تأمّل روحيّ،

الأب ميشال عبود الكرمليّ، 

“كيفية إعطاء موضوع”

قبل البدء في إعطاء أيّ موضوعٍ للآخرين، علينا القيام بخطواتٍ أساسيّة معهم، نتعلَّمها من طريقة تَعامُل يسوع مع تِلميذَي عمّاوس.
بعد موت يسوع، قرّر تلميذا عمّاوس العودة إلى قريتهما، إذ قد خاب أملُهما في معلِّمهما يسوع، الّذي مات مَيتة العبيد، هو الذي كان في نَظَرِهما مُخلِّصَ اسرائيل. وبينما هما يتحادثان في الطريق حول الأمور الّتي جَرت مؤخَّرًا في أورشليم مع الربّ، إذا بالربّ يَدنو منهما، ويسير معهما.

إذًا، قبل البدء بإعطاء موضوع للآخرين، علينا أوّلاً الدُّنو منهم، وثانيًّا السَّير معهم، فيكون كلامنا معهم على مستوى تفكيرهم، لا كلامًا نظريًّا لا يُحاكي توقّعاتهم وآمالهم. بعد دُنوِّه منهما، وسَيْره معهما، طرح يسوع على تلميذَي عمّاوس أسئلة، ليعرِف مدى إدراكهم لهذه الأحداث، وهذا ما يُسمّى بإحداث الفَراغ، على المستوى التربويّ. وبالتّالي، نحن أيضًا، قبل البدء بأيّ موضوعٍ مع الآخرين، علينا أن نطرح عليهم بعض الأسئلة فنُدرك إلمامَهم بالحديث، موضوع نِقاشِنا معهم، لنتمكَّن من تحديد نقطة انطلاقِنا في الحديث معهم. إنّ يسوع لم يكتفِ بطرحِ سؤالٍ واحدٍ على التلميذَين ليعرِف مدى إدراكهما لسرّ موت المسيح وقيامته، بل أرفق سؤاله الأوّل بأسئلة أخرى، ليتمكَّن من معرِفة تأثير هذا الحدث على نفسيَّتهما، فأدرَك الربُّ الإحباط واليأس وفقدان الرَّجاء الّذي يسيطرعلى قَلبَي هَذَين التِّلميذَين نتيجة موت الربّ. لقد أخبر الرَّسولان الربَّ يسوع عن التساؤلات الَّتي تملأ قلبَيهما وخاصّةً بعد سماعهما ما قالته النِّساء بعد عودتهنَّ من زيارتهنَّ لقبر المسيح.

إذًا، في القسم الأول من النَّص الإنجيليّ، نتعلَّم من يسوع طريقته التربويّة الّتي تقوم أوّلاً على الدُّنو من الآخَرين، والسَّير معهم على مستواهم الفِكريّ، من خلال طرح الأسئلة عليهم، لمعرفة مكنونات قلوبهم. لقد أخبر التلميذان الربَّ يسوع، أحداثًا تاريخيّة عاشاها معه، وهو لم يُقاطِعهما، بل تركهما يتكلَّمان بما يُخالِج قلَبيهما من تساؤلات حوله، وكان مُصغياً لهما. بعد أن أدرَكَ مدى تأثير حدث موته على نفسيَّتهما، وعدم إلمامِهما الكافي بجوهر هذا الحدث، بدأ الربّ يسوع يشرح لهما حقيقة هذا الحدث، انطلاقًا من الكُتُب المقدَّسة، مركَز إيمانهما اليهوديّ. بعد انتهائه من الشَّرح، “تظاهرَ” يسوع بأنّه ذاهبٌ إلى مكان أبعد، وكلامه هذا لهما ليس كذبًا، بل هو وسيلة تعليميّة تهدِف إلى جَذبِ التِّلميذَين له.

إذًا، إنَّ نجاحنا في إعطاء الموضوع يستند على توافُر هذه الأهداف الموجودة في هذا النّص: أوّلاً، الدُّنو من الآخَرين، ما قد تتَّخذ أشكالاً عديدة، منها مَعرِفتنا بالأشخاص منذ فترةٍ زمنيّة معيّنة، وبالتّالي يكون دُنوُّنا منهم منبثقًا من اختبارنا معهم. ثانيًا، الانطلاق في شرح الموضوع المقترح، وتقديم معلوماتٍ جديدة للسّامِعين تجذبهم للاستمرار في الاستماع لنا.

قبل إعطاء أيّ موضوعٍ، علينا أوّلاً وضع عنوانًا لحديثِنا، وهذا مِن أصعب الأمور الّتي تعترِضنا في إعطائنا موضوعًا. على المحاضِر أن يكون كالـمُهندِس: فكما أنّ المهندس يُصوِّر في مخيِّلته كلّ تفاصيل مشروعه المعماريّ، كذلك على المحاضِر تحضير موضوعه، فيُصوِّر في فِكره كلّ تفصيلٍ يريد إيصاله للسَّامِعين. وكما فَعل يسوع مع التِّلميذَين اللّذين شَرح لهما الكُتُب، ثمّ دَعاهما إلى اختبار حقيقة ما أعلنه لهما، كذلك نحن أيضًا، يتوجَّب علينا شَرح الموضوع المطلوب منّا إلى الآخَرين، مُقدِّمِين لهم كلّ جديدٍ فيه، ثمّ ندعوهم لاختبار حقيقة ما أعلناه لهم. إنّنا رُسُلٌ للربّ في هذا العالم، لذا علينا لا إعطاء المعلومات الروحيّة للسّامِعين فحسب، بل حثُّهم على اختبار ما أخبرناهم به من خلال علاقتهم الشخصيّة بالربّ.

على الرَّسول إيصال كلمة الله للآخَرين بكلّ أمانة، لا إستخدام كلمة الله من أجل إيصال ذاته، وفي هذا الإطار يقول لنا الرَّسول يوحنّا: “لا بُدَّ له أن يكبُر، ولا بُدَّ لي مِن أن أَصغُر” (يو 3: 30). على الرَسول تحديد هَدفِه، ورَسْم الطريق المؤدِّية إليه وسلوكُها، كي يتمكَّن من إيصاله إلى السَّامِعين. على المحاضِر:

أوّلاً، أن يحدِّد هَدَفَه: أي ما يريد إيصاله للآخَرين. فمَثلاً، حين يُطلَب منِّي إلقاء عظةٍ على الحاضِرين على غفلةٍ، أطلب من الكاهن المسؤول إمهالي بضع دقائق، لأحدِّد في فِكري الهَدَف الّذي أرغب في إيصاله للمؤمِنِين، لأنّني حين أتمكَّن من تحديد هَدَفي من حديثي مع الآخَرين، أستطيع التحكَّم بالوَقت عبر اختصار الأفكار أو إطالة الشَّرح فيها. مَن لا يعرِف الطريق الّتي يريد الوصول إليها، فإنّ جميع الطُرُق ستكون متاحة له كي يسلكها، أمّا الّذي يعرِف الطريق الّتي يقصدها، فإنّه سيصل إليها، أي بمعنى آخر، مَن لا يَعرِف هَدَفه من الحديث مع الآخَرين، فإنّه سيقول لهم أشياء كثيرة سُرعان ما تتعرَّض للنِّسيان في أذهان المؤمِنِين؛ أمّا مَن يعرِف هَدفَ حديثه، فإنّه سيتمكَّن من إيصاله للسَّامِعين وسيترسَّخ في أذهانهم لمدَّةٍ طويلة.

كان يسوع معلِّمًا تربويًّا ناجحًا: فعندما جاء إليه معلِّمٌ في التَّوراة ليُحرِجَه قائلاً له:”ماذا أفعل لأرِث الملكوت؟”، أجابه الربُّ يسوع طارحًا عليه سؤالاً:”أنت كيف تقرأ؟”. إنّ الربَّ يسوع قد استعمل مع معلِّم التَّوراة طريقة تربويّة تُسمّى “إحداث الفراغ”، تقوم على الإجابة على السؤال بسؤالٍ آخر، لمعرفة مدى إطّلاع الآخر على موضوع النِّقاش، لمعرفة نقطة الانطلاق في الموضوع لإعطاء الجواب الشَّافي على السؤال المطروح.

إذًا، على المحاضِر أوَّلاً معرفة ثقافة السَّامِعين له، ليتمكّن من تحديد نقطة الانطلاق في موضوعه معهم. في الكثير من الأحيان، قد يتفاجأ المحاضِر بثقافة السَّامِعين، فيُغيِّر نقطة الانطلاق في موضوعه الّتي قد حدَّدها سابِقًا. إنّ عالمنا اليوم يفتقر إلى الإبداع والخلَق، إذ إنّه يسعى إلى الأخذ لا إلى العطاء. طَلبْتُ مرّةً من تلاميذي تدوين ما شاهِدوه آخر مرّةٍ على وسائل التواصل الاجتماعيّ، ففشلوا في ذلك لأنّ هَدَفهم لم يكن القراءة، بل فقط رؤية ما تُقدِّمه لهم تلك الوسائل الاجتماعيّة. ولكن حين يكون هَدَفُنا واضحًا من استخدامِنا لوسائل التواصل الاجتماعيّ، فإنّنا ننجح في تَذكُّر ما قرأناه فيها.

إنَّ رأسنا هو عبارة عن اسفنجة تمتصُّ كلّ ما نغمسها فيه، فإذا غذّينا فِكرَنا بما لا فائدةَ منه، كانت أفكارُنا سخيفة وغير فعّالة، أمّا إذا غذَّيناها بما فيه فائدة، فإنّنا سننجح في إرواء عَطَش الآخَرين بالمعلومات الّـتي نَملِكُها. إنّ الإنسان السَّعيد هو مَن يحوِّل همومَه إلى اهتمامات: فانغماس الإنسان في همومِه يؤدِّي إلى ارتباكه، أمّا حين يحوِّل الإنسان الهموم إلى اهتمامات، فإنَّه يُصبح أقوى من هُمومه إذ يسعى إلى معالجتها والتفكير فيها لإيجاد الحلّ المناسب. إذًا، هناك ضرورة إلى محبّة الكلمة وتَذوُّقِها، لأتمكّن من اتِّخاذ القرار إنْ كانت مُناسِبة لحياتي أم لا.

عند انطلاقنا في الحديث مع مجموعةٍ معيّنة، علينا أولاً الإمعان في النَّظر إليهم، لأنّ النَّظر هو مسألةٌ في غاية الأهميّة. إنَّ يسوع المسيح قد حدَّق كثيرًا إلى الشَّاب الغنيّ الّذي جاء يسأله عن كيفيّة حصوله على الملكوت؛ وكذلك حدَّق الربُّ إلى زكّا العشّار الّذي كان قد تسلَّق جميَّزةً، وطلب منه النُّزول على عجلٍ لأنّه يرغب في الإقامة في بيته. صحيحٌ أنَّ لغة العيون هي لغةٌ في غاية الأهميّة في تواصُلِنا مع الآخَرين، ولكنّها في الوقت نفسه قد تؤدِّي إلى إرباك الآخَرين.

طُلِبَ منِّي في أحد الأيّام إعطاء محاضرة لمجموعة من المؤمِنِين، فقبِلتُ ذلك. ولكن حين وَقفت أمام جماعة المؤمِنِين وحدَّقت بهم، ارتجف جسديّ كلُّه لأنّني شعرت بالخوف والارتباك، وعلى أثَرِ ذلك نَسِيتُ ما كُنت أرغب في قوله، ولم أتذكَّر إلّا القليل القليل منه. لذا هناك ضرورة لكتابة كلّ ما نرغب في قوله، حتّى في أدّق تفاصيله، كي لا يفوتنا شيءٌ نتيجة الرَّهبة الّتي قد نشعر بها عند وقوفنا أمام جماعة معيَّنة من المؤمِنِين. في هذا الصَّدد، تقدِّم لنا القدِّيسة تريزيا الأفيليّة نصيحة مفادها المحافظة على كتاب الصّلاة بين أيدينا، كي نتمكَّن من العودة إلى الصّلاة بعد انجذابنا نحو أفكارٍ تُلهينا عن الصّلاة، وتبعِدنا عن التفكير في الله وَحده.

على الـمُحاضِر أن يتَّخذ وضعيّة ثابتةً أثناء إلقائه الموضوع، فلا يُشتِّت أنظار المحدِّقين به في كثرة حَركته، بل تخرق كلماته آذانهم وتتسلَّل إلى قلوبهم، من خلال ثبات حَرَكَته الجسديّة. على الـمُحاضِر الانتباه إلى نبرته في إلقائه المحاضرة وعلى سُرعته في الكلام، إذ قد تسبِّب سُرعته في الكلام عدم استيعاب الحاضرين كلّ الأفكار الّتي يطرَحُها عليهم.

على الـمُحاضِر التحلِّي بالحكمة كي يتمكَّن من الجَمع بين الكلمة والحيويّة، فلا يكون بطيئًا في إلقائه المحاضرة فيَنعس السَّامِعون له، ولا سريعًا في الكلام فيعجز هؤلاء عن التقاط جميع الأفكار المطروحة وبالتّالي عدم مقدرتهم على التفكير فيها.
على الـمُحاضِر تحديد نقطة للانطلاق منها في موضوعه ونقطة للوصول، وهذا ما يشدِّ انتباه المستمعين إليه. عندما أحدِّد نقطة الانطلاق في حديثي، سأتمكَّن من الوصول إلى الهَدَف المنشود من الموضوع. ولكن إن لم أحدِّد تلك النِّقاط، فَسَأفشل في إعطائي الموضوع للجماعة الّتي أتوجَّه إليها، ولن أتمكّن من إيصال هَدفي من الحديث إليهم. هذه الأمور في غاية الأهميّة، وهي تُكتَسب مع الوَقت، ولكن يمكنني التباحث فيها مع أشخاص لهم خبرةٌ في ذلك.

إنّ امتلاكنا للمعلومات في الموضوع المطروح للنِّقاش لا تكفي، بل هناك ضرورة قصوى لامتلاكِ أسلوبٍ خاصّ يجذب الآخَرين إلى السَّماع. فمثلاً، حين أريد أن أنسج قميصًا معيّنًا، عليّ أوّلاً شراء القِماش وأدوات الخياطة، قبل البدء بحياكة القميص. كنتُ مرّةً مع رفيقٍ لي أهداني قلمًا غالي الثَّمن، فقَبِلتُه منه، وعندما طَلب مِنّي أحد التّلاميذ قلمًا ليتمكَّن من تدوين دُروسه، أعطيته له، ولكنّه تفاجأ بامتلاكي هذا القلم الغالي الثَمن وبالتخلِّي عنه بسهولةٍ، فاحتفظ به. إذًا، بعض الأمور الّتي قد تبدو في غاية الأهميّة لي، قد تبدو سخيفةً للآخَرين، والعكس صحيح، لذلك معرفة ثقافة الجماعة الّتي نتوجَّه إليها هو أمرٌ في غاية الأهميّة لنتمكّن من لَمسِهم في العُمق، فلا تذهب كلماتُنا سُدىً، بل تفعلُ فِعلها في حياتهم.

ونحن اليوم، شبيبة “أذكرني في ملكوتك”، مدعوِّون إلى الانطلاق نحو شبيبة من رعايا مختلفة، لذا علينا التعرُّف بدايةً إلى الخَلفيّات الثَقافيّة لهذه الشبيبة الّتي ننطلق نحوها، لنتمكَّن من جَذبِهم إلى حديثنا، لذلك علينا أن نطلب منهم أن يُعرِّفوننا إلى ذواتهم: إلى أيّ جماعة كنسيّة ينتمون، أعمارهم، أسماؤهم. من أجل النَّجاح في مَهمَّتنا هذه، على كلّ واحدٍ منّا التزوُّد بالمعرفة حول آخر التطورّات العِلميّة، كي نتمكَّن من جَذب الآخَرين إلينا، وإيجاد نقطة انطلاقٍ لحديثنا معهم، فنتمكَّن من إعطائهم ما يُفيد حياتهم لا كلامًا فارغًا لا جدوى منه. على الـمُحاضِر تقديم أمورٍ جديدةٍ في الموضوع المعروض للنِّقاش، إذ إنّ تلك الأمور هي إحدى وسائل جَذب الآخَرين لحديثنا.

إنّ المعلومات الكثيرة الّتي نملِكها حول موضوع حديثنا مع الآخَرين، لن تتمكَّن من الوصول إليهم، إنْ لم تكن موضوعة ضمن إطارٍ مناسب يلامس قلوب الحاضِرين، وهنا ضرورة الانتباه إلى طريقة الإلقاء كي لا تكون مملَّةً ولا تكون سريعةً فلا يتمكَّن الآخَرون من استيعاب الأفكار المطروحة.

إنّ طريقة الإلقاء هي إحدى وسائل الجَذب المهمَّة للآخَرين، إذ تُعطي الموضوع حيويّة وتترك أثرًا في نفوس الحاضِرين. في إحدى المرّات، طُلِب منّي إعطاء موضوع في تَجمُّع “يسوع فرحي”، وعندما وَصلت شعرت بالارتباك إذ إنَّ الجماعة الحاضرة تنتمي إلى ثقافاتٍ متعدِّدة: إذ تتضمّن تلامِذة مدارس لا يجيدون التأمُّل في الكتاب المقدَّس، كما تتضمَّن طُلّاب جامعات وأصحاب اختصاصات متعمِّقين في كلمة الله. شعرت بالارتباك إذ إنّني لم أُدرِك نقطة الانطلاق في حديثي: إذا توجّهتُ إلى طّلاب الجامعات، فَلَن يتمكَّن تلامِذة المدارس من الاستفادة من موضوعي، وإذا توجَّهت إلى تلامِذة المدارس، فَسَيَشعر الباقون بالـمَلل.

في هذه الحالة، اخترتُ التوجُّه إلى تلامِذة المدارس، كي يتمكَّنوا نتيجة سماعهم لحديثي من النموّ روحيًّا، فيتوصّلوا رويدًا رويدًا إلى التعمُّق روحيًّا على مِثال طلّاب الجامعات وأصحاب الاختصاص. أمام جماعةٍ متعدِّدة الثقافات، نجد صعوبة في التَّعامل مع كلّ المستويات في الوقت نفسه، لذا مِن الأفضل أن نختار شريحةً معيّنة من هذه الجماعة، ونوجِّه حديثنا إليها، فبهذه الطريقة نكون قد نجحنا في إيصال هَدَف حديثنا إلى شريحةٍ واحدة من الجمهور الحاضر، وهذا هو الـمطلوب.

على حديثنا دائمًا أن يُقدِّم أمراً جديدًا للسَّامعين، فمثلاً إذا سألتنا الشبيبة الّتي نتوجَّه إليها: ما الّذي يميِّز شبيبة “أذكرني في ملكوتك”، من سائر الحركات الشبابيّة في الكنيسة؟ علينا أن نملك جوابًا يُبرز ميزتنا من بقيّة الحركات، وإلّا فما فائدة حديثنا مع الشبيبة والانطلاق صوبهم، إن كنّا على مِثال كلّ الحركات الموجودة في الكنيسة؟ على روحانيّة جماعة “أذكرني في ملكوتك”، أهدافها ومبادئها، أن تكون واضحة لنا جميعًا، فنُعطِيَ جميعنا جوابًا واحداً لكلّ شابٍّ أو شابَّة سنلتقي به أو بها، ولكن كلّ واحدٍ منّا بطريقته الفريدة، إذ إنَّ جوابنا هو ثمرةُ تعمُّقِنا في عيش رسالة هذه الجماعة.

لقد نجح الربّ يسوع في التَّعامل مع كلّ البشر كلٌّ حسب مستواه الفِكريّ، وهو بالتّالي يشكِّل مِثالاً لنا في التعاطي مع الاخَرين ونَقل البشارة إليهم. لقد نجح يسوع في الدُّنو من البشر إذ ترك سماءه وجاء ليتجسَّد في أرضِنا. إنَّ وضعيّة الجلوس في أثناء إعطائنا المحاضرة مُهمّةٌ جدًّا، وقد تؤثِّر على المحاضِر بشكلٍ خاصّ، فإنْ لم يكن المحاضِر مرتاحًا في إعطائه الموضوع، فهو لن يتمكّن من إيصال الرِّسالة المطلوبة منه. فمثلاً، حين يُطلَب من المحاضِر الجلوس على مِنَصّةٍ، في حين أن جمهوره بعيدٌ عنه، فإنّ المحاضِر لن يتمكَّن من جَذب السَامِعين له وإيصال رسالته إليهم إلّا إذا نجح في شدِّ أنظارِهم إليه من خلال تحديقه بهم، أو من خلال طريقة إلقائه المحاضرة، أو بنبرة صوته وتفاعله الجسديّ مع الموضوع الّذي يُعطيه.

لحركات الجَسَد في أثناء إلقاء المحاضرة تأثير كبير في جَذب السَّامِعين: إذ لا يستطيع المحاضِر مِن جَذب الآخرين إليه إنْ كان جامدًا دُونَ حَركة. لكلِّ كلمةٍ تعبيرها: فأنا لا يُمكنني أن أُخبر الآخَرين عن خبرتي المؤلِمة وأنا أشهق بالبكاء، لأنّهم لن يتمكَّنوا من فَهم خبرتي، لذا عليّ أن أتحلّى بضبط النَّفس فأنقل إليهم خبرتي بكلماتٍ واضحة وبصوتٍ واضح. على حركات الجسد أن تكون منسجمة مع مشاعر المحاضِر، فبعض حركات الجسد قد تكون أبلغ من الكلمات.

إنَّ أولى الحركات الجسديّة الّتي تَجذِب السَّامِعين لنا حين نُلقي محاضرةً على مسامِعهم، هي النَّظرات، وعلى تلك النَّظرات أن تعكس ثِقة المحاضِر في المعلومات الّتي يرغب في نَقلِها إليهم. فإن لم يتمكَّن من النَّظر بثقة إلى الآخَرين، فهذا يدلّ على خَجل الـمُحاضِر. على الـمُحاضِر أن يُعلِّم الآخَرين بِمَثَله، إذ لا يُمكنه أن يُخبر الآخَرين عن مضّار التَّدخين على صحّة الإنسان، وينصح الآخَرين بعدم اللّجوء إلى التَّدخين إن كان هو مِن الـمُدَّخنِين.

إنّ الإنسان ينجح في إيصال رِسالته إلى الآخَرين إن كان لديه شَغفٌ في ما يقوم به، فيُبدِع في إيجاد الوسائل واختراعها من أجل إيصال هَدَفه إليهم. لا تكمن المشكلة في إيصال الرسالة إلى الآخَرين في وجود الوسائل المتاحة لذلك أم لا، إنّما المشكلة في القلوب. وهنا تقول لنا الأم تريزيا دو كالكوتا بما معناه: إن الله لا يطلب أعمالاً عظيمةً، بل يطلب حبّاً كبيرًا قادِرًا على القيام بأعمال عظيمة. إنَّ شَغَفنا في رسالة الجماعة هو ما يدفعها للاستمرار والنموّ.

ملاحظة: دُوِّن التأمّل بأمانةٍ من قِبلنا.

Instagram
Copy link
URL has been copied successfully!
WhatsApp