عظة الخوري شربل الهاشم،
رعيّة مار يوسف – الدبيه.
“إحملوا نيري عليكم وتعلّموا منّي، تجدوا الراحة لنفوسكم”،
باسم الآب والابن والروح القدس الإله واحد، آمين.
بعنوان: “إحملوا نيري عليكم وتعلّموا منّي، تجدوا الراحة لنفوسكم، فأنا وديع ومتواضع القلب،
ونيري هيّن وحملي خفيف” (متى 11 / 29 -30).
باسم الآب والابن والروح القدس، الإله الواحد، آمين
لو أجرينا بحثًا دقيقًا عن كلمة “القلب” في الكتاب المقدّس بعهديه القديم والجديد، نجد عددها 876 مرّة، في حين لو قمنا بالبحث العلمي لوجدنا وظيفة القلب معدودة على أصابع اليد. فما هي أهميّة القلب في الكتاب المقدّس؟ سوف أذكر بعضاً من النصوص الواردة في بعض الأسفار لنرى أهميّة القلب بعين الربّ.
في سفر تثنية الاشتراع (10/ 12)
“والآنَ يا شعبَ إِسرائيلَ، ما الذي يطلبُهُ مِنكَ الرّبُّ إلهُكَ إلاَ أنْ تخافَهُ، وتسلُكَ في كُلِّ طُرُقِهِ، وتُحِبَّهُ وتعبُدَهُ بِكُلِّ قلبِكَ وكُلِّ نفْسِكَ”. وبهذا أصبح قانونا لكل الشعب اليهودي علامة للحبّ مع الله.
في سفر الأمثال (22/17-18)
“أمِلْ أذُنَكَ واَسمَعْ كَلامَ الحُكَماءِ، ووَجهْ قلبَكَ إلى المَعرِفةِ. مِنَ الخيرِ أنْ تَحفَظَها في قلبِكَ وتفيضَ أيضًا على شفَتَيكَ”.
خلاصة: ألله لا يهتمّ بالقلب كوظيفة، ولكنه يريده بالكامل، هناك تتجلى الحقيقة والمعرفة في ضرورة الحوار بين الإنسان والله ، بين المخلوق وخالقه، بين المحدود واللامحدود.
أمّا في العهد الجديد
في كلام الربّ يسوع لتلاميذه وحواره مع الآب السماويّ، تسبيحاً وتمجيداً لأبيه السماويّ، لإظهاره الخفايا للبسطاء والودعاء، وإخفائها عن الحكماء والفهماء.
في إظهار الخفايا عبر الوداعة، رسم يسوع طريق الوصول الى السعادة وإلى الرّاحة من ثقل الخطايا، والتحرّر من كل ما يعيقنا ويمنعنا من التقدم في المسيرة نحو الملكوت.
إذن إخوتي، دعانا يسوع قائلاً: “إحملوا نيري عليكم وتعلّموا مني، تجدوا الراحة لنفوسكم، فأنا وديع ومتواضع القلب، ونيري هيّن وحملي خفيف” (متى 11 / 29 -30)، ولم يدعنا إلى السيْر والتنعّم بالسلطة، بل كان محارباً لها، لا لاجتراح المعجزات ليصفقّ لنا الشعب، بل لنصنع المعجزات من خلاله وبالسلطان الذي أعطاه لرسله وقدّيسيه وكنيسته، فقد علّمنا أن نسير في النور ما دام لنا النور.
فما هو النير في قول يسوع المسيح؟
النير هو الخشبة المعترضة فوق عنق الثور أو عنقي الثورين المقرونين أو على الأبقار لجر المحراث أو المركبات أو غير ذلك. ثم أصبح يُسْتَعمَل لتكبيل حرية الأسرى واضطهادهم وعلامة لاستعبادهم. وكان كَسْر النير يعني الانطلاق من العبودية والتحرر من الأسر. واستعمل النير في الكتاب المقدّس بمعانٍ رمزية. واستُعمل رمزيًا أيضًا، بمعنى العبودية قاصداً علماء الشريعة والكتبة والفريسيين الذي أثقلوا الشعب بالفرائض والأحكام، فأصبحت الشريعة النير الذي أثقل كاهل الشعب الفقير وصار الإنسان من أجل الشريعة وليست الشريعة من أجله.
كما ورد أيضاً في مجمع أورشليم بين 50 و51 في قول بطرس بعد جدال طويل حول مسألة الختان بحسب شريعة موسى: “أيُّها الإخوةُ، تَعرِفونَ أنَّ اللهَ اَختارَني مِنْ بَينِكُم مِنْ زَمنٍ بعيدٍ لِيَسمَعَ غيرُ اليَهودِ مِنْ فَمي كلامَ البِشارَةِ ويُؤمنوا. 8واللهُ الّذي يَعرِفُ ما في القُلوبِ، شَهِدَ على رِضاهُ عَنهُم، فوَهَبَ لهُمُ الرُّوحَ القُدُسَ كما وهَبَهُ لنا، 9فما فَرَّقَ بَينَنا وبَينَهُم في شيءٍ. فهوَ طَهَّرَ قُلوبَهُم بالإيمانِ. 10فلماذا تُجرِّبونَ اللهَ الآنَ بأنْ تَضَعُوا على رِقابِ التَّلاميذِ نِـيرًا عَجَزَ آباؤُنا وعَجَزْنا نَحنُ عَنْ حَمْلِهِ؟ 11خُصوصًا ونَحنُ نُؤمِنُ أنَّنا نَخلُصُ بِنعمَةِ الرَّبِّ يَسوعَ كما هُمْ يَخلُصُونَ”.
لقد دعا يسوع المؤمنين به إلى التعلّم والتمرّس على حمل الصليب مثلما حمله وأظهر ذاته للعالم فاتحاً يديه ليدخلوا من خلاله إلى قلب الرحمة والخلاص وبلوغ ملء قامته. دعانا إلى قبول المعرفة أن الله رحيم ومحبّ، ومعرفة أبيه السماوي عبر التواضع والدخول في علاقة بنوية مبنية على الحب وفهم سرّ المحبة ببذل الذات ونقاء القلب.
أعطانا يسوع الطوبى للودعاء كما ورد في التطويبات العشر لأننا نرث الأرض، ومعناها أننا نرث قلوب البشر في عالمنا اليوم. وهبنا الروح القدس لنفسنا الوديعة عبر الانفتاح ليعلمنا وينبّهنا ، عبر الطاعة لكلمته والسيْر بالأعمال الصالحة وأعمال المحبة في كنيسته.
عالم اليوم، يُثقلُ نفسه بخطايا مصنّعة ومقصودة بوضع نير العبودية على الشعب من جديد وقهره، أليست هذه خطيئة آدم الذي أراد أن يجعل نفسه إلهاً بدلًا من الله؟ أليست السياسات الهادمة للسلام وصنع مخططات الحرب للقتل والدمار، تجمع أشكالًا مختلفة من العذاب والقهر وإثقال الشعب الفقير وقمع حريته؟. نحن أبناء النور ولسْنا أبناء الظلمة. صليبنا خفيف لأن يسوع حمله خطيئة وكفراً وسلّمنا إياه مجداً وبهاء. نيره هيّن بالإيمان والرجاء والمحبة. حِمله خفيف لأنه سرّ يدخل قلبنا بجسده ودمه ليقدّسنا ويجعلنا آلهة صغيرة في ملكوته نرقص ونفرح ونهلّل أمام الربّ.
ماذا يطلب منّا يسوع؟ الرحمة من صميم قلوبنا، أن نتعلّم معنى: “أريد رحمة لا ذبيحة”.
أن نكون مسيحييّن ليس فقط بحسب الهوية، بل أن نتعلّم معنى الغفران لبعضنا البعض، أن نتشبّه بالمسيح وندخل سرّه نحن المعمّدين على إسمه، لا أن نسير ونصفّقَ وراء الذي يريد أن يضع نيرًا على أعناقنا. تعالوا إخوتي في هذه الذبيحة القربانية المقدّسة، وفي شهر قلب يسوع الأقدس، أن نطلب من الربّ ونصرخ له: “يا يسوع الوديع والمتواضع القلب، إجعل قلبنا مثل قلبك”. يا قلب مريم الحلو ….كن خلاصنا.
ملاحظة: دُوِّنت العظة بأمانةٍ مِن قِبَلِنا.