محاضرة للأب ادكار الهيبي، 

لقاء تنشئة في مرافقة المرضى،

  دور الضمير الشخصيّ في أخذ القرارات المسؤولة – القسم الثاني،

المقدّمة:

لطالما نسمع عن الضمير وعن أخلاقيات التعامل مع الآخر، وتكثر النظريات في هذا الموضوع. لكن أيّها نتبنى؟ سنحاول في هذه المحاضرة أن نحدّد ما هو الضمير؟ ما هو دوره؟ هل هو موجود؟ هل يمكن تغييبه؟ كيف يعمل فينا هذا الضمير؟ وكيف يؤثر على القرارات التي نتخذها في حياتنا؟ وأخيراً سنتناول ما علاقة الضمير بمرافقة المرضى؟

يتّسع عنوان محاضرتنا حتّى يتخطّى حالات المرضى المسنّين ليشمل كلّ إنسان…كلّ حياة…تلك الأمانة القيّمة، الثّمينة التي أودعنا إيّاها الرّب حتّى ندرك قيمتها، فنحافظ عليها…

و”الضّمير”، ذلك العنصر الأساسيّ في كيان كلّ إنسان، وأحد مقوّماته البشريّة، إنّما هو صوت الآخر، صوت المجتمع، صوت من سبقنا…هو ذلك المكان في أعمق أعماق ذاتنا الذي يرشدنا إلى الطريق السّليم، طريق حسن تمييز الخطأ من الصّواب الذي رسم سابقونا قواعده، ووضعوا مقاييسه- طريق الحقيقة. فهو موجود لا يمكن تغييبه، حتى ولو كان الإنسان ملحداً أو مجرماً.

الضمير إذا هو وعي يتناول ثلاثة أبعاد:
*الوعي الوجداني:” يعني أنا موجود ، وأعي أنني موجود؛ وهذا ما يميزني عن الحيوان الذي هو مبرمج على عكسي أنا لأنني حر. الله موجود على مستوى الوجدان الشخصي الذي يدفعنا دائما إلى الأمام وإلى إيجاد معنى لكل ما نعيشه وهو الذي يدلنا دائما على الحقيقة، على الأخوة، على الجمال، على الفرح، على الإنسانية، إلخ..
*الوعي النّفسي: هو تراكم الوعي الوجداني وهو يتكون مع اختبارات المرء على مر السّنين، منه ما يصبح وعيا ومنه ما يبقى على صعيد اللاوعي.

* الوعي الأخلاقي:” هو المكان الذي نتفاعل فيه مع نوعين من الأصوات: صوت الله في الوعي الوجداني واختباراتنا الشخصية. وهو مجموعة القيم والمبادئ والقواعد التي تنقل لي وأنا بدوري أفهمها وأختبرها وأنقلها لغيري وهذا ما ينمي وجداني. إذا هناك علاقة متبادلة بين المستويات الثلاثة للوعي، فكل مستوى يغذي المستوى الآخر ويتغذى منه.
إن كلّ إنسان هو مشروع انكشاف الرّب فيه ومن خلاله، وبما أنّ المسيح وحده الإنسان الكامل، نحن مدعوون لتحقيق الانسانيّة الكاملة فينا؛ وهذه الأخيرة تتبلور في اختيارنا الصّدق سراطا مستقيما في حياتنا، ننقله إلى الآخرين، ضمن قواعد وقيم محدّدة، هي نتيجة اختبارنا الوجداني الواعي.

وتبعا لذلك، يمكن لنا التّأثير في الآخرين ( أولادنا-إخوتنا-أصدقائنا )، لكنّ أحدا منّا لا يستطيع احتلال ضمير الآخر…ضميرنا يختصر وجعنا، حاجاتنا، فشلنا، نجاحنا، موتنا، ولا أحد منّا يمكنه عيش ذلك عن الآخر، إنّما الألم خاصّ بكلّ منّا، وهو سبيل حياة وموت وتوبة مع الذّات بلورة للنّفس حتّى تلاقي الرّب…

أمّا إخفاء الطّبيب وأهل المريض حقيقة خطورة المرض على صاحب المرض نفسه، خوفا من إزعاجه أو إرباكه، هو هرب وفرار من المسؤوليّة، وحماية لهم من ردّات الفعل التي ستزعجهم، وتلك هي أعلى ذرى الضعف والأنانية، ومن واجب ضمير المرافق أن يعي عمق مسؤوليّته تجاه المريض، فيطلعه على حقيقة وضعه…
نهاية، صوت الضّمير هو كلّ ما اختبره الآخرون بوجدانهم، ترجموه، وفهموه وحدّدوه بنظم وقواعد وتناقلوها فوصلتنا حتّى ننمّي وجداننا…وقد قال المسيح: “قيل لكم، أمّا أنا فأقول: ما جئت لأنقض بل لأكمل”…وهو الكامل إنسانيّا، وهو الذي سعى لا إلى نقض وجداننا الإنساني من خلال الشّريعة، بل إلى ملء الفراغ وسدّ النّقصان في العهد القديم، عبر اختباره الوجداني الخاص لله…

ملاحظة: دُوِّنت المحاضرة بأمانةٍ مِنْ قِبَلِنا.

Instagram
Copy link
URL has been copied successfully!
WhatsApp