نجِّني من سَراب الوعود،
بقلم الخوري جوزف سلوم،
يشكو عالمُنا من أزمة دَيمومة الاِلتزامات، ونزاهة الاِتّفاقات، وصِدق الوعود، والوفاء بِالعهود، وجدِّية المثابرة، ودقّة التَّنفيذ والأمانة للحالة.
وإذا كان الوعدُ هو إخبار عن فِعلٍ يُلزِم الـمَرءَ بِإتمامه في الـمُستقبل، يتعلَّق بِعلاقَتِنا بالربّ وبالآخَرين، فإنّه يَندَرجُ في سِياق تعزيز الثِّقة والتَّشبُّه بأمانة الربِّ وصِدقِ وعودِه، وتحقيقِ استِباقيّة الأبديّة في كلِّ أبعاد العلاقات والاِلتِزامات والاِتِّفاقيّات.
إنّ ربَّنا الّذي أبرَم عَهدَه مَعنا وصَنَع وعودًا لنا، هو أمينٌ ويتوِّجُ كلَّ وعودِه بإعطاء الحياة الأبديّة، وجعل هذه الأخيرة في قلوبِنا. ومِن وعودِ الله أنّه معنا في كلّ حين، وأنّه يُحبُّنا على الدَّوام، وأنّه يدبِّر كلّ احتياجاتِنا، ويَستجيب لنا كلَّ سُؤلِنا، يَحمينا ويحفَظُ ذهابَنا وإيابَنا، ويُباركنا ويجعلُنا مَصدر بَركاتٍ، ويَكونُ حِصنًا لنا ومَلجأً ويَجعلُنا في طمأنينةٍ، ويَهبُنا عطيّة السّلام لا كما يُعطيه العالم.
دعوتُنا في الحياة أن نَحيا وُعودَ الله، وأن نُبادِلَه الوعود والاِلتزامات، وذلك يتطلَّب نُضجًا كبيرًا في الإيمان، واتِّزانًا بين الإيمان والأعمال، وحياة في الرَّجاء والصَّبر بانتِظار تحقيق وعود الله.
فلْنسهَر إذًا، ولنَكن حَريصِين ومتيقِّظِين مُتَجنِّبِين أعداء الوعود ومنها:
1. الكسل والخمول الرُّوحيّ وقلَّة الاهتمام واللّامبالاة: إنّها تجربةٌ يَفقدُ الإنسانُ من خلالها معنى الحياة، وينطلق إلى إلهاء الذَّات، ويعيش في فراغٍ ذهنيّ واستباقيّة للموت. هي هروبٌ من اللَّحظة وغياب الإرادة في عمل أيِّ شيء “فعينُ الكسول تكون مُثبَّتةً على النَّوافِذ”.
2. البُطْء: علينا أن نكون حُرّاسًا لِقلبِنا كي لا يتسرَّب إلى أدائنا بُطء في التَّحرُّك، وتأجيل في المواعيد والاِلتِزامات، وعدم المثابرة والتردُّد، ولا نعني بذلك عدم التَّمييز السَّليم، ولا نَبْذ المشاورات، ولا الوقوع في التَّسرُّع. فعندما نَصِلُ إلى صلاح القرار المتَّخذ بِحريّةٍ ومحبّةٍ، لِنَقُم مُسرِعِين كمريم والرُّعاة دون تأجيلٍ ومراوغةٍ أمام القرارات الحاسمة.
3. الشَّك والخوف، إلّا إذا صارا جزءَين طبيعيّين يدخلان في رِحلةِ إيماننا، وفي مَسار تساؤلاتِنا وبَحثِنا عن الحقيقة، وكانا فرصةً لنُموِّنا الرُّوحيّ واستعدادًا للانطلاق، عندما نشعر أنّنا مَغمورون بالمشاكل وضائعون في وسَط بحر الحياة، كاختبار بطرس الّذي أوشَكَ أن يَغرَق، فصرخ: يا ربِّ خلِّصني. لِنُوقِظ فينا إذًا الحاجة لأنْ نثق بيسوع كلَّ يومٍ.
4. السَّطحيّة: كثيرًا ما يَكون التِزامُنا على المِحَكّ، أمام الأزمات، أمام المتاعِب، أمام العلاقات الصَّعبة، أمام هَوَس الرَّفاهيّة، أمام متطلِّبات الحياة والعَمل ومسؤوليّاتنا، أمام عدم الوفاء والتَّقدير، فنَتخاذَل ونَتراجَع، أو نَستقيل، ونَنسحِب، ولا نعود نُريد أن نُتابع ونلتَزم، فنَختار العُقم حالة، ونتألَّم من إدمان النَّاس للوعود الكاذبة.
علِّمنا ربِّي أن نلتَزِم بكلِمَتِكَ، ونَنقاد بقوَّة روحِك القدُّوس، فيُحرِّرنا ويشفي التِزاماتِنا، لِتُصبِح ناضجةً، فاعلةً، جدِّيةً، أمينةً، مُثمرةً ودائمةً.