الصّليب هو علامة العبور إلى الحياة الأبديّة،

عظة للأب جوزيف عويس، خادم رعيّة مار مارون- بيادر ، زغرتا.

باسم الآب والابن والروح القدس، الإله الواحد، آمين.

في كلّ سنة، في هذا العيد، تزورنا جماعة “أذكرني في ملكوتك”، آتيةً من بيروت، لتُشاركنا فرحة هذا العيد وفرحة القيامة من خلال مشاركتنا في الذبيحة الإلهيّة. وكما العادة، تحتفل بلدة رشعين في عيد القدِّيسة الشهيدة مورا، باشتراك رَعيَّتيها: رعيّة مار مارون، ورعيّة مار يوحنّا. إنّ هذا العيد يدعونا إلى التعمّق في أَمرَين في غاية الأهميّة: الأوّل هو الشَّهادة للمسيح، والثّاني هو روح القيامة الّتي زُرِعت فينا في يوم عِمادنا المقدَّس.

إنّ القدِّيسة مورا، هي شهيدة من شهداء الكنيسة في القرون الأولى لانطلاقتها. في ذلك الزّمان، كانت الوثنيّة واسعة الانتشار، وكان المسيحيّون يعيشون إيمانهم في خجلٍ، إذ لم تكن لديهم عباداتٌ واضحةٌ، ودُورُ عبادة. في تلك الأيّام، كان الوالي الوثنيّ، يضع كلّ مرتَدٍّ للمسيحيّة أمام خَيارَين لا ثالثَ لهما: إمّا إنكار إيمانه بالمسيح وإمّا الموت. رَفَضت القدِّيسة مورا وكذلك زوجها ثيموتاوس التخلّي عن إيمانهما بالربّ، فقدَّما حياتهما ذبيحة على الصَّليب على مِثال الربّ يسوع المسيح. في أغلب الكنائس المارونيّة، يرتفِع الصَّليب فوقَ المذابح من دون المصلوب، لأنّ الصَّليب في إيماننا المسيحيّ هو علامة المجد والقيامة، إنّه علامة العبور من هذا العالم إلى الحياة الأبديّة.

إنّ كلّ مؤمنٍ مدعوّ للتعبير عن حبّه للمسيح من خلال قبوله الصُّلبان في حياته، طوعًا، فيتمجدّ الربّ في المؤمِن، وينال هذا الأخيرُ المجدَ في الحياة الأبديّة. لا قيامة من دون الصَّليب، ولا حياة أبديّة من دون الصَّليب. وهذا ما يبرِّر وجود الصُّلبان على نعوش المنتقلِين من بيننا، إيمانًا منّا بأنّ الصَّليب هو طريقنا إلى الملكوت.

اليوم، في هذا المقام المقدَّس، نتذكَّر مع جماعة “أذكرني في ملكوتك”، أحبّاءنا الّذين رافقونا في مسيرة حياتنا الأرضيّة، وقد عبروا من هذا العالم ليَدخلوا الفرح السماويّ في الملكوت. إنّنا نذكرهم في هذه الذبيحة الإلهيّة، ونصلِّي إلى الله لأجلهم، بشفاعة القدِّيسة الشَّهيدة مورا، طالبين من الربّ أن يمنَحنا النِّعمة للسَّير على خطاهم في شهادتهم للمسيح.

في يوم العِماد، نال كلٌّ منّا رُوح القيامة، في انسكاب المياه على رأسنا مرّاتٍ ثلاث، وقد ارتدينا ثوبًا أبيضَ، دلالةً على قبولِنا الدّخول في المجد والقيامة مع الربّ يسوع استنادًا إلى إيماننا به. إنَّ كتاب الاقتداء بالمسيح، تكلَّم عن المسيحيّين ومواجهتهم للصَّليب، قائلاً لنا: إنّ الّذين يشارِكون المسيح في صليب الآلام قلائل، في حين أنّهم كُثُرٌ أولئك الّذين يشارِكونه في المجد.

على كلِّ مؤمِنٍ مراجعة حياته، فيُدرِك إنْ كانت آلامه تشكلِّ صليبًا له يساعده على الاتِّحاد بالمسيح ومشاركته المجد السماويّ، أم أنَّها تُعيقه عن الوصول إلى المجد السماويّ. إنّ صعوباتنا الحياتيّة تكتسب قيمةً خلاصيّة حين نقدِّمها للربّ يسوع المسيح الّذي عانى من الآلام في سبيل خلاصِنا، إذ تقودنا عندها إلى مكان الفرح الأبديّ، إلى مكان الرَّاحة في الملكوت السماويّ.

في مساء هذا العيد المبارك، نجدِّد معًا إيماننا بالربّ يسوع والتزامَنا به، طالبين منه أن ينمِّي محبّتنا له في قلوبنا، فتظهر للآخرين من خلال أعمالِنا، وتساهم في وصولِنا إلى الفرح الأبديّ يومَ ننتقل من هذا العالم إلى الحياة الأبديّة، ونتَّحِد به، له المجد الآن وإلى الأبد. آمين.

ملاحظة: دُوِّنت العظة بأمانةٍ من قبلنا.

Instagram
Copy link
URL has been copied successfully!
WhatsApp