إنّه حملُ الله الّذي سيرفع خطيئة العالم،

الأب ريمون جرجورة، كنيسة الميلاد الإلهيّ، الحضيرة – بيت الشِّعار.

باسم الآب والابن والروح القدس، الإله الواحد، آمين.

إنّ الإنجيل الّذي تُلِيَ على مسامعنا اليوم، تكلَّم عن يوحنا المعمدان الّذي كرّس حياته كلّها، مِن قَبلِ أن يُولَد، لكي يدلّ النّاس على يسوع المسيح، ويشهد له. إنّ العلامة الّتي أعطاها الملاك لمريم يومَ بَشَّرها بالحبل الإلهيّ، كانت أنَّ نسيبتها أليصابات هي حُبلى وَهِيَ في شهرها السادس. عند سماعها لهذا الكلام، قامت مريم مسرعةً إلى بيت زكريّا لتخدُمَ نسيبتَها الطّاعنة في السِّن إلى أن يحين موعد ولادتها بِيُوحنا. إنّ لوقا الإنجيليّ يصوِّر لنا جمال هذا اللّقاء بين الجَنِينَيْنِ والمرأتين الحوامل، قائلاً إنّ يوحنا قد ارتكض من شدّة الفرح في بطنِ أمّه حين سَمِعَ صوت مريم، ويُخبرنا الإنجيليّ أيضًا أنّ أليصابات قد اعترفت بمريم أمًّا للربّ حين قالت: “مِن أينَ لي أن تأتيَ إليَّ أمّ ربّي؟”.

إنّ يوحنا قد عاش في كنفِ عائلة تقيّة مؤمِنة، تنتظر مجيء المسيح المخلِّص، كسائر اليهود. إذًا، فَقَد اختبر يوحنا انتظار الشعب اليهوديّ لمجيء المخلِّص في عائلته، لكنّ الله أوكل إليه مَهمّة أخرى وهي تحضير الشعب لاستقبال المخلِّص. وفي هذا الإنجيل، قرأنا عن الله الّذي أعطى علامةً ليوحنا، بها يَعرِف المسيح المخلِّص، قائلاً له إنّ ذاك الّذي سيرى الروحَ القدس يحلّ عليه، هو الّذي سيعمِّد الشعب بالماء والرّوح لأنّه المسيح المنتظر. إنّ يوحنا قد أشار أيضًا إلى يسوع حين كان مع تلمِيذَيه، قائلاً فيه، إنّه حملُ الله الّذي سيرفع خطيئة العالم، وعند سماع هذين التلميذَيْن شهادة معلِّمهما في يسوع، تركاه وتبعا المسيح.

وقَبلَ أن يُقطَعَ رأسه، أرسل يوحنا اثنين من تلاميذه إلى يسوع ليسألاه إن كان هو حقًّا المسيح، أم أنّ الشعب بانتظار مسيحٍ آخر. إنّ هذا التصرّف مِن قِبَل يوحنا، يدفعنا إلى طرح السؤال التّالي على ذواتنا: أيُعقَل أن يُشكِّك يوحنا بهويّة يسوع، على الرغم مِن أنّه عَرَفه حين جاءه جنينًا في بطن مريم، فارتكض يوحنا في بطن أليصابات أمّه مِن الفرح ابتهاجًا بهذه الزيارة؟ إنّ الإنجيليّ أراد مِن خلال عرضِه لهذا الأمر أن يقول لنا إنّ الإيمان ليس سهلاً، وإنّ حالة الارتياب في الإيمان الّتي مرّ بها يوحنا، هي حالة يمّر بها جميع المؤمنين بالمسيح في أوقات الشّدة والـمِحَن، فالإيمان يتعرّض للتزعزع، في أوقات الشدّة والمصاعب لا في أوقات الرّاحة والبحبوحة. إنّ يوحنا لم يشكِّك بهويّة يسوع، غير أنّه كان يمرّ بشدّة كبيرة، وبالتّالي كان يحقّ له أن يطرح أسئلة على نفسه حول المسيح المنتظر، لذا أرسل بعض تلاميذه إلى يسوع، للحصول على الجواب اليقين منه. إنّ المسيح لم يُعطِ جوابًا كلاميًّا لتلاميذ يوحنا، إنّما جوابُه لهم كان مِن خلال الأعمال الّتي قام بها على مرأى مِن عيونهم، إذ شفى المرضى، وأعاد النّظر إلى العميان، وأقام الموتى، ثمّ طلب يسوع من تلاميذ يوحنّا أن يرجعوا إلى معلِّمهم ويُخبروه بما رأوا. وعندما عاد تلاميذ يوحنا إليه، اطمأنّ إذ أدرك أنّ مَن آمن به هو المسيح المنتظر، وبالتّالي أصبح على استعداد للموت، إذ أتمّ مَهمّته. إنّ تصرّف يوحنا هذا يشبه تصرُّفَ سمعان الشيخ في الهيكل، الّذي ما إنْ حَمَل المسيح بين ذراعَيه، حتّى طلب من الله: “الآن، أطلق عبدك بسلام، لأنّ عينيَّ قد رأتا خلاصَك”.

 

ملاحظة: دُوِّنت العظة بأمانةٍ مِن قِبَلِنا.

Instagram
Copy link
URL has been copied successfully!
WhatsApp