[blank h=”20″]
[/blank]
[column width=”1/1″ last=”true” title=”” title_type=”single” animation=”none” implicit=”true”]
انطلاقة جماعة “أذكرني في ملكوتك”،
بالقداس الإلهيّ لأجل الراقدين على رجاء القيامة،
في مقام سيّدة زحلة والبقاع، البقاع.
[/column]
[divider type=”1″]
[/divider]
[column width=”1/1″ last=”true” title=”” title_type=”single” animation=”none” implicit=”true”]
عظة القدّاس الإلهيّ،
الأب ايلي خنيصر،
[/column]
[divider type=”1″]
[/divider]
[column width=”1/1″ last=”true” title=”” title_type=”single” animation=”none” implicit=”true”]
باسم الآب والابن والرّوح القدس، الإله الواحد، آمين.
يسرُّني اليوم أن أحتفل معكم، بالقدَّاس الأوّل لجماعة “أذكرني في ملكوتك”، في هذا المقام المقدَّس. انطلقَت هذه الجماعة في كنيسة القدِّيسة بربارة – زحلة، منذ أربع سنوات تقريبًا، حين كُنْتُ خادمًا لتِلك الرعيّة. إنّ رسالة هذه الجماعة تقوم على الصّلاة من أجل أَنفُس الموتى. وهذه الجماعة منتشرة في مناطِق عديدة في لبنان، وكذلك في عدّة دُوَل في العالم، حتّى وَصَلت إلى الولايات المتَّحدة الأميركيّة وكندا واستراليا. أشكر الله على وجود هذه الجماعة الّتي تَحُثُّنا على ذِكر أمواتنا والصّلاة لأجلهم في الذبيحة الإلهيّة.
لقد قرأتُ على مسامِعكم إنجيل الأحد الماضي، أحد حاملات الطِّيب. يبدأ هذا النَّص الإنجيليّ على الشَّكل التّالي: “في ذلك الزَمان، أتى يوسف الّذي من الرَّامة” (مر 15: 41). إنَّ عبارة “ذلك الزَّمان” تُشير إلى يوم الجمعة العظيمة، أي إلى اليوم الّذي مات فيه يسوع على الصّليب. عندما مات يسوع على الصّليب، تحرَّكت مشاعر يوسف الّذي من الرّامة، لأنّه كان يُحبّ الربّ يسوع.
طوبى لكلّ مَن يحمل اسم “يوسف”، لأنَّ هذا الاسم عَبَّرَ، عَبْرَ التّاريخ أي في العهد القديم والعهد الجديد، عن الإنسان العامل مع الله. يُكلِّمنا العهد القديم عن يوسف الحَسَن، الّذي خلَّص شعب اسرائيل من المجاعة، والّذي أدخل الشَّعب إلى أرض مِصر، أرض الفراعنة، حيث كانت العبوديّة. كان ليوسفُ الفَضلُ الأكبر في تخليص كلّ منطقة الشرق الأوسط، من المجاعة من خلال حِكمته. في ميلاد يسوع، أمام المِذود، كان يوسف النَّجار مع مريم يهتمَّان بيسوع الطِّفل. لقد اختار الله أن يكون يوسف النَّجار مربِّيًا لابنه المتجسِّد في أرض البشر. وفي ختام رسالة يسوع على هذه الأرض، أي على الصّليب، كان عند أقدام الصّليب، رَجُلٌ اسمه يوسف وهو مِن مدينة الرّامة.
في ميلاد يسوع، كان يوسف النَّجار حاضرًا مع مريم العذراء أمام المِذود حيث كان يضَّجِع الطِّفل يسوع؛ وعند أقدام الصّليب، كان يوسف الّذي من الرّامة، حاضرًا مع العذراء مريم عند موت يسوع. وهنا يُطرح السؤال: لماذا استدعى الله يوسف الّذي من الرّامة كي يكون عند أقدام الصّليب؟ عندما جاء المجوس إلى أورشليم، وزاروا هيرودس ليسألوه عن المولود الـمَلِك، كان جواب هيرودس لهم: “اذهبوا وابحثوا جيِّدًا عن الطِّفل. فإذا وَجدتموه، فأخبروني حتّى أذهب أنا أيضًا وأسجد له”(متّى 2: 8). يُخبرنا النَّص الإنجيليّ أنَّ ملاك الربَّ قد أوحى للمجوس في الـحُلم، أي بعد تقديمهم الهدايا للمَلِك المولود بألّا يعودوا إلى هيرُودس، بل إلى بلادهم. هذا ما أدّى إلى اغتياظ هيرودس، فأمرَ بِذَبح أطفال بيت لَحم وتُخومِها.
إنّ المجزرة الأكبر تمَّت في مدينة الرّامة، الّتي تقع غرب بيت لحم، نِسْبَةً لكثافة السُّكان فيها، ولِعَددِ الأطفال الكبير فيها. لقد تمَّت المجزرة في الوقت الّذي انطلق فيه الربّ يسوع مع يوسف مربِّيه وأمّه إلى مِصر، فتحقّقت النبوءة القائلة: “صُراخٍ سُمِعَ في الرّامة، بُكاءٌ ونَحيبٌ كثيرٌ، راحيل تبكي على أولادِها ولا تُريد أن تتَعزَّى لأنّهم زالوا من الوجود” (متى 2: 18). إنَّ الربّ يسوع قال لنا إنّه مَن يَسْقي أحد إخوته الصِّغار كأس ماءٍ بارد، فإنَّ أَجرَه لن يَضيع؛ فكيف إنْ قدَّمت له الرّامة، دِماء أطفالها الشّهداء، كي ينجو هو مِنَ الموت! يقول لنا نَصُّ إنجيل اليوم: “جاء يوسف الّذي من الرَّامة”.
إذًا، كان لمدينة الرّامة حِصةٌ في حياة يسوع، في ميلاده، كما في يوم مماته على الصّليب: في ميلاد الربّ، قدَّمت الرّامة، دِماء أطفالها الشُّهداء للربّ، فقرّر مكافأتها على ذلك يوم مماته، نهار الجمعة العظيمة، إذ دُفِن في قبرٍ يملِكه أحد أهالي مدينة الرّامة. يا لعظمة مكافأة الربّ لأهل الرّامة الّتي قدَّمت له شهداءها الأطفال لتُنجِّيه من الموت. إنّ الربّ لم ينسَ هذه التَّقدمة حتّى عند ذهابه إلى مِصر طِفلاً، فكافأها على ذلك في يوم موته على الصّليب.
جاء يوسف ودَخل إلى بيلاطُس، مملوءًا من الرُّوح القدس، وطَلَبَ جسدَ الربّ يسوع. بعد أن تحقَّق بيلاطُس من موت يسوع، أعطى جسد الربّ ليوسف الرَّامي. ويقول لنا الإنجيل، إنَّ يوسف الرَّامي قد لفَّ يسوع بالكتَّان. ويُخبرنا العهد القديم أنّ الربَّ قد طَلبَ من موسى أن يَصنَع له ثياب الكهنة مِن الكتَان الخالِص. والربَّ يسوع، الّذي قدَّم ذاته ذبيحةً على الصّليب، قد أظهر نفسه “كَرئيس الكهنة الأعظم”، حين لُفَّ بالكتَّان، أي بلباس الكهنة، ودُفَن به. كان يوسف الرّامي رَجُلاً غنيّا جدًّا. وقد أكَّدت لنا الدِّراسات حول كَفن تورينو، بأنّ كَفَن الربّ يحتوي على لُقاح أرز لبنان، ممّا يُشير إلى أنّ الكتّان الّذي اشتراه يوسف الرّامي هو من صَيدا في جنوب لبنان، إذ إنَّ اللَّبنانيّين كانوا يضعون في الكتّان ذي الباب الأوّل، لُقاح أرز لبنان، الّذي يرمز إلى الخلود. وبالتّالي عندما لُفَّ جَسَدُ يسوع بالكتّان، ظَهرت حقيقة الربّ بأنّه رئيس الكهنة، وأنّه الإله الإنسان الخالد.
وَضَع يوسف الرّامي، الربَّ يسوع، في قبرٍ منحوتٍ في صخرٍ. إنَّ هذا التَّعبير الّذي استعمله الإنجيليّ مرقُس :”نُحِتَ في صَخرة”، يشير إلى أنّ الصَّخرة الإلهيّة قد وُضِعت في صَخرةٍ. في العهد القديم، عندما كان موسى في البريّة، عَطش الشَّعب وتَذمَّر على الله وعلى موسى، عندها طَلَبَ الله من موسى أن يرفع عصاه ويضرب الصَّخرة الموجودة أمامه، ففعل فخَرجَت منها ينابيع ماءٍ. يقول لنا بولس الرَّسول في إحدى رسائله: “وكان المسيح هو الصَّخرة”.
إنّ تشديد الإنجيليّ مَرقس على أنّ الربّ قد أُضجِع في قبرٍ منحوتٍ في الصَّخرة، يدلّ على انتهاء هذا الزَّمن الحجريّ الصَّخريّ، إذ انبثق منه صَخرٌ إلهيّ، هو المسيح يسوع. لقد أُعلِنَتْ القيامة، بحسب الإنجيليّ مرقس، عند طلوع الشَّمس. إنَّ هذا التَّعبير اللّاهوتي: “عندما طَلعت الشَّمس” ضروريّ، لأنَّ الربَّ يسوع، هو الصَّخر الإلهيّ، الّذي انبثق مع بزوغ الشّمس، وما هذا إلّا إشارة إلى الفِصح الأوّل الّذي حَدَث مع موسى، إذ قال الربّ لموسى: “أنا أُقاتل عنكم؛ وغَدًا، عند بزوع الشَّمس، تكون الحريّة لكم، ويكون فِصحُكم”.
جاءت النِّساء عند بزوغ الفجر لتَحنيط جسد الربّ، وإذ بهنَّ يتفاجأنَ أنَّ الحجر قد دُحرِج عن باب القبر، ورأيْنَ ملاكًا كما وَصَفه الإنجيليّ مرقس، “شابٌ جالسٌ على اليمين، وعليه حُلَّةٌ بيضاء” (مر 16: 5). إنَّ اليمين في الكتاب المقدَّس، له أبعاد لاهوتيّة جميلة جدًّا، إذ إنّه مركز الشَّرف، مركز الخلاص، مركز البَرَكة. وهنا نتذكَّر أنّ الملاك جبرائيل قد تراءى لزكريّا الكاهن عن يمين المذبح؛ وكذلك في الصّيد العجيب، طَلَبَ الربُّ مِنَ الرُّسل إلقاء الشَّبكة إلى اليَمين، واللُّص الّذي كان على يمين الربّ هو مَن نال الخلاص؛ وكذلك في نصّ الدينونة العامّة، كانت الجِداء على الشَّمال، والخراف، أي المخلَّصون، عن يمين المسيح. وبعد أنْ دُحرِجَ الحجر عن القبر، كان الملاك واقفًا إلى اليَمين، وقال للنِّساء: “لا تنذهلنَ أنتنَّ تطلبنَ يسوع النّاصريّ؟ إنَّه ليس ههنا، لقد قام.
اذهبْنَ وقُلْنَ للتّلاميذ ولِبُطرس” (مر 16: 6-7). كان بطرس التِّلميذ الأساسيّ بين كلّ تلاميذ الربّ، بدليل أنَّ الربَّ قال لبطرس قبل أنْ يُسلَم للموت إنَّه قد صلّى له كثيرًا، كي يتمكَّن عند عودته مِن أن يُشدِّد إخوته الضُعفاء، الّذين يحتاجون إلى كلمته، الّتي تُقوِّيهم. لذلك، طلب الملاك من النِّسوة نَقل بشارة قيامة الربّ إلى بطرس، بِنَوَعٍ خاصّ. عند سماعهم هذا الخبر، لم يُصدِّق التّلاميذ كلام النِّسوة، ولا بطرس صدَّقه أيضًا، لذا هرع بسرعة مع يوحنّا إلى القبر ليتأكَّدوا من الأَمر، فَوَجَدا الأكفان موضوعة جانبًا، فتذكَّرا حينها أنَّ الربَّ يسوع قال لهما إنَّ ابن الإنسان سوف يُسلَم إلى أيدي الخَطأة، ويُقتَل ثمّ في اليوم الثالث يقوم.
أحبَبْتُ أن أشارِككم في هذا التأمّل حول إنجيل أحد حاملات الطِّيب، فَنَتَذَكَّرَ هذه الشَّرف الّذي أعطاه الربُّ للرّامة بأنّ تحتضنه في قبرٍ تابعٍ لأحد أهاليها، بعد أن كانَتْ قد قدَّمَتْ له في السّابق دِماء أطفالِها الشُّهداء في فترةِ ميلادِه. بنعمة الآب والابن والرُّوح القدس، آمين.
ملاحظة: دُوِّنت العظة مِن قِبَلِنا بتصرُّف.
[/column]
[blank h=”20″]