سبت الأموات،

عِظة للأب أنطوان التداف، خادم رعيّة مار الياس الحيّ – الخنشارة، المتن.

أخواتي، إخوتي،
ونحن في مهابةِ موقفٍ كهذا وفي هذا المكان بالذّات، تحضرني لوحةٌ لأحد الفنّانين تمثِّل آدم يرتجف خوفًا وهَلَعًا، وعندما أَقْبَلَ عليه اللّيل الأوّل، وكان قد نَعِمَ بكلِّ ما طابَ في الفردوس، راح يندب حظّه التّعس، وسعادته الّتي سيفقدها. ولكن سرعان ما ولّى اللّيل وعاد النّهار مِن جديد، واستعاد آدم معه طمأنينته وسعادته.

يا أحبّة، إنَّ ما حصل لآدم يومًا في الفردوس، يحصل لأبناء آدم كلّ يوم. فعندما يُقبِلُ ليلُ الحياة، أي الموت، يخاف الإنسان ويضطرب، لِظَنِّهِ أنّه سوف يخسر كلّ مباهج الحياة وطيّباتها، ويخسر معها أهله وأصدقاءه ومُحبّيه، وما جَمَعَ مِن مالٍ وجاهٍ طوال سِنيّ حياته على هذه الأرض، وما كان يُمنِّي النَّفسَ به مِن آمال.

لكن لو عاد ذلك الإنسان إلى إيمانه، وكلُنا مؤمنون أليسَ كذلك؟ لرأى أنّ ليل الحياة، أي الموت، سُرعان ما ينقضي ويعقبه نهار الأبديّة السّاطع، فينقله إلى حياةٍ أفضل وسعادةٍ دائمة وهانئة، فيستعيدَ معها طمأنينته وسعادته. وسعادةُ الإنسان على الأرض مهما كانت غامرةً فإنّها تبقى محدودةً ومهدَّدةً بالزّوال، وكلُّ سعادةٍ محدودة ومهدَّدة بالزّوال ليست سعادة حقيقيّة، وأمّا سعادةُ ما بعد الموت فهي دائمةٌ بدوام الله وتُولي الإنسان طمأنينةً وغبطةً لا حدَّ لهما. فالموت إذن ليس رجوعًا إلى العدم فنخاف منه، بل إنّه انتقالٌ إلى حياة أفضل: الحقّ الحقّ أقول لكم، يقول السيِّد المسيح: “مَن يسمَع كلامي وآمَن بِمَن أرسلني، فله الحياة الأبديّة ولا يمثل أمام القضاء، بل انتقل من الموت إلى الحياة” (يو 5: 24) .

أحبّتي، هل أطيب وأشهى من عودة الابن إلى أبيه بعد غيابٍ طويل؟! والقدِّيس بولس بعد السيِّد المسيح قد فَهِمَ الموت هكذا بقوله: “لا نريد أيّها الإخوة أن تجهلوا مصير الأموات لئلّا تحزنوا كسائر النّاس الّذين لا رجاء لهم” (ا تس 4: 13).

فالموت إذن لا يُفقِدُنا إلى الأبد، مَن نَفقِد على الأرض بل هو مجرَّد فراقٍ مؤقّت أو إذا شئتم إغترابًا، وإن يكن إلى أبعد من الاغتراب في دنيا البشر. فما الفرق بين مغتربٍ إلى بلاد شاسعة، يقضي بعيدًا عن أهله وذويه عشرات وعشرات السِّنين، وبين مغتربٍ إلى دنيا الأبد، يعرف أهله ومحبّوه أنّهم سيلتقون جميعًا بعد عُمرٍ مديدٍ في بيت أبيهم السماويّ؟ نِعمَ اللُّقيا ونِعَمَ المكان، عسانا وإيّاكم جميعًا أن ننعم بهذا الوطن السماويّ المشتهى. ونعزّي بعضنا بعضًا على مَن فقَدْنا، أطال الله بعمركم، هو السَّميع المجيب. آمين.

Instagram
Copy link
URL has been copied successfully!
WhatsApp