَّس يقول لنا إنّ يسوع هو الطريق والحقّ والحياة. إنّ يسوع المسيح هو البداية وهو النِّهاية، ونحن جميعنا أعضاء في جسد المسيح الواحد. إنّنا في هذا اليوم المبارك، نشكر الربّ ونمجِّده ونسأله أن يبارِك جماعة “أُذكرني في ملكوتك”، في لبنان والعالم وخاصّة اليوم في قبرص، فنمجِّد معًا من خلال هذه الجماعة الربّ يسوع القائم من الموت، من الآن وإلى أبد الأبدين. آمين.
ملاحظة: دُوِّنت العظة مِن قِبَلِنا بتصرُّف.
[/column]
[blank h=”20″]
[/blank]