ديانتنا هي ديانة رجاء،

عظة الخوري شربل القزي – كنيسة سيّدة لبنان – لندن.

في الأحد الثالث من زمن الصّليب هذه السنة، يصادف اجتماع مناسبتيْنِ جميلتيْنِ هما: عيد القدِّيسة تريزا الطفل يسوع، وقدّاس جماعة “اُذكرني في ملكوتك” الشهريّ. وفي هذه المناسبة، نتقدّم بالمعايدة لكلّ مَن يحملن اسم القدّيسة تريزا ونطلب شفاعتها في يوم عيدها.

إنّ القدِّيسة تريزا تُوُفيّت شابّة، في الثالثة والعشرين من عمرها. عائلتها تتألّف من خمس بنات، دخلن جميعهنّ إلى الدّير طالبات اتّباع يسوع من خلال الحياة الرّهبانيّة. هذه الشابة، الّتي تُوُفيّت في الثالثة والعشرين من العمر، أصبحت قدِّيسة، وقد أعلنتها الكنيسة “معلّمة في الكنيسة”. إنّ هذه القدِّيسة تشكِّل أمثولة لنا، ومن حياتها نتعلّم أنّ القداسة ليست صعبة المنال، بل إنّها سهلة التحقيق شرط أن يتخّذ الانسان قرارًا بذلك، ويصمّم على تحقيق هذا الأمر على الرغم من الصعوبات الّتي تواجهه.

قد نحزن لموت تلك القدِّيسة الشابة في عزِّ صباها؛ أمّا هي، فكانت تتشوّق للموت لأنّه سيمكِّنها من الالتقاء بحبيبها. فعندما يكون الإنسان على موعدٍ مع حبيبه، لا يحزن إن وصلَ قبل الوقت. انطلاقًا من هذه الفكرة، أودّ أن نفكِّر سويّةً في الاجابة على السؤال التّالي: لِـمَ نخاف الموت؟ إنّ القدِّيسة تريزا ماتت، وكانت لا تزال شابّة لكنّها كانت سعيدة جدًّا لأنّها ذاهبة إلى من تحبّه، وقد عبّرت عن فرحها هذا بقولها بأنّها ستقوم برمي الورود من السّماء على الأرض. لقد طلب الكثيرون شفاعتها، فاستجاب الرّبّ لهم بشفاعتها بمَنحِه إيّاهم النِعَم الّتي طلبوها.

إنّنا اليوم، نقدِّم الذبيحة الإلهيّة من أجل أمواتنا. وأنا لا أعتقد أنّ أحدًا منكم كان ليؤكدّ أنّه سيجد فعلاً مَن يصلّي له، حين ينتقل من هذه الأرض الفانية إلى الحياة الثانية، حين يحين ذلك اليوم وتلك السّاعة الّتي يطلب فيها الرّبّ منّا الوديعة. ولكنّ السؤال الّذي يُطرح علينا من خلال حياة القدِّيسة تريزا هو: هل سنفرح إن غادرنا هذه الأرض باكرًا لنلتقي بالحبيب؟ لا أعتقد ذلك. في هذا الصّدد، أودّ أن أخبركم قصّة كاهنٍ مُسِنٍّ كان يُصلّي إلى الرّبّ قائلاً له: يا ربّ، إنّي أتبعك في هذه الدنيا الفانية، وفي تلك الدنيا أيضًا سأكون معك، فأرجوك اتركني في هذه الفانية وقتًا أطول، لأنّي سعيدٌ فيها. ونحن أيضًا، سعداء في هذه الدنيا كما هي حال هذا الكاهن، ولكنّنا مثله أيضًا نخاف الانتقال إلى الحياة الثانية، وذلك لأنّ الإنسان بطبيعته، يخاف من المجهول، كما أنّه لا يثق بكلام الله الصّادق والأمين. إنّ الرّبّ يقول لنا إنّ الحياة الثانية هي أفضل من هذه الّتي نعيشها؛ فإن كنّا نصدّق الله، لِـمَ الخوف من الموت؟ إنّ مار بولس الرّسول، وقف عاجزًا عن التعبير في وصف ما ينتظرنا بعد الموت، فقال: “ما لم ترَهُ عينٌ، ما لم تسمع به أذنٌ، أعدّه الله لمختاريه”. فإن كنّا نصدّق كلام الله، فعلينا أن نُدرك أنّ ديانتنا المسيحيّة هي الديانة الوحيدة الّتي تكلمّت عن انتصار الحياة على الموت، إذ غلب المسيح الموت، وانتصر عليه. أنا كمؤمن بالمسيح، أستطيع الانتصار على الموت وعيش القيامة، كما قام يسوع بعد الموت، حين انتصر عليه. لذلك، فإنّ هذه التقاليد الوثنيّة، الّتي دخلت إلى ديانتنا، تلك العادات المتمثِّلة بارتداء الثياب السوداء، وبالبكاء والنّواح، لا تنبع من ديانتنا، فديانتنا هي ديانة رجاء إذ تعطي الإنسان المؤمن رجاءً بأنّ حياة أفضل من هذه، تنتظره.

إذًا، إنّنا نذكر اليوم في ذبيحتنا الإلهيّة جميع موتانا، ونصلّي لهم من أجل سعادتهم الأبديّة بعد الموت، عبر الالتقاء بالمسيح، ونَعِدُهم بالصّلاة من أجلهم باستمرار، فهم أحبّاؤنا ونحن لن ننساهم أبدًا. إن اسم جماعتكم “اُذكرني في ملكوتك”، لَهُوَ محبّب على قلبي كثيرًا، إذ إنّ كلّ واحدٍ منّا يتمنّى أن يصرخ إلى الرّبّ يسوع قائلاً: “اُذكرني في ملكوتك”، متأمِّلاً أن يسمع منه الجواب نفسه الّذي قاله للّص اليمين بأنّنا سنكون معه في الفردوس، يومًا ما، حين انتقالنا. آمين.

 

ملاحظة: دُوِّنت العظة بأمانةٍ مِن قِبَلِنا.

Instagram
Copy link
URL has been copied successfully!
WhatsApp