تأمّل روحيّ،
الأب ميشال عبود الكرمليّ،
أحد شفاء الأعمى،
في الأحد الخامس من زمن الصّوم، نتأمّل في نصّ شفاء الأعمى.كان يسوع متّجهًا إلى أريحا، تلك القرية المنخفضة عن سطح البحر. وكان يجلس على حافة طريق تلك القريّة، شحاذٌ أعمى مرذولٌ من النّاس بسبب مرضه وفَقرِه، وقد سمع بمرور الربّ يسوع في تلك الطريق حيث كان يجلس. إنّ هذا الأعمى غير القادر على الرؤية، هو قادرٌ على السّماع. إذًا، على الرّغم من نقاط ضعف الإنسان، هناك نقاط قوّة في داخله عليه الاستفادة منها للاقتراب من يسوع.
حين عَلِم الأعمى بوصول يسوع إلى القرية، بدأ بالصّراخ قائلاً:”يا يسوع يا ابن داود، ارحمني”، لقد طلب الرّحمة من الربّ، كما طلب الولادة الجديدة من خلال سعيه خلف الشِّفاء. لقد صرخ هذا الأعمى إلى يسوع، لأنّه رأى فيه الأمل الـمُنتَظَر، لقد رأى فيه الشافي الوحيد من المرض.
إنّ الأعمى تابع الصّراخ على الرّغم من محاولة الكثيرين إسكاته. إخوتي، كُثُرٌ هم الأشخاص في هذا العالم الّذين يحاولون إسكات المؤمنين ومنعهم من الصّراخ إلى الله، واللّجوء إليه في الصّلاة، والإيمان به، وهنا على المؤمِن أن يتّخذ قراره إمّا بالتوقّف عن الصّراخ إلى الله، وإمّا بمتابعة الصّراخ كما فَعَلَ أعمى أريحا.
لقد طلب يسوع من الجموع دعوة الأعمى إليه، فذهب هؤلاء إلى الأعمى وقالوا له:”ثِق تشجّع، إنّه يدعوك”. على المؤمِن أن يحمل كلام التشجيع هذا إلى كلّ شخصٍ مريض ومهمَّش يلتقي به، فيُذكِّره بأنّ الربّ يدعوه، ويودّ اللّقاء به. في نصّ شفاء الأعمى، يخبرنا الإنجيليّ أنّ الاعمى عندما سَمِع بدعوة الربّ له، خلع رداءَه البالي الّذي كان يشكِّل كلّ ما يَمْلِك، إذ يضع فيه طعامه، وما يتصدّق به عليه المارّون في هذه الطريق من نقود. لقد تخلّى الأعمى عن كلّ مصدر عيشه، وَوَثب صوب يسوع، على الرّغم من أنّه لا يرى الطريق الّتي يسير فيها. إنّ الأعمى كان يعرف الهدف الّذي يريد الوصول إليه، على الرّغم من أنّه لم يكن يرى إنْ كانت الطريق الّتي يسير فيها ستُوصِله فِعْلاً إلى الربّ. وعندما وصل الأعمى إلى يسوع، كان سؤال يسوع له: “ما تريدني أن أصنعَ لك؟”.
لم يسأل الربّ الأعمى عن رغبته عن جهلٍ منه بها، بل لأنّه أراد من الأعمى أن يُعلِن عن رغبته قبل أن يَمنَحَه إيّاها الربّ. إنّ الله يعلم برغباتنا كُلِّها، ولكنّه يريد منّا أن نُعلِن عنها، إذ لا يريد الربّ اقتحام حياتنا دون إرادةٍ منّا. إنّ الربّ يقرع على باب حياتنا، وينتظر منّا أن نفتح له الباب، فهو لا يدخل بالقوّة إليها، إنّه يحترم حرّيتنا، لذا على كلّ منّا أن يقف أمام الربّ، ويُعلِن له صراحةً عن هدفِه من هذه الحياة. إنّ الإنسان الّذي يُعلِن أمام الله عن هدَفه في هذه الحياة، ويعمل لأجله، فإن ّالربّ لا بدّ له من أن يُعطيهِ سُؤلَ قلبِه، لأنّ الربّ قال لنا في الكتاب:”اسألوا تُعطَوا، اقرعوا يُفتَح لكم”، والربّ أمينٌ وصادقٌ في أقواله.
كان جواب الأعمى على سؤال يسوع له:”رابوني، أن أُبصِر”، وقد استجاب الربّ لرغبته هذه، فَفَتَح الأعمى عينيه، وكان الربّ هو أوّل شخصٍ يراه الأعمى في حياته الأرضيّة. إخوتي، إنّنا مدّعوون كي نسير في وسَطِ ظلمة هذا العالم، صوب الربّ “نور هذا العالم”، لنتمكّن من رؤيته في نهاية مسيرتنا على هذه الأرض، وجهًا لوجه في السّماء. آمين.
ملاحظة: دُوِّنَ التأمّل بأمانةٍ مِن قِبَلِنا.