مار شربل،

بقلم الأب هادي علم، رئيس دير مار مخايل – بنابيل وخادم الرعيّة،

إنّه قدِّيس العَصر، مالِئُ الدُّنيا بِالعَجائب، وشاغِل القلوب بِالكرَم، فماذا لو تأمَّلْنا في حياتِه؟

إنّ التَّحدِّي الأكبر في تأمّلِنا في حياة هذا القدّيس يَكمُن في كيفيّة فَهم روحانيّته. فقد عاش آلاف النُّساك هذا

الاختِبار، لكنّ قليلِين مِنهم بَلغوا مُستوى روحانيّة القداسة. كثيرون هم الّذين عاشوا كأبرارٍ وصدِّيقِين، ولكنّ ما بَلَغه القدِّيس شربل كان فريدًا مِن نوعه. ويُطالعنا هُنا السّؤال الكبير: كيف عاش هذا القدّيس روحانيّة الإنجيل؟

إنّ نِعمة “التَّخلِّي” هي العنوان الرَّئيسيّ في حياة مار شربل. إنّ “التَّخلِّي”، هو فضيلةٌ مارَسَها منذ دُخوله الحياة الرَّهبانيّة، مرورًا بأيّامه في المحبَسة حتّى مماته. لقد تخلَّى عن أهلِه وممتلكاتِه بقرارٍ حاسمٍ وجَذريٍّ ونهائيٍّ، وفي الرَّهبانيّة تخلَّى عن ذاته حيث اختَفَت الأنا، إذْ إنّه كان قد نَذَر الطَّاعة ظاهرًا إلى درجة الاِنسِحاق الكُليّ. لم يَحمل القدّيس شربل مالاً طيلَة حياته، وكان يتجنَّب أيّ فكرٍ أو منظرٍ يؤثِّر في طهارتِه، ولا يمكن عَيْش هذا “التَّخلِّي” إلّا بمحبَّةٍ صافيةٍ صادقةٍ للربِّ يسوع.

قليلون جدًّا هُم الّذين يُمكنهم العَيْش مِثل مار شربل من رُهبانٍ، كهنةٍ، علمانيِّين ومؤمِنِين، ولكن إذا تأمَّلْنا في نِعمة “التَّخلِّي” فستُصبِح حياتُنا أقلَّ تعقيدًا وأكثر فَرَحًا، خصوصًا إذا تخلَّيْنا عن الأمور الآتية:

  • التَّخلِّي عن الكبرياء، وامتِلاك نِعمة التَّواضع حتّى نتمكَّن من التَّقارب والتَّواصل مع بعضِنا البَعض، وتحمُّل بعضنا البعض انطلاقًا من الآية:”مَن ضَرَبَك على خدِّك الأيمَن، فَدُر له الأيسَر”.فكَم مِن حربٍ، وكم مِن عَداوةٍ نَشَبَت بين الأشخاص والعائلات بِداعي الكِبرياء والطَّمع؟
  • التَّخلِّي عن “الأنا” عند المتزوِّجِين حتّى تُصبِح الـ”نَحن” هي المسَيطرة، وعندها يقلّ عدد دعاوى الطَّلاق.
  • التَّخليّ عن “الأنا” والتَّحلِّي بِالقناعة عند الشَّباب والشَّابات ليَتمكَّنوا مِن الزَّواج. فالعَديد من الشَّباب والشَّابات “يَعيشون حياتهم” ويَتمسّكون بهذا المبدأ، ولكنّهم لا يعرفون أنّهم سيَندمون عندما يُصبِحون وحيدِين ولا أحدٌ يَسأل عَنهم.
  • التَّخلّي عن بعض “الأشياء”، حتّى نُخفِّف من سُرعة الهَرولة لِعمليّة الاستِهلاك المصنَّعة، الّتي ما زال يخطَّط لها عالم التِّجارة، ويُروِّج لها بكلِّ الوسائل.
  • تخلِّي بعض المسؤولِين عن المصلحة الشَّخصيّة، ووضْعُ مَصلحة الوطن أوّلًا، وعندئذٍ يَنهض الوطن.

صحيحٌ أنّه يَصعب علينا، أو أنّه لا يُمكننا أن نَعيش بالطّريقة التي عاش فيها مار شربل، ولكن يُمكننا أنْ نأخُذ من حياتِه المِثال الرُّوحيّ حتّى نَتجدَّد إنسانيًّا وروحيًّا، وإنْ لم نَستطِع أن نلبّي نِداء المسيح: “أُترُك كلَّ شيءٍ واتبَعني” بشكلٍ تامٍّ، فلنَترُك بعض الأشياء حتّى نتمكّن مِن أنْ نسيرَ خلف الربِّ يسوع ونحيا على مِثاله.

Instagram
Copy link
URL has been copied successfully!
WhatsApp