عظة للأب فادي بو شبل المريمي،

رعية مار يوسف – المطيلب.

” يا أُمًّا وَلَدَت حياةً لِبَني الإنسان، تضرَّعي عن بَنيكِ إلى الّذي من حشاكِ قد استبان “،

باسم الآب والابن والروح القدس، الإله الواحد، آمين

“يا أُمًّا وَلَدَت حياةً لِبَني الإنسان، تضرَّعي عن بَنيكِ إلى الّذي من حشاكِ قد استبان”.

بهذا النّشيد المريميّ القديم، يظهرُ إيمانُ الكنيسة في عقيدةٍ أساسيّة تخصّ العذراءَ مريم، وهي عقيدة “أُمّ الله”.
وعندما نقولُ بأنَّ العذراء مريم هي أُمُّ الله، لا نقصِدُ أبدًا بأنّها وَلدتِ الطّبيعةَ الإلهيّة. فإيماننا الّذي لا يتزعزَع، هو أنَّ الكلمة الّذي كان عند الله، وهو الله، قد صارَ جسدًا من أحشاء مريم بنت النّاصرة، واستَبان أمامنا عمّانوئيل “اللهُ معنا”، إلهًا شابَهَنا بكلّ شيء ما عدا الخطيئة، لكي يجعَلَنا نُشبههُ من خلال عَيشِنا للفضائل الإلهيّة الثلاث: الإيمان والرّجاء والمحبّة.
ويظهَرُ أيضًا في هذه التّرنيمة شفاعة مريم الّتي تطلبُها الكنيسة بلا مَلل، لأنَّ العذراء لا يُمكنها أن تَرُدَّ الطّالبينَ منها خائبين، والمُلتجئينَ إلى حمايتِها فارغين.

لذلك نَجِدُ القدّيس المريميّ الكبير مار برنردوس يقولُ لنا: “في المخاطرِ والحيرة والشّدائد، عودوا إلى مريم وادعوها، ولا يبرَحَنَّ ذِكرُها شفاهَكُم ولا قلوبَكُم، كي لا تُخطئكم شفاعتها، ولا تنسَوا أن تتمثّلوا بها. وإن أنتم اقتَفَيتُم أثَرَها فلن تَضيعوا، أو استَعَنتُم بها فلن تيأَسوا، أو تأمّلتموها فلن تَضَلّوا. فَبِعَوْنِها لا خوفَ عليكُم. وتحتَ حمايتِها لا خَطَرَ عليكم. وفي إثرِها لن يُدرِكَكُم الهلاك. وإن هي رَضِيَت عنكم، بَلَغتُم ميناءَ السّلام”.

كيف لا، وهي الطّريق الّذي سَلَكَهُ ابنُ الله لكي يَصِلَ إلينا، ونَصِلَ نحنُ إليه؟

كيف لا، ومريمُ هي الأمُّ الّتي تضمُّ صلواتِها إلى صلوات الكنيسة عروسةِ المسيح، وليسوع السَّميع أن يُجيب؟

كيف لا، ومريم هي القدوة في عَيش الإيمان والرّجاء والمحبّة بشكلٍ أكثرَ من بطوليّ؟
إنَّ مريم، كما يقول الشاعر الكبير سعيد عقل، حالةٌ خاصّة تَجْمَعُ القدّوس والقدّيس، فهي ليست قدّوسة لأنّها مخلوقة، وليست قدّيسة لأنّها وَلَدَت القدّوس.

لذلك، شبَّهها أحد الباباوات بالعُنق الّذي يجمع الرأس يسوع بالجسم الكنيسة.
وقال عنها القدّيسون أنّها مُوزّعة النِّعَم، والنِّعَم كثيرة؛ ولكن، ما هو أهمُّها بالنّسبة لنا؟ هل الصحّة؟ هل المال؟ هل النّجاح؟

كلُّ هذا نحنُ نحتاجُ إليهِ. ولكنّه يأتي بالدّرجة الثانية والثالثة. أمّا النّعمة الكُبرى فهي نعمةُ الحياة.

فمَن منّا لا يخاف من الموت والفناء؟
مَن منّا لا يشتهي أن يحيا إلى الأبد؟

الحياة هي الله، ومريم بإيمانِها وتواضُعِها جذَبَتهُ إلينا. بل هو بفيضِ حُبِّهِ وحنانِهِ حنا علينا، واتّخذ من طبيعتِنا البشريّة جسدًا له، وكانت مريم هي المختارة لتحقيق إرادتِهِ القدّوسة. فها هو يوحنّا فم الذّهب يُوجّه كلامه إليها قائلاً: “اغتبطي أيّتها المغمورة بالنّعمة!… جَدّتُك الأولى بعصيانِها، استحقَّت عقابَ ولادة أبنائها في الآلام، وأنتِ على نَقيضِها، تتلقَّين دعوةً إلى الفرح. تلك أنجَبَت قايين، ووَلَدَت معه الحَسَد والموت، وأنتِ على نقيضِها، تَضَعين ابنًا يؤتي الجميعَ الحياةَ وعَدَمَ الفساد”.

لقد قالَ يسوع عن ذاتِهِ: “أنا هو الحياة” (يو 14/6). وكانت مريم أُمُّه الّتي وَلَدَتهُ لتكونَ لنا الحياة وتكون لنا وافرة (يو 10/10)؛ فكيف لا نلتجئ إلى حمايتِها؟ كيف لا نطلبُ شفاعتها؟ كيف لا نسألها من أجلِ أحبّاءَ لنا تَرَكوا عالَمَنا وعَبَروا إلى الضفّة الثانية؟

الكُلّ يحتاج إلى العذراء؛ فهي تَحملُ الحياة الحقّة لجنسِنا الضّعيف.كلّنا مدعوّون لأن نلتجئ إليها ونقول:
“يا أُمًّا وَلَدت حياةً لِبَني الإنسان، تضّرَعي عن بَنيكِ إلى الّذي من حشاكِ قد استبان”.

 

ملاحظة: دُوِّنت العظة بأمانةٍ مِن قِبَلِنا.

Instagram
Copy link
URL has been copied successfully!
WhatsApp