أحد تجديد البيعة،

ألأب بنوا ريشا – دير سيّدة الكرمل – الحازمية.

باسم الآب والابن والرّوح القدس، الإله الواحد، آمين.

هذا هو أحد “تجديد الكنيسة”. أخذت اللّيتورجيّا هذه العبارة عن كلام يسوع في ليلة آلامه، عندما أعطاهم، خلال العشاء السّريّ، الخبز والخمر. فقال عن الخبز: “هذا جسدي”، وعن الخمر “هذا هو دمي، دم العهد الجديد لِغفران الخطايا”. من خلال هذا الكلام، أنهى يسوع فاعليّة العهد القديم، وبدأ العهد الجديد بِدمه. كلمة “العهد” إذاً تُلخّص عمل الله كلّه منذ أيّام إبراهيم حتّى مجيء المسيح. وعندما وصل موسى إلى جبل سيناء وأعطاه الله الشّريعة أي الوصايا، قدّم الذّبائح وأخذ دمها قاسِماً إيّاه إلى قسميْن: الأوّل رمى به إلى المذبح، أمّا الثّاني فَرش به الجماعة. وهكذا صار هناك عهدٌ بين الله وشعبه أي اتّفاق وتوافق. لقد تعاهدوا على أنّ الله هو إله إسرائيل، وشعب إسرائيل هو شعب الله. الله يقول لِشعب إسرائيل: “أنتَ شعبي”، وشعب إسرائيل يقول لله: “أنتَ إلهي”.

الكلام الّذي أقوله مأخوذ من الكتاب المقدّس، إمّا عن كلام الأنبياء وإمّا من سفر الخروج. فيكون بذلك العهد القديم كلّه، والزّمن كلّه مرتبطين بالعهد الّذي تأسّسَ بالدّم أيّ المذبح، الّذي يرمز إلى الله، حيث نُقدّم الذّبائح، إضافةً إلى الدّم الّذي رُشَّ على الشّعب، قد جمعهما دم واحد. الله وشعبه جمعهما دم الذّبائح الماديّة، فوجد رابط دمويّ بينهما أيّ أصبحا عائلةً واحدةً. هكذا عاش الشّعب كلّه، من أيّام موسى وحتّى مجيء المسيح وما بعده، وما زال اليهود مُتمسّكين بهذا العهد، فَهُم يعتبرون أنّهم أقرب النّاس إلى الله بِفضل الرّابط الدّمويّ بينهما. لذلك يرفضون أن يختلطوا مع شعوب ذات أصل غير يهوديّ، لأنّهم يُريدون المحافظة على العهد الدّمويّ بينهم وبين الله.

هذه القَرابة إذاً قويّة جدًّا، لذلك شبّهَ الله نفسه بِهوشع، الزّوج المخدوع الّذي خدعته زوجته، وعبدَت آلهةً أخرى. لذلك غضب كما يغضب الرّجل الّذي يعلم بِخيانة زوجته مع رجل آخر.
عندما قال يسوع هذه الكلمة لم يُفهم تلاميذه ما يعنيه، وما الّذي سيحصل، ولكنّهم فهموا معنى كلمة “العهد” بعد حلول العنصرة: “هذا هو دم العهد الجديد”، مضيفًا إلى كلمة موسى الأولى كلمة “الجديد”.
فنحن “أبناء العهد الجديد”، والكتاب المقدّس يُسمّى بالعهديْن القديم والجديد، والرّابط بينهما هو شخص يسوع المسيح. ويتكلّم العهد القديم عن مجيء المسيح المنتظر أمّا العهد الجديد فيتكلّم عن مجيئه وتثبيته للعهد الجديد بِدمه. ¬

هذا التّجديد الّذي نتكلّم عليه إذًا هو، عيد تجديد الكنيسة، التّجديد الّذي صنعه يسوع بِموته وسفك دمه. ويُخبرنا عن فعاليّة هذا التّجديد ونتيجته صاحبُ الرّسالة من خلال بضع آيات من إرميا وحزقيال: “هذا هو العهد الّذي أعِدُ به إسرائيل. أجعل شريعتي في أذهانهم، أكتبها على قلوبهم، وأكون لهم إلهاً وهم يكونون لي شعباً”. وقد قال العبارة ” وأكون له إلهًا” في البريّة مع شعب إسرائيل. وكُتِبَت الشّريعة على الحجر ونقشها الله في المرّة الأولى فَكسرها موسى، أمّا في المرّة الثّانية، فأمر الله موسى بأن يكتبها بنفسه فَفعل. عندئذٍ قَبِلَ بها الشّعب. إلّا أنّه في المرّة الثّانية لم يكتبها على الحجر. والمقصود بالحجر هو القلوب القاسية لذلك يقول لهم يسوع: “لأنّكم قُساة القلوب”. سيكتبها على قلوبهم والقلب يُمثّل الإنسان بِكامله، الذي أصبح قابِلاً لِشريعة الله، يعيشها ويُحبّها ويُنفذّها بِفرح من دون تذمّر. هذا النّصّ مُستلّ من الأنبياء ولكن ما هي الشّريعة الّتي أعطانا إيّاها يسوع؟ سأله شاب عن أكبر شريعة في النّاموس، فقال له يسوع: “احبّب الرّبّ إلهك من كلّ قلبك” و “احبّب قريبك كنفسك”، فَهنأه لأنّه حفظ العهد القديم بكامله وعرف مضمونه. تلك الشّريعة الّتي كانت مكتوبة على الحجر، ولم يكن الشّعب يستطيع أن يعيشها، سيكتبها الآن في قلوبهم لا بالحرف أو بالقلم بل بالرّوح، الرّوح القدس الّذي نناله في المعموديّة، يكتب فينا هذه الشّريعة فتتكيّف حياتنا معها.
نعرف أنّ الله يطلب منّا أن نُحبّه، لذلك جاء يسوع لِيعيش هذه المحبّة إلى النّهاية فقد ضحّى من أجل الّذين يُحبّهم. وقد أعطانا أن نُشاركه بما فعله، هو لا يعيش الشّريعة لِوحده إنّما يُشاركنا فيها في المعموديّة، وفي الإفخارستيّا عندما نتناوله وعندما نشرب الدّم نكون، فعلاً، اتّحدنا بالمسيح فنقوم بما يقوم به.

يزداد هذا التّجديد في داخلنا في كلّ مرّة نشارك في القدّاس. كلّ ما فينا يتغيّر حتّى يُصبح شيئاً من المسيح. ولكن إذا تأمّلنا ذاتنا وجدنا أنّنا أبعد ما يُمكن عمّا أقوله لأنّنا ضعفاء ومجبولون بالخطيئة، وقد جاء يسوع لِيفعل كما قال الله لأشعياء، ذات مرّة، بأن يذهب لِيُشاهد الخزّاف وهو يصنع أدوات من الفخّار فَفعل. كان الخزّاف عندما يُنهي عملاً لم يُعجبه، يكسره، ويصنع غيره من جديد. وهكذا يكسر الله ما لا يُعجبه ويصنعه من جديد. لقد كسر بِيسوع الطّبيعة البشريّة حتّى يقوم يسوع ويُجدّدها ويُعطينا طبيعةً جديدةً.

لذلك، في كلّ مرّة، نُفكّر في إيماننا علينا أن نتذكّر العهد الجديد. وكأنّ الشّيء الجديد في حياتنا يتجلّى أكثر فأكثر يوماً بعد يوم. عندها سنُحبّ بِطريقة أفضل، وسنُقلّد يسوع أكثر فَنصبر أكثر على صعوبات حياتنا، ونصبح أقلّ تذمّراً وكذباً وخطايا. بذلك نرى أنفسنا نقترب أكثر من المسيح الّذي يجذبنا بجماله وكلامه، هو يُعطينا أن نتّحد به من خلال القربان المقدّس ويُذكّرنا بأنّه زرع في قلبنا شريعته وتعاليمه.
هذا التّجديد الّذي أعطانا إيّاه يسوع، نكتشفه كلّ يوم أكثر ونُحبّه أكثر… نطلب من الرّبّ، اليوم، أن نكون أمناء، فَنَنمو يوماً بعد يوم من خلال الجديد الّذي أعطانا إيّاه، وخصوصاً لإخوتنا الّذين سبقونا إلى ديار الله، وأن يستعجل الرّبّ في إدخالهم المجد لكي، بِدورهم، يُصلّوا من أجلنا وننال شفاعة صلاتهم.
نطلب من الرّبّ أن يُوحّد كنيسته، ويُعطيها الجرأة لِتُعلن محبّة المسيح وتنتصر على الصّعوبات عند كلّ الشّعوب وخصوصاً إخوتنا في الكنائس الموجودة في البلاد المجاورة، وأن يُعطيكم الصّبر على كلّ المصائب الّتي تمرّون بها… آمين.

 

ملاحظة: دُوِّنت العظة بأمانةٍ مِن قِبَلِنا.

Instagram
Copy link
URL has been copied successfully!
WhatsApp