محاضرة للخوري جوزف سلوم،
تنشئة حول”لاهوت الموت والقيامة”،
الموت والقيامة عند الإزائيين،
يستهلّ الخوري سلّوم موضوعه بالتذكير بأنّ الكتاب المقدّس يُقسم إلى قسمين: “العهد القديم”، و”العهد الجديد”، ويتألّف هذا الاخير من سبعة وعشرين كتاباً، بينها الأناجيل الأربعة، وتلحق بها “أعمال الرّسل” ورسائل “مار بولس”، وغيرها، انتهاء بـ”رؤيا يوحنّا”.
ويشير الخوري سلّوم إلى أنّ كلّ تنشئة هي تتلمُذ، نتمثّل فيه بصورة العذراء عند أقدام المسيح، كذلك نحن نرتمي عند أقدامه لنتعلّم، ونتتلمذ.
وينتقل الخوري سلّوم إلى أناجيل الإزائيين، موضوع التّنشئة، وقد سُمّوا بالإزائيين، لتشابه الأحداث في أناجيل كلّ من :”متّى”، “مرقس” و”لوقا”.ويقول الخوري، إنّ انطلاقتنا في موضوعنا، هي في موت المسيح، الذي تنبّأ به هذا الأخير، عندما جمع تلاميذه، وانفرد بهم، بعيداً عن النّاس الذين، عرف المسيح إنّهم لن يفهموا، وقال لهم: “سيُسلّم ابن الإنسان إلى الأحبار، فيحكمون عليه بالموت”، وهذه النّبوءة، تتكرّر عند كلّ من الإنجيليين الثّلاثة، في آيات وفصول مختلفة.
أمّا النّبوءة الأولى للقيامة، فكانت عبر دهن مريم المجدليّة أقدام المسيح بالطّيب، ما يدلّ على خلود المسيح. والثّانية، كانت في نبوءة “يونان”، الذي تكلّم عن حوت ابتلع يونان لمدّة ثلاثة ايّام، ثمّ قذفه إلى الشّاطئ في اليوم الثّالث، تنبّؤاً بالقبر الذي سيقفل على المسيح، لكنّه يعود ويقوم في اليوم الثّالث.
أمّا الآلام، في خميس الأسرار، فيتكلّم الإنجيليون فيها عن كلّ أحداث الآلام، من المؤامرة والخيانة، والفصح، وإنكار بطرس ليسوع، وصلاة يسوع في بستان الزّيتون، وتسليمه، ومحاكمته، وموته، وهذه مشتركة عند الإنجيليين، ويضيف لوقا، اللّصين، وتكون شمعة لصّ الشّمال مطفأة يوم الجمعة العظيمة، وتضاء شمعة لص اليمين عند ذكر: “اذكرني في ملكوتك”، “اليوم تكون معي في الفردوس”.
أمّا في ما يخصّ قيامة المسيح، فتأتي في إنجيل متى 28، رشوة الرّؤساء للحرّاس لكي يشهدوا بالزّور، ويقولوا إنّ تلاميذ يسوع قد سرقوه، وإظهار المسيح لذاته أمام تلاميذه، وإرسالهم. ويضيف مرقس “الصّعود” في الفصل 16. لكنّنا نجد في إنجيل لوقا 24، زيارة النّساء للقبر، ويتفرّد هذا الإنجيلي بالتّرائيّات، وكيف يظهر يسوع لتلميذي عمّاوس، فيدعوانه للمكوث عندهم‘ إذ حلّ اللّيل، ويكسر الخبز أمامهم، فيعرفون أنّه المسيح. ونرى المشاهد الثّلاثة الأهمّ في حدث القيامة: “مريم المجدلية التي عرفت المسيح من صوته”، وهذا الصّوت بالذّات هو الذي يعرّفنا بيسوع، أي الإنجيل، ” وتلميذي عمّاوس اللّذين عرفاه عند كسر الخبز والاختفاء”، لأنّنا نلتقيه في القربان، و “توما الذي ما صدّق أنّه المسيح، إلاّ عندما طلب إليه هذا الأخير أن يضع إصبعه في جنبه ليؤمن،
لكنّ توما لم يضع إصبعه، بل سجد وتلا أجمل فعل إيمان: “ربي وإلهي”. وصار يسوع حاضراً في آلام النّاس وأوجاعهم.
نستخلص إذاً ثلاثة عناوين للقيامة: ” الإنجيل، الإفخارستيا، آلام النّاس”، وإن نحن لم نعمل بحسب هذه العناوين في حياتنا، فمسيحيّتنا باطلة، لأنّ وجه يسوع موجود في هذه الثّلاثة.
والسّؤال المطروح: “لمَ سُلّم البريء للمحاكمة؟”. هناك أربعة أسباب دفعت بالنّاس ليتآمروا على المسيح، ويقفوا ضدّه، وحتّى المتخاصمين اتّفقوا ضدّه. والأسباب هي:
• التّعدّي على الشّريعة: الشّفاء يوم السّبت، لأنّ الإنسان أعظم من الشّريعة.
• التّهديد بهدم الهيكل: و التحدّي ببنائه في ثلاثة أيّام، وقد قصد فيها المسيح قيامته وانتصاره في اليوم الثّالث، هو الهيكل الجديد.
• إقامة ألعازر صديقه من بين الأموات: بعد أربعة أيّام كان يسوع فيها غائباً، وفي الحالة الطّبيعيّة يبدأ الجسد بالتّحلّل، إلاّ أن ّ المسيح أقامه سليماً من الموت، ووقع جدال له مع الصّدّوقيين غير المؤمنين بالقيامة.
• مغفرة الخطايا: عند شفائه المخلّع، بعد غفرانه خطاياه، و تململ الفرّيسيين واعتراضهم على هذا السّلطان الذي لا يملكه إلاّ اللّه، و هنا يدعو لمسيح المخلّع للانطلاق والقيامة: “قم” واحمل سريرك، وامش.
يعلّمنا إذاً، “موت” يسوع، و”قيامته”، أنّ ليسوع طبيعتين: بشريّة، تخاف الموت:”أبعد عنّي هذه الكأس”، وتموت حقّاً، لكن لا تدركها الخطيئة ولا الفساد، “وإلهيّة” تنتصر على شوكة الموت، وتغلب الجحيم.
فالمسيح لم يلغ الموت، بل أعطاه بعداً جديداً مليئاً بالرّجاء.
المسيح انتصر على الموت، وخلّصنا من الخطيئة، وصالحنا مع اللّه.
المسيح بموته، هيّأ لنا مكاناً عن يمين اللّه.
المسيح بموته، حمل بشرى للسّاكنين في أعماق الظّلمات.
وقد أبرزنا بعد هذه اللّمحة الموجزة على الأناجيل الثّلاثة، أنّنا إن أردنا أن نتكلّم في الموت والقيامة، فما علينا إلاّ الكلام عن موت وقيامة المسيح.
وإنجيل “متّى”، على وجه الخصوص، يُمكن أن يُلقّب ب”إنجيل الملكوت”، لتنامي هذه الفكرة فيه، من بدايته حتّى نهايته. ويختار الخوري سلّوم الكلام على فكرة “الموت-الشّهادة” في إنجيل “متّى”، من:
* مقتل أطفال “بيت لحم” الأبرياء: لماذا موت الأبرياء من أجل يسوع؟ والإجابات عن هذا السّؤال كثيرة، لكن يبقى موت هؤلاء سرّاً، لأنّ الرّب لا يهتمّ للسّنّ عندما يأخذنا إليه، بل يهتم لكوننا بمعيّته. وموت الأطفال هذا هو مشاركة مسبقة بسرّ الفداء الذي كُشف بموت المسيح على الصّليب، تكفيراً عن خطايانا.
* الاضطهاد: “سيُسلم الأخ أخاه إلى الموت”، وهذه معضلة أخرى.
* قطع رأس “يوحنّا المعمدان”: شهادة لأعظم ما في مسيحيّتنا “يسوع المسيح”.
إذ من الافضل لنا، أن يوضع رأسنا على طبق، على ان نحمله شاهدين ضدّ الرّب.
* مثل الكرّامين القتلة: الذي حمل نبوءة بموت يسوع.
* عظة التّطويبات: متى (5: 1-12)
* الشّفاءات: تخليص من الموت.
وعرفنا من خلال هذه الشّفاءات أنّ الملكوت خال من الألم، والمرض، أي عرفنا ما في الملكوت.
* السّؤال عمّا إذا كان يسوع هو المسيح المنتظر: والإجابة بأنّ العمي يبصرون، والموتى يقومون، وهذه صورة عمّا في الملكوت.
* لا تخافوا ممّن يقتل الجسد: خافوا ممّن يقتل الرّوح، وفي هذه المقولة نبوءة، عن الخوف من الموت الثّاني، أي الجحيم، أي عدم التّواجد مع الرّب.
* تعاليم يسوع حول قيامة الأموات متى 22: جدال المسيح مع الصّدّوقيّين الذين لا يؤمنون بـ “قيامة الموتى”، ويسألونه عن المرأة التي تزوّج مرّات عدّة بعد موت كلّ من أزواجها، فلمن تكون المرأة في الملكوت؟ فيجيبهم يسوع بأنّه في الملكوت: “لا زواج ولا تزويج”، بل يكون النّاس “مثل ملائكة في السّماء”. ونجد في إنجيل متى 24-25 كلاماً عن الملكوت: خراب الهيكل، قيامة أمّة على أمّة، اندلاع حروب، مجيء ابن الإنسان، كالبرق، ولا أحد يعرف لا الوقت ولا السّاعة، لأنّ الموت يبعثر المشاريع الإنسانيّة الموقوتة جميعها، ولكنّه ليس مفاجأة للمتحضّرين، المؤمنين، المستعدّين، الذين يحيون مع اللّه. ويشدّد متّى على :السّهر، التّوبة، حسن الانتظار، الأمانة للرّب.
ويشدّد متّى في إنجيله 25 على مثل العذارى الحكيمات، والعذارى الجاهلات، واستعداداتهنّ لملاقاة العريس. ويقول إنّ الموت عرس، أي دعوة إلى فرح، ويسوع هو العريس. كما يبيّن متى في إنجيله الدّينونة العظمى، وتمييز الخراف من الجداء. وتتبيّن شروط الدّخول إلى الملكوت في إطعام الجياع، وزيارة المرضى وغيرها من أعمال الرّحمة.
ويتطابق إنجيلا متى ومرقس في الكلام عن القيامات الثّلاث: من ألعازر، إلى ابنة يائيروس، إلى ابن أرملة يائير حيث يمتدّ يد يسوع القديرة، المملوءة مراحم، على موكب الحزن، فتحييه وتفرحه بالقيامة أي بالالتقاء بموكب يسوع. ويختلف لوقا بإنجيل الشّيخ الذي قال: “اليوم تطلق عبدك بسلام، لأنّ عينيّ أبصرتا خلاص إسرائيل”. كذلك علينا أن نتمنّى ألاّ نغادر الدّنيا من دون أن نعرف معنى الخلاص، من دون أن نعرف “يسوع”.
فالتقاء موكب حزننا، بموكب فرح يسوع، هو الدّعوة إلى القيامة، هو الدّعوة إلى الرّجاء.
أمّا مشهد “تجلّي” يسوع على الجبل في أبهر وأجمل صورة، هو صورة عن الملكوت، عن السّماء، حالة النّور، وغفو الميت في الأنوار.
أمّا مشهد الغني وألعازر لوقا 16(19-21)، فيدلّ إلى تساوي النّاس كلّهم في الموت، لكنّ الغني مجهول أمّا الفقير فاسمه ظاهر، وحملته الملائكة بعد الموت إلى حضن ابراهيم، لكنّ الغني دُفن وقُبر.
ومع هذين المشهدين، ختم الخوري سلّوم موضوعه، مُذكّراً بحتميّة الموت، وواجب الاستعداد له، والنّظر إلى وجهه الإيجابي بالرّجاء بيسوع المسيح المنتصر عليه.
ملاحظة: دُوِّنت المحاضرة بأمانةٍ مِنْ قِبَلِنا.