عظة للأب فادي سركيس،
رعيّة القدّيسين عبدا وفوقا – بعبدا.
الحبّ والوفاء لأمواتنا،
إخوتي الاحبّاء، نقدِّم هذه الذبيحة الإلهيّة لراحة نفوس جميع إخوتنا المدّونة أسماؤهم في سجلّ الحياة مع جماعة “اُذكرني في ملكوتك”.
هذه هي السنّة الثالثة على إطلاق هذه الجماعة في رعيّة القدّيسيْن عبدا وفوقا في بعبدا. وفي السنة الثالثة، يُحتفل بهذا القدّاس تذكارًا لكلّ موتانا واعترافًا منّا بأنّهم مع المسيح القائم قائمون، لأنّهم آمنوا به وهو القائل: “من آمن بي وإن مات فسيحيا”. وقد أسّسنا هذه الجماعة في زمن الصّوم المبارك، يومها عشيّة عيد القدّيس يوسف، شفيع الميتة الصّالحة. وفي هذا الزمن المبارك، زمن الصّوم، تحتفل الكنيسة بزمن العودة إلى الذّات وإلى الله وإلى القريب، لأنّ القريب هو صورة الله بيننا. وتُذَّ¬¬¬¬¬¬كرنا الكنيسة مع بداية زمن الصّوم بأننّا من التّراب وإلى التّراب نعود.
وفي الأحد الفائت، الأحد السادس من زمن الصّوم بحسب روزنامة الكنيسة المارونيّة، تحتفل الكنيسة أيضًا بذكرى شفاء الأعمى، ابن طيما أي ابن التّراب، الذّي أعطاه الرّبّ نعمة أن يرى ويُبصِر. ويـا جمال ما أبصر، لأنّه أبصرَ يسوع وجهًا إلى وجه. هذا ما تعيشه الكنيسة عندما تصلّي مع أمواتنا وهم يغادرون هذه الأرض، في صلاة المرافقة، متمنيّة أن يروا وجه يسوع. وهذا ما آمَنَتْ به الكنيسة منذ انطلاقتها، أن تصلّيَ للأموات، لا على أنّهم أموات بل على أنّهم أحياء عند ربّهم. وبما أنّهم عاشوا حياتهم مؤمنين بالمسيح، فهم ينتقلون من هذه الحياة ويتّحدون به على ما جاء في رسائل القدّيس بولس: “إن مُتنا معه نحيا معه، وإن حَيينا معه فسنملك معه”.
أيضًا هذا هو إيمان الكنيسة التّي تدعونا اليوم للشراكة مع هؤلاء القديسين الذّين سبقونا ونحن على الدرب سائرون. كلّ منّا، يجد ذاته في استعدادٍ لهذا اليوم الأخير، لهذا اليوم الذّي فيه نلتقي بالله الآب والابن والرّوح القدس وبشراكة القدّيسين.
البعض منّا يقول: “لمَ الاستعجال، سوف نصل حتماً، فلنعشْ الآن، بعض الأيّام كما يليق”، وكأنّ تلك الحياة الأبديّة لا تليق فينا، وكأنّ هذه الحياة هنا فقط هي اللائقة، تليق بالنّاس الذّين أعطاهم الله الوجود. وللحال، فإنّ الرّبّ الّذي أعطانا نعمة الوجود، يعطينا أيضًا اليوم، وكلّ يوم، نعمة الوجود الأساسيّة الّتي هي أن نُوجدَ بوجهه، نوجد وجهًا إلى وجهٍ معه. هذا ما يحصل في القدّاس: نكون في لقاءٍ وجهًا إلى وجهٍ مع الربّ يسوع الّذي أحبّ خاصّته فبذل نفسه عنها. وما بالُنا نبحث خارج هذا الإطار عن وجه يسوع! وجهُ يسوع هو وجه الحبّ، وجهُ يسوع هو وجه الغفران، وجهُ يسوع هو وجه الرّحمة، فكيف بنا نبحث عنه خارج هذا الإطار؟ لن نجد وجه يسوع إلاّ في وجهِ كلّ مستضعف. لن نجد وجهَ يسوع إلاّ في وجه الغريب واليتيم والجائع والعطشان، والّذي قسَت عليه الأيّام. هناك نجد وجه يسوع.
وهذا الوجه الذّي يُمَكّنُنا من أن نعبُر معه إلى حالة السّماء. هذا الوجه هو وجهُ العبور، هذا الوجه هو جسر العبور إلى ملاقاة الرّبّ الذّي يقول لنا في اليوم الأخير: “كلّ ما فعلتموه إلى إخوتي هؤلاء الصّغار فليّ قد فعلتموه”. في اليوم الأخير، يقول لنا الأباء القدّيسون سوف نُدان على الحبّ وعلى الرّحمة، على الانتباه للآخر، لا على دينونة الآخر ولا على قسوتنا عليه. هذا ما علّمنا إيّاه الآباء القدّيسون، فهلاّ سلكْنا في هذا الزمن المبارك، زمن الصّوم المقدّس، الّذي فيه نعيش ملء الخصب الرّوحيّ، الربيع الرّوحيّ، لنُثمر ويدوم ثمرُنا.
نحن أغصانٌ في كرمة يسوع المسيح، وكلُّ غصنٍ لا يثبت في هذه الكرمة يَيْبَس، فيُقطع ويُلقى في النّار، هلاّ عرفنا أن نكون أغصانًا حاملي ثمرٍ يدوم ويليق بنا وبالرّبّ الّذي جعلنا أغصانًا في كرمته، أي أعضاءً في جسده السّريّ، في الكنيسة. هذا ما يدعونا إليه الرّبّ في هذا اليوم وكلّ يوم. هذا ما صنعه مع لعازر الذّي أقامه من بين الأموات غير أنّ لعازر عاد فمات. لماذا إذًا أحياه؟ ليقول لنا أنّ الرّبّ هو مَن يعطي الحياة، هو معطي الحياة لأنّه هو الحياة، والطريق والحقّ، هو نور العالم من يتبعه لا يمشي في الظّلام بل يكون له نورُ الحياة.
إذًا، فلنُصلِّ معًا في هذا اليوم المبارك، في الذكرى الثالثة لتأسيس جماعة “اُذكرني في ملكوتك” في هذه الرّعيّة المباركة. لنصلِّ معًا سائلين الله تعالى أن يبارك جماعتَنا ويُعطينا نعمةَ الثبات والأمانة والوفاء لمـَن سبقونا فنقدّم الصّلوات ونرفع القرابين راحةً لنفوسهم وأيضًا لإدخالنا جميعًا في شراكة القدّيسين.
للرّب الذّي دعانا للاتّحاد به، كلّ مجدٍ وإكرام، الآن وكلّ آوان وإلى أبد الأبدين. آمين.
ملاحظة: دُوِّنت العظة بأمانةٍ مِن قِبَلِنا.