الحبّ والوفاء لأمواتنا،
الخوري جوزف شلوم – في القداس الإلهي الذي احتفلت به الجماعة
بمشاركة عائلة أنت أخي – بلونة.
باسم الآب والابن والروح القدس، الإله الواحد، آمين.
يا أحبَّتي،كلُّ ميلادٍ بحاجةٍ إلى جواب، وفي إنجيلِ اليوم، تُعطي العذراء مريم جواباً لنداء الربّ بالكلمة: “أنا أَمَةُ الرَّب”، وبالعمل: “قامَتَ مسرعةً”، أي لبَّت النّداء بسرعةٍ. والرعاة أيضاً، قد لبَّوا النّداء وقاموا مسرعين عندما نقلَت إليهم الملائكة بشارة ميلاد الرب يسوع. وهنا علينا أن نتنبَّه إلى هَرَمِنا، وتباطُئِنا في تلبية النِّداء إن كانت قولاً أو فعلاً. كما أن بَعضُ النداءات صامتةٌ والأخرى متكلِّمة، ولكن لا يجدُ كلُّ نداءٍ جواب.
العذراء مريم إذاً هي تابوت العهد الجديد، حملت الله في أحشائها وانطلَقت من الناصرة إلى عين كارم، واستغرقَ الطَّريق أياماً ثلاثةً، استراحت خلالها في العديد من المحطَّاتِ والبيوت، وحملت إلى كلِّ وجهٍ التقتهُ “البركة”، لذا قد نادتها أليصابات عند لقائهما بكلامٍ ووصفٍ ليس من عندها: “مباركةٌ أنتِ بين النِّساء”، ومن المهمّ جدّاً أن نحملَ نحن أيضاً البركة، كما حملَتها العذراء مريم إلى كلِّ بيتٍ وشخصٍ، وصولاً إلى زكريَّا وأليصابات ويوحنا. والسؤال الذي يطرحُ نفسه هنا: هل أنا مستعدٌّ أن أحملَ البركة في العالم اليوم، بالرَّغم من القلق والخوف والجراح والهواجس والفقر؟ هل أستطيع؟ فأسمع نداءً كنداءِ أليصابات، الذي حملَ للعذراء مريم مُباركتَيْن، الأولى: “مباركةٌ أنتِ في النساء” كعلامةٍ لاختيارها من بين كلِّ نساءِ الأرض، والثَّانية: “مباركةٌ ثمرة بطنك”، أي الرَّبّ يسوع المسيح.
وعندَ هذا اللقاء، نجدُ أيضاً ارتكاض الجنين في بطن أليصابات، تعبيراً عن فرحِ يوحنا بهذا اللقاء، ولكن إلامَ يرمز هذا الفرح؟ من المعروف أنَّ أي جنين في الشَّهر السادس يتحرك، وتشعرُ والدته بهذه الحركة، ولكن، ما الاختلاف في ارتكاضِ هذا الجنين؟ ولمَ حدث في بداية زيارة مريم؟ يعودُ بنا هذا الحدث إلى العهد القديم، وتحديداً إلى عهد الملك داود، إذ كان يوجد ما يعرف بـ “تابوت العهد” والذي كانت تُوضَع عليه الوصايا العشر رمزاً لحضورِ الله بين الشَّعب،
وعندما قرَّرَ داود أن يأخذَ تابوت العهد إلى هيكل أورشليم، كان يسيرُ أمامه بالمزمارِ والآلاتِ الموسيقيَّة ومظاهر الفرح والبهجة، احتفاءً بالله الموجودِ وسط الشَّعب. وفي هذا المقطعِ الإنجيليِّ، يمثِّلُ يوحنَّا داود الذي طُرِبَ وفرحَ ورقصَ، ومريم هي تابوتُ العهد، الحاملةُ للشَّريعة والأنبياء وربُّهم، الحاملةُ ليسوعَ المسيح. وإن قرأنا أيضاً في قصَّة تابوت العهد، لوجدنا أنَّه في طريقه إلى أورشليم، بقيَ في بيت عوبيد مدَّة ثلاثة أشهرٍ، ومريم مكثت في بيت أليصابات وزكريا أشهراً ثلاثةً أيضاً تخدم. أي مريم حملَت الله إلى هذا البيت بامتياز، فالعذراء في هذه الزيارة أرادت أن تُعبِّرَ عن روح الخدمة، بخدمتها في هذا البيت مدة ثلاثة أشهرٍ مجاناً دون تذمُّرٍ، وبفرحٍ، وأعلنَت أنَّ يسوع الذي في أحشائها ربٌّ، ولذا صرخت أليصابات حين رأتها: “من أين لي أن تأتي إلي أمُّ ربي؟”، معلنةً العقيدة المريميَّة الأولى، وأنَّ من في أحشائها هو الرَّبّ.
وبالإضافة إلى لقاء العهدَين، وتسليم العهد القديم للعهد الجديد، جعلت مريم من حضور الله أقرب إلينا من خلالها، حملته إلينا فلم يعد بعيداً. ومن المهم جدّاً أن نكونَ نحن أيضاً كمريم، فيشعر الآخرون عند حضورنا أنَّ الله قريب.
وكما فرحت مريم بما صنعَ الله معها، فأنشدَت بفرحٍ: “تُعظِّمُ نفسي الرَّب”، كذا علينا نحن أيضاً أن نرتِّلَ للرَّبِّ متى شعرنا بصنيعِهِ إلينا، ونفرحُ منرنِّمين بحضورِ الله القريب.
ومن هذا المنطلق، أودُّ أن أشكرَ ربّنا على نعمة وعطيَّة هذا اللقاء، وأرجو أن أَحملَ إليكم اليوم في هذه الزيارة، وفي كل زيارةٍ أقوم بها، حضورَ الله، آمين.
ملاحظة: دُوِّنت العظة بأمانةٍ مِن قِبَلِنا.