عظة الخوري جوزف سلّوم،
كنيسة مار جرجس– الديشونيّة.
إنّ قوّة الرّجاء والإيمان تدفعنا إلى أن نتذكر أمواتنا،
باسم الآب والابن والروح القدس، الإله الواحد، آمين.
نحن اليوم، مع جماعة “اذكرني في ملكوتك”، هذه الجماعة الّتي تذكر أمواتنا، جماعة الرّجاء، جماعة الصلاة من أجل أمواتنا، نحتفل بهذه الذبيحة الإلهيّة. إنّ علاقتنا وشراكتنا بأمواتنا لا تنتهي عند حجر المدفن، بل تذهب إلى أبعد من ذلك. إنّ قوّة الرّجاء والإيمان تدفعنا إلى أن نتذكر أمواتنا، أحباءنا كي نبقى على علاقتنا بهم. نصلّي مع هذه الجماعة الّتي تحوِّل الموت إلى عيد، تحوّل دموعنا وأحزاننا إلى رجاء. إخوتي، إنّ صدمة الموت، هي صدمة كبيرة جدًّا في الحياة. فإن لم يكن للإنسان قوّةَ رجاءٍ بالمسيح الحيّ الناهض من بين الاموات، فسيكون حزننا كبيرًا جدًّا بالتأكيد وسينتهي مشوارنا عند القبر. غير أنّ مشوارنا مع الرّبّ لا ينتهي بالموت فإنّ الرّبّ يغيِّر مشوار حزننا. سوف نتأملّ معًا على أضواء القيامة، بهذا الحدث التاريخيّ والاختبار الرائع، الّذي يعطينا إيّاه الرّبّ لنختبر روح الفرح والغلبة. سوف نتأمّل بثلاثة أحداث لديها أبعاد مهمّة في زمن القيامة.
أوّل حدث وظهور وترائي هو لمريم المجدليّة على باب القبر فجر نهار الأحد. إنّ يسوع قد مات نهار الجمعة ولم تتمكنّ مريم المجدليّة من القيام بما يتوجبّ عليها القيام به للميت. إنّ يسوع مات عند الثالثة من بعد ظهر نهار الجمعة فلم يتمكنّ محبّوه أن يقيموا له دفنًا يليق به، وبالكاد تمكنّ يوسف الرّامي ونيقوديموس من الذهاب إلى بيلاطس لطلب الجثمان قبل حلول الظلام كي لا تبقى أجساد المصلوبين على الصليب ليوم السبت. عند فجر الأحد، ذهبت المريمات ومن بينهنّ مريم المجدليّة ليضعوا الطيوب للميِّت -فإن العادة اليهوديّة كانت تقتضي ذلك-وكنَّ يفكِّرن في مَن سيدحرج لهنَّ الحجر عن باب القبر، وعند وصولهنّ وجدنَ أنّ الحجر كان قد دُحرِجَ. سوف نتوّقف عند النقطة التّاليّة وهي كيف عرفت مريم المجدليّة يسوع القائم من الموت؟ وكيف نحن نستطيع التعرّف عليه اليوم؟ لقد عرفت مريم المجدليّة يسوع من خلال أمرٍ واحدٍ: فهي لم تعرفه من خلال ثيابه البيضاء، بل عرفته من صوته عندما ناداها باسمها “مريم”. نحن اليوم، نعرف يسوع من خلال صوته، كلمته، وإنجيله. نحن لم نَرَ يسوع بعين الجسد، إذ أنّنا لم نكن من معاصريه، لكنّنا اليوم، نراه أكثر من التّلاميذ من خلال كلمته في إنجيله. عندما نبتلع هذا الكتاب في بيوتنا وفي حياتنا، سنرى أنّ عائلاتنا كلّها تتغيّر وتتحسَّن.
الحدث الثاني هو توما الّذي لم يُصَدِّق أنّ يسوع قام من بين الاموات، والّذي قال أنّه إن لم يَرَ يسوع الّذي عُلق على الصليب فهو لن يُصَدِّق أنّه قام. إنّ يسوع يحضر عندما تكون أيامنا سوداء. إنّ يسوع جاء ودخل والابواب موصدة، حضر إلى المكان وقال: “السلام لكم.” ثمّ نادى توما وقال له: “هاتِ اصبعك، وضعه في جنبي وكن مؤمنًا لا غير مؤمن”. إنّ توما لم يضع اصبعه. ولكن من خلال كتابة هذا الاختبار في الانجيل، نتعلّم بأنّ يسوع يريدنا أن نراه في أوجاع إخوتنا، في أوجاع النّاس، في الآمهم وأحزانهم. وفي هذه السنة، يوبيل الرّحمة، لا يمكنني أن أنغلق على ذاتي، ولا أستطيع أن أغضّ النّظر عن جروحات إخوتي البشر. نحن نقول في عيد التجسّد أي في عيد الميلاد “إنّ الكلمة صار جسدًا وسكن بيننا”، أمّا أنا فأتجرأ وأقول إنّ الكلمة صارت أخًا، إذ لا أستطيع أن أرى أخًا من إخوتي البشر، يعاني من الآلام والاوجاع دون أن أحاول المساعدة، فإنّ كلّ أخٍ هو يسوع. ويسوع نفسه يقول لنا في انجيل الدينونة إنّه كان جائعًا وعطشانًا ومسجونًا إذ إنّه يضع نفسه مكان كلّ أخٍ بحاجة إلينا. هذا هو يسوع الّذي علينا أن نبادر إلى لقائه، هذا هو يسوع الحيّ الحاضر في إخوتي المتألمين.
أمّا الحدث الثالث والأخير هو تلميذا عمّاوس. سوف نتوّقف عند أربع أفكار سريعة فيما يخصّ تلميذي عماوس، تلخِّص كلّ مسيرة حياة كلّ إنسان. إنّ هذين التّلميذين قد تعرّضا لصدمة. ونحن أيضًا نتعرّض في خضَّم الحياة إلى صدمات نتيجة فشل، دموع، حزن، موت، مرض، خيانة، غياب، وغيرها من الامور. هذه الصدمات قد تؤدي بنا إلى أن نطرح على ذواتنا السؤال عن السبب في تلك الصدمات. وهذا ما حصل مع التلميذين، فقد تعرّضا لصدمة قويّة وطرحا على أنفسهما هذا السؤال ولأنّهما لم يجدا الجواب قرّرا العودة من حيث أتيا. إنّ أحد التلميذين يدعى كلوبا أمّا الآخر فمجهول الاسم. إنّ لوقا كاتب الانجيل لم يذكر اسم التلميذ الثاني من تلميذي عمّاوس، وبذلك يشير إلى أنّ كلّ واحدٍ منّا يمكن أن يكون التلميذ الثاني المجهول الاسم. إنّ كلّ واحدٍ منّا عليه أن يمشي في هذه الطريق، أي أن يسير في طريق الحزن. إذًا، أنا وكلوبا نسير على هذه الطريق. فلنفكِّر اليوم، كيف نسير هذه الطريق مع أحزاننا والآمنا مع كلوبا؟ هذه أوّل محطة، في هذا اللّيل الطويل الّذي نعيشه، عندما يعيش الانسان صدمة أو جرحًا معينًّا يبدأ بطرح التساؤلات على ذاته، علَّه يعرف السبب. كما يمكن أن تطرح هذه الصدمة شعورًا بالحزن ورغبة بالبقاء وحيدًا. كلّ هذه الأمور عاشها التلميذان في المحطة الأولى.
ملاحظة: دُوِّنت العظة بأمانةٍ مِن قِبَلِنا.