القدّاس الاحتفاليّ من أجل الرّاقدين على رجاء القيامة،
الذكرى السادسة لافتتاح المركز الرّوحي لجماعة “أذكرني في ملكوتك” – زوق مكايل.
عظة “مِن أين تَبْتَدئ الحياة الأبديّة؟” للأباتي سمعان أبو عبدو:
باسم الآب والابن والروح القدس، الإله الواحد، آمين
آبائي الأجلّاء، إخوتي الأحبّاء،
نتواجد اليوم في هذا المركز للسنة السادسة على التوالي. وأشكر الله على هذه النعمة الكبيرة، فجماعة “اُذكرني في ملكوتك” تَحيَا القياُمة، مرَدِدةً: “المسيح قام حقًا قام”. كما أشكر كلّ الأشخاص الذين شاركونا الصلاة من أجل السلام في سوريا، وخاصة في حلب.
يقول إنجيل اليوم: “ماذا عليّ أن أعمل لأرث الحياة الأبديّة” (لو18:18). وأنا أتساءل دائمًا: مِن أين تَبْتَدئ الحياة الأبديّة؟، ولكن بعد الاطلاع والتأمّل، اكتشفتُ أنّ الحياة الأبديّة تبتدئ من هُنا، فكيف يتمُّ ذلك؟…وجدتُ أنّ في حياتنا مُتابعة لا انقطاعًا، فالحياة الأبديّة تبتدئ من هنا، وكما نعيش حياتنا هُنا، كذلك نَعيشها ما بعد هذه الحياة العرضيّة في المجد الأبديّ. وهذا تحدٍّ كبير، والشابّ الغنيّ مثال عن ذلك. إذ إنّ هُناك الكثير من العوائق والتحدّيات التي تبعدنا عن الله وتضع حواجز فتخلق انقطاعًا بين هذه الحياة والحياة الأبديّة، وتجعلنا نعبد أصنامًا ليست من لحم ودم. فعلينا أن نعلم أنّ هناك دائمًا استمرارًا لا تغييرًا.
في حياتنا ثلاثة أصنام: أولًا، صنم المال والامتلاك: فالله لا يريد أن ينزع منّا المال، وإنّما يريد ألّا يُغيّر المال من كيان وشخصيّة الإنسان، وتُصبح قيمة الإنسان تعادل ما يملك من المال. ثانيًا، عبادة صنم السلطة: وكلّ واحد منّا يقع في خطأ عِبادة هذا الصنم. فلكلّ شخص مركز في المجتمع، وهذا المركز يجعله إنسانًا مُتحكّمًا ومُتسلّطًا، مع أنّ الربّ يسوع المسيح قال: “من أراد أن يكون فيكم كبيرًا، فليكن لكم خادمًا” (متى 27:20). ثالثًا، صنم المتعة واللّذة: يقول البابا بينيديكتوس في رسالته عن المحبّة: “لا نستطيع أن نُزيل عامل اللّذة من الإنسان، ولكن يمكن أن نطوّره إلى (Philia) أي الصداقة، و(Agape) أي المحبّة المعطاءة، ولا يمكن أن ننزع (Eros) من الإنسان، لأنّ الله وضعه، ولكن يمكن أن نحولّه ونطورّه ليكوّن علاقتي مع الآخر”.
وأصبح هناك مفهوم جديد للأصنام، حيث يمكننا أن نتخطى المال، ولكن هناك أشياء كثيرة يَصعُب علينا تخطّيها، ويُحذّرنا الربّ دائمًا من هذه الأصنام، ويطلب منّا أن نتخطاها لنصل إلى الحياة الأبديّة.
وهنا يأتي الجواب على سؤالنا…فالربّ يسوع رَحوم وحنون، يكشف نفسه ليلتقي مع كلّ شخص، لأنّه هو وأباه الحنونين لن يتركانا أبدًا. حيث قال للشابّ الصالح: “إذا أردت، لماذا تدعوني صالحًا” (لو19:18).
فلكلّ منّا حريّة الاختيار، والله ترك لنا حريّة اختيار عيش حياتنا. فالحريّة هي تحدٍّ، ويَكمُن هذا التحدّي بين القلب الدنيوي غير القادر على استيعاب احتياجات الآخرين، وبين الفخ الدنيويّ الّذي لا يهمّه غير أن يُسِرَّ ذاته على هذه الأرض مِن دون أن يعتبر للآخر وجودًا، وبين الثقة بالأصنام والثقة بالربّ…لكنّ الله لن يتركنا، فهو يحبنّا. وعالج القدّيس أغوسطينوس هذه الفكرة قائلًا: “هناك مدينة أرضيّة ومدينة سماويّة، ولكلِّ منهُما تكملة…الأرضيّة تُمجد ذاتها في حُبِّ الذات وازدراء الله، ويكمن الخطر في وضع الله جانبًا، وهذا نوع من أنواع الأصنام…أمّا السماويّة فتُمجّد الله، وتضع مجدها في الله الشاهد على ضميرها.
أدعوكم إخوتي اليوم أن تتعرّفوا أكثر إلى الله، أن تمجدّوه وتشكروه، فإنّه إلهٌ وأبٌ مُحِب. فالله لم يَكُن يُريد أن ينزع المال من الشابّ الغنيّ، وإنّما أراد وضع حاجز بين المال الوفير وبين انطلاقه للآخر، فيجب أن يكون المال وسيلة وليس حاجزًا.
وجماعة “اُذكرني في ملكوتك” تعرف معنى هذا الكلام وتطبّقه في رسالتها، وأنتم أيضًا مدعوون إلى أن تطبّقوه في حياتكم، من خلال خدمتكم وصلاتكم، وتضعوه في موضع العمل، أي أن يكون عمل الرحمة على نيّة الموتى…وهذا هو الانفتاح على الآخر، الذي يحمل الله، ولا يضع صنم ذاته أولًا، وإنّما يضع انفتاحه على الآخر وخدمته أولًا.
أشكركم اليوم، لأنّنا من خلال جماعتكم استطعنا أن نتعرّف أكثر إلى الله، وإلى الحياة الأبديّة التي نستعدّ لها في مُتابعة مِن حياتنا الآنيّة، ونقول معًا “المسيح قام حقًّا قام”. آمين.
ملاحظة: دُوِّنت العظة بأمانةٍ من قِبَلِنا.