تَذكار قطعِ رأس يوحنّا المعمدان،

الخوري يوسف الخوري – رعية سيّدة الخلاص – مرجبا.

باسم الآب والابن والروح القدس، الإله الواحد، آمين

في تذكارِ قطعِ رأس يوحنا المعمدان النّبيّ العظيم – الذي قال عنهُ الربّ يسوع إنّهُ من أعظَمِ مواليد نساءِ العالم – نرى كيف أنه ببساطةٍ وبهدف إشباعِ شهوةٍ، قُطِعَ رأسُه. ونسألُ: كيف قطَعوا رأسَ يوحنا ويسوع موجودٌ؟ ألم يستطعْ يسوع أن يحميَه؟ ألم يستطعْ يسوع أن يُبعِدَ عنْه هذا الشَّر؟ ونحن في كلِّ مرّةٍ تحدثُ لنا المصائب نتساءل: لماذا؟ أين يكونُ الربّ يسوع وقتَها؟
مع يوحنا المعمدان نرى أنَّ الشّرَّ هو الذي يُهاجمُ الإنسانَ. ونحن كلّما ماتَ أحدُّنا بحادثِ سيرٍ أو لأيِّ سببٍ كان، نقولُ “الملائكةُ تحملُه إلى السّماءِ” كموتِ وقيامةِ الرّب يسوع، إذ قيلَ في آخرِ الإنجيلِ “أتى التّلاميذ فذهبوا ورفَعوا جُثمانَه” (مر 29:6). بفعل القيامةِ أصبحَ لدينا هذا المفهوم أو العقل الواعي للحياةِ الأبدية. واليوم، مع جماعة “اذكرني في ملكوتِكَ” في الأسبوعِ الأخير من كلِّ شهرٍ، نردّدُ دائماً “اذكرني يا ربّ متى أتيتَ في ملكوتك”، ونتذكّرُ لصَّ اليمين وقولَ الربِّ “اليوم تكون معي في الفردوسِ”.

إذا تأمّلنا في مصير كلِّ مِن هذا اللِّصَّ ويوحنا المعمدان، نلاحظ الفرقَ الشاسعَ بينهما. فالّلص استحقّ الصَّلبَ بسبب جريمةٍ هو اعترف بها، أمَّا يوحنا المعمدان فبسببِ قولِ الحقِ قطَعوا رأسَه. في أوقات كثيرةٍ، عندما نقولُ الحقَّ نتلقّى أسهُماً كثيرةً وقطعَ رؤوسٍ. لكن ما معنى قطع رؤوسٍ؟ يعني الشّتائمَ؛ فقطعُ رأسِك لا يعني ضَربَهُ بالسَّيفِ بعد الآن، بل الألسن الّتي تتكلّمُ بالعرضِ والطّولِ وشمالاً ويميناً كأنها سيفٌ، ولكن أصحابَها لا يعرفون أنَّهم مثل هيرودس وهيرودية وابنتها. بالشّهواتِ ينالونَ من البارَ وبالشّهواتِ يريدون التغلُّب على الحقِ.

الحقُّ في كلّ مرّة سيكون المنتصرَ ولو تأخَّر نصرُهُ. ومَن يعرفُ أنّه ظالمٌ بتصرّفه ويُمعنُ بذلك مكابراً تكون خطّيئَتُه عظيمةٌ كبيرةٌ، وسينالُ حتفَهُ مثل هيرودس. بعد قتلِ يوحنا بكى هيرودس ووبَّخَهُ ضميرُه لأنّهُ ما كان عليهِ أن يقتلَهُ، إذ كان يحبُّ يوحنا ويخافُ منه ويهابُه ويحترمه كثيراً لأنّ يوحنا كان يقولُ الحقَّ. ونحنُ اليوم عندما نقولُ كلمة الحقَّ يجب ألَّا نخاف من شيءٍ، وذلك إذا كانت فعلاً كلمةَ حقٍّ مطلقة سماوية. كثرٌ هم من يظنُّون أنَّ الحقَّ معهم لأنَّهم يرَون ذلك صحيحاً، ولكن عندما ننظرُ إلى الأمور من منظار يسوع قد يُصبح هذا الحقُّ باطلاً. علينا أن نسمعَ ما يقولُه لنا يسوع، ونُدركَ الحقَّ الذي يُعلِّمُنا إيَّاه. ورفضُ هذا الحقّ هو أنانيةٌ وكبرياءٌ نقعُ فيهما دائماً.

الانجيلُ يُخبرنا قصَّة يوحنا المعمدان بطريقة تتضمّن الكثيرَ من الّلاهوتِ. فهيرودس اعتقدَ بعد موت يوحنا المعمدان، أنّ يسوع الذي كان يُعلِّم في تلك الفترة ويقول كلمة الحقِّ ذاتها، هو يوحنا المعمدان القائم من الموت، فقالَ: “أنا قتلتُه ولكن هو قام من بينِ الأموات”. والبعضُ الآخر اعتقد أنّ يسوع هو إيليا – الذي دُعي بكاروزِ الحقِّ – أتى يتكلّمُ بكلمة الله.
ونحن يوم الجمعة من الأسبوع، نذكر في قدّاسِنا الشّهداء. شهداء كلمةِ اللهِ وهم كثرٌ، البعضُ منهم أصبح في الأخدار السّماوية والبعضُ الآخرُ ما زالَ على الأرض يتعذَّب ويتألَّم، شهداءً أحياءً لقولِ كلمةِ اللهِ أمامَ شعبٍ عاقٍّ لا يستوعِب وليس لديه الإيمان المنفتح والواعي. شعبٌ لا يعرف أن يقول فعلاً: “اذكرني يا ربّ في ملكوتك”، بل على العكس يكون مثل لصِّ الشمال يتهكَّم على المسيح وأتباع المسيح، ويفعل ما يريده ساخراً لعدمِ الايمان. فعندما يكون لدينا الإيمان نُدركُ فعلاً معنى “اذكرني يا ربّ في ملكوتِكَ”.
هذه العبارة تُذكِّرُنا بهاتيْن النُّقطتَينِ؛ لصُّ اليمينِ، والغنيُّ والعازار. وهي مشاهدٌ كتابيَّةٌ تعلِّمُنا وتُكتَبُ في عقولِنا وقلوبِنا ليتمَّجدَ اسمُ الرّب في أعمالِنا وأقوالِنا وسلوكِنا.
نحنُ في أيّامٍ يُقالُ أنَّها نهايةُ العالمِ، بحسب المحلّلين ومبتكري البِدَع والذين يستَندونَ إلى رؤيا يوحنا. إذا كانت هذه النهاية بالفعل، فكيف نتحضّرُ ونستعدُّ؟ أنرتكِبُ المشاكل من لا شيء؟ أندوسُ العالم ونسيرُ؟ لا، فعلينا ألاّ نَكتُم الضّميرَ ونقْتُلُهُ ونقتلُ الإيمان، بل أن نكون أبناءَ إيمانٍ وتلاميذ ليسوع وأبناء الآب ونصلِّي “الأبانا” فيسوع يريدُ قلبَنا: “أعطِني قلبَك يا بنيَّ…”
هذا هو الملكوتُ الّذي نحنُ مدعوُّونَ إليهِ. وجماعة “اذكرني في ملكوتكَ” من خلال الصّلوات من أجل أمواتِنا، تُذكّرُنا دائماً أنّنا نحن الأموات؛ نحنُ الأموات الأحياء الّذين يُفترَض بنا أن نُحضِّر أنفسَنا للعبور.
هل نقْبَل فعلاً بروحِ الإيمانِ وشجاعتهِ رحيلَ أحد أحبَّائنا مهما كانَ المصابُ أليماً؟ هل نحن واقعيّون قياميُّون؟ وهل لنا الحقّ بأنْ نسأل اللهَ لماذا؟ يسوع على الصّليبِ قال لَهُ: “لماذا تركْتَني؟” وفي بستانِ الزّيتونِ قال لَهُ: “أبعِدْ عنّي هذه الكأس” ونحن أيضاً هكذا نسألُ ونطلبُ ولكن في النهاية نقولُ: “لتكن مشيئتُك”. فمشيئةُ الرّب تكونُ دائماً ونكونُ دائماً في طاعةٍ لها. ونعرفُ كيف نكون صوتَ يوحنا المعمدان الصّارخُ في بريّةِ هذا العالم، الصارخ بالحقِّ الإلهي والحقِّ المطلقِ، الذي هو اللهُ، هو يسوع.
ليُبارِكنا الرَّبُّ في هذا المساء المبارك، ولنكون فعلاً أبناءَ القيامةِ أبناءَ الملكوتِ ونقول للرّبِّ: “اذكرني يا ربّ في ملكوتِكَ” آمين.

 

ملاحظة: دُوِّنت العظة بأمانةٍ مِن قِبَلِنا.

Instagram
Copy link
URL has been copied successfully!
WhatsApp