عظة للأب ميشال عبود الكرملي،
رعية مار مارون – الأنطونية.
“هنا يرقد على نور رجاء القيامة”، لا يضع الموت حَدّاً لحياتنا ولكن لِعمرنا الأرضيّ،
باسم الآب والابن والروح القدس الإله الواحد، آمين
نحن، اليوم، نحتفل معاً بالذّكرى السّنويّة لجماعة “اُذكرني في ملكوتك” الّتي أخذت في روحانيتها، منذ نشأتها، منذ بضع سنوات، الصّلاة من أجل الرّاقدين، من أجل أمواتنا. عندما نقول موت، على الفور، يراود أذهاننا الحزن، أي الحزن على الفراق. وكما نعرف، الموت موجود عند كلّ إنسان أيّ عند كلّ كائن حيّ لأنّه ليس أزليّاً ولا أبديّاً وسيأتي يومٌ يموت فيه، على عكس كائن الجماد الّذي لا يعرف الموت لأنّه جامدٌ لا يتحرّك. يسوع صار إنساناً ومات ولكن، مع المسيح، تغيّرت الفكرة عن الموت. قبل مجيء المسيح، كانت تُكتب على قبر الميت عبارة “هنا يرقد في ظلمة الموت” أمّا بعد مجيئه فصارت تُكتب عبارة “هنا يرقد على نور رجاء القيامة”. لا يضع الموت حَدّاً لحياتنا ولكن لِعمرنا الأرضيّ، فالحياة الحقيقيّة هي ما بعد الموت. من غير المسموح أن يقول إنسانٌ مسيحيٌّ أنّ لا أحد من الّذين ماتوا قام وأخبرنا عن هذه الحياة، بل هناك من قام وأخبرنا، فنحن أبناء الرجاء ، نحن أبناء الحياة. ويسوع نفسه هو أوّل من أخبرنا.
هناك مَن يُخبر عن “فرنسوا ميتران”، أحد الرّؤساء الفرنسيّين، الّذي كان مسيحيّاً وصار مُلحِداً كما الكثيرين غيره. وقد عاد إلى ذاته عندما أخبره طبيبه أنّه تبقّى له ستّة أشهرٍ قبل أن يصل إلى الموت، وسيعيش خلالها صراعاً مع الألم ولن يستطيع المال الّذي يملكه، أو الأشخاص الّذين يعرفهم مهما علا شأنهم أو حتّى الدّواء، أن يُبعدوا عنه الموت. عندما علِمَ الرّئيس بمواجهة الموت، لجأ إلى أحد الفلاسفة “جان فيتون” ليسأله عمّا يوجد بعد الموت، فدخل الفيلسوف إلى مكتبه وجلب الإنجيل قائلاً له بأنّه عليه أن يقرأه، فيسوع سيُجيبه عن تساؤلاته. يُقال إنّه أمضى الأشهر المتبقيّة من حياته وهو يقرأ الإنجيل، وقد طلب أن يُدفن في مقابر كنيسة رعيته بعد أن تتمّ مراسم الدّفن بحسب الأصول. إذاً، إذا قرأنا الإنجيل سنفهم أنّ يسوع جاء ليقول لنا أمراً واحداً وهو “أنتَ، يا إنسان، ابن الله ومدعوٌّ إلى ملكوت السّموات” فجاء تلاميذه إليه قائلين له: “باسمك طردنا الشياطين، باسمك تنبأنا، باسمك عملنا المعجزات”.. فلم يطلب إليهم تقريرًا بما فعلوه بل طلب إليهم أن يفرحوا لأنّ أسماءهم مكتوبةٌ في السّماء. نفهم، ساعتئذٍ، أنّنا لسنا أشخاصًا خُلِقنا لكي نكون ترابًا للقبور، فالكائنات الحيّة غير الإنسان تصير تراباً.
نحن وُلِدنا بالمعموديّة كما قال يسوع “إن لم يولد الإنسان بالماء والرّوح لن يدخل ملكوت السّموات” لقد خُلِقنا ومرَرْنا على هذه الأرض كي نكون، في ما بعد، معه في السّماء. ومن هنا نفهم أنّ الموت سيقرع بابنا بطريقة نجهلها ويأخذ منا، بِلحظات غير مُنتظرة، أشخاصًا لم نتوقّع رحيلهم، لذلك نحزن عندما نتكلّم عن موتنا أو عن موت مَن نُحبّ. إذاً، علينا عندما نفكّر في السماء أن نتعلّق بالأرض لأنّنا نعيش عليها مرّة واحدة. عليك أن تعيش حياتك الحيويّة على الأرض كلّ يوم كأنّه اليوم الأوّل لتشعر بالدّهشة وكأنّه اليوم الأخير، فتعرف أنّ كلّ ما على هذه الأرض من خيرات باقٍ هنا، لأنّ كلّ ما على الأرض هو فانٍ. إذاً هكذا تعيش حياتك على الأرض بعمق.
القدّيسون هم الّذين ماتوا وعادوا فأخبرونا عن الحياة ما بعد الموت. فعندما ننظر إلى القدّيسين نرى مثلاً أنّ مار شربل، لو بقيت حياته على الأرض لما استطاع أن يقوم بالعجائب. هؤلاء الأشخاص الّذين عاشوا مع الله على الأرض وماتوا جسديّاً فقط يقومون بأعمال الله وبعجائب لا يستطيع العِلم أن يُفسّرها، وبهذا نتأكّد من أنّهم أحياء وبالتّالي أنّ هناك حياة بعد الموت.
ملاحظة: دُوِّنت العظة بأمانةٍ مِن قِبَلِنا.