محاضرة روحيّة،

الخوري جوزف سلوم، 

بدايةً، أودُّ أن أشكُرَ الربَّ على عطيّة هذا اللِّقاء.

يُعاني عالُمنا اليوم من المآسي والأحزان والأبواب مُقفلةٌ في وَجه أبنائه، إضافةً إلى العديد مِن المشاكِل الأُخرى. وهذا يَعكسُ لنا كلمة الله القائلة: “وَلِلْوَقْتِ بَعْدَ ضِيقِ تِلْكَ الأَيَّامِ تُظْلِمُ الشَّمْسُ، وَالْقَمَرُ لا يُعْطِي ضَوْءَهُ، وَالنُّجُومُ تَسْقُطُ مِنَ السَّمَاءِ، وَقُوَّاتُ السَّمَاوَاتِ تَتَزَعْزَعُ” (متى 24: 29). أمام هذه الـمَشهديّة الإنجيليّة، نُدرِك أنّنا نَعيش هذه الآية في كلِّ لَحظةٍ من حياتنا، فالمجاعات تَغزو العديد من المجتمعات، إضافةً إلى مشاهد العنف في الحروب الّتي نراها حَولَنا والّتي تؤدِّي إلى موت الأبرياء، وتَعكِسُ مدى الظّلم والتَّهميش الموجودَين في العالم. أمام هذا المشهد، يَشعُر الكثيرون بالإحباط واليأس؛ ولكن ما هو أصعبُ من  ذلك، هو حُكم هؤلاء على ذواتِهم بأنّهم غير قادرون على القيام بأيِّ شيءٍ، أو تغيير أي شيءٍ. هنا، تَظهر أهميّةُ الرَّجاء الّذي يُشرِّعُ لنا الآفاق، ويَفتَحُ عيونَنا لا على الظَّلام المحيط بنا إنّما على النَّور الموجود في وسط هذا الظَّلام؛ فنتمكَّن من القيام بقراءةٍ جديدةٍ لِما نَراه من حَولِنا.

من الطَّبيعيّ أن نَشعرَ باليأس والفَشل، حين نرى أن كلَّ ما يُحيط بنا لا يَعملُ بِشَكلٍ طبيعيّ. في ظِّل هذه الأجواء الضَّبابيّة، نَطرح السُّؤال: كيف يمكننا الحديث عن الرَّجاء؟! إنّ الرَّجاء هو مسيرةٌ تقود الإنسان إلى يسوع الّذي هو بابُ كلِّ رجاء، وبِه وحده يَحصل الإنسان على الخلاص. إنّ الرَّجاء لا يَكتَمِل إلّا بغنائنا هذه الأغنية الّتي هي من تأليف القدِّيس بولس الرَّسول، أمّا بالنِّسبة إلى الألحان، فكلُّ إنسانٍ يُعطي لَحنًا لهذه الأغنية وإيقاعًا يتناسب والحالة الّتي يَمرُّ بها، أكانت حالةَ فَرَحٍ أو حُزنٍ. إنَّ كلماتِ هذه الأغنية تَقول: “مَن يَفصِلُنا عن محبّة المسيح؟ أشِدّةٌ، أم ضِيقٌ، أم اضطهادٌ، أم جوعٌ، أم عُريٌ أم خَطَرٌ أم سَيفٌ؟” (رو 8: 35). إذا تَمكنَّتُم إخوتي، مِن أداء هذه الأغنية، فسَوف تَحصلون على “وِسام الرَّجاء”؛ أمّا إذا فَشِلتُم في ذلك، فأنا أدعوكم إلى المحاولة مجدًّدًا حتَّى تتمكَّنوا من أدائها بشكلٍ جيِّد.

ما هو الرَّجاء؟ سوف نُحاول الإجابة على هذا السُّؤال، انطلاقًا من خمس نقاط تُحدِّد مفهوم الرَّجاء.

أوّلاً: الرَّجاء هو اكتشافُ أمانةِ الله: فالله أمينٌ في كلِّ وعوده للبشر، وهذا يعني أنّ الله لا يَكذِبُ على الإنسان. أُنظروا إلى زكريّا، ذلك الشَّيخ الّذي ضاع منه حُلم الأُبوّة، غير أنّ الله لَم يَنسَه ولم ينسَ عُقمَ هذا الرَّجل، لذا أرسَل إليه ملاكه ليقول له: “لا تَخَف يا زكريَّا، لأَنَّ طِلْبَتَكَ قَدْ استُجيبَت” (لو 1: 13). في وقتِ خَيباتِ أمَلِنا، تُذكِّرُنا وعود الله في الكِتاب المقدَّس بأنّ الله مَعنا وبأنّه إله كلِّ مستحيل. أدعوكم إخوتي إلى إنشاد هذا المزمور:”إنِّي ولو سَلكتُ في وادي ظِلال الموت، لا أخاف سوءًا لأنَّك معي. عَصاكَ وعُكَّازُك هُما يُعزيّانيني”(مز 23: 4). مِن خلال هذا المزمور، نُدرِك أنّ الله مَعنا على الدَّوام وأنّه لا يَترُكَنا وحدنا أبدًا. إنّ هذا الرَّجاء يتحقَّق من خلال وجود يسوع معنا. وأدعوكم أيضًا إلى إنشاد هذا المزمور أيضًا: “لأَنَّهُ تَعَلَّقَ بِي أُنَجِّيهِ. أُرَفِّعُهُ لأَنَّهُ عَرَفَ اسْمِي. يَدْعُونِي فَأَسْتَجِيبُ لَهُ، مَعَهُ أَنَا فِي الضِّيقْ، أُنْقِذُهُ وَأُمَجِّدُهُ”(مز 91: 14-15). فالربُّ يُخلِّص كلَّ مَن تعلَّق به وتَمسَّك بِكَلِمَته.

ثانيًا: الرَّجاء ليس هروبًا من الواقع الزَّمني الّذي نَعيشه، من خلال التّفكير فقط بالعالَم النُهيَويّ حيث الرَّاحة الأبديّة، وحيثُ لا بكاء ولا دموع. إنّ الرَّجاء ليس تَخديرًا للنَّاس من خلال حَثِّهم على التَّفكير بالواقع المستقبليّ الّذي ينتظرِهم في السَّماء وحسب، إنّما هو حثّ المؤمِنين على استشراف الحاضر والمستَقبل معًا. فالرَّجاء إذًا لا يقتصر على التَّفكير في السَّماء فقط، إنّما أيضًا التَّفكير في الأرض وكيفيّة تحقيق هذا الرَّجاء في حياتنا اليوميّة. إنّ الرَّجاء الّذي يَنتظرُه الفقير هو حصولُه على رَغيفِ خُبزٍ وسَقفٍ من طين يَحميه من المخاطر الخارجيّة.   

ثالثًا: الرَّجاء يعلِّمنا الانتظار. إنّ عالَمنا اليوم يُعاني من عَدم قُدرته على الانتظار وبالتّالي فُقدانِه نِعمة الصّبر: فهو يريد كلَّ شيء هنا والآن. في هذا الإطار، أدعوكم إخوتي، إلى النَّظر إلى الطَّبيعة وما تُقدّمه لنا من اختبارات: فالأرض تُعطي في كلِّ موسم نوعًا من المزروعات، وهذا ما اختبره الأقدَمون إذ لم تكن الخضار والفواكه متاحةً طيلة أيّام السَّنة كما هي الحال اليوم.

رابعًا: الرَّجاء لا يَصنَعُ العجائب. للأسف، يَعتقد الكثيرون بأنّ مجرَّد إعلانهم عن رجائهم بالربّ، سيؤدِّي ذلك إلى حصول عجائب وخوارقَ في حياتهم، والحال هي أنّ أهمَّ أعجوبةٍ تَحصلُ في حياتِنا هي وجود الربِّ فيها. فعلى سبيل المِثال، إذا كُنتُ أُعاني مِن مَرضٍ مُعيّنٍ وحصلتُ على الشِّفاء، فهذا يعني أنّ الله معنا؛ ولكن حتّى وإن لَم أحصل على هذا الشِّفاء، فهذا لا يعني أنَّ الله ليس معي، بل يعني أنّ الله معي وهو يساعدني على اجتياز هذه الـمِحنة بِنِعمته. إنّ الربَّ مَعنا في الصِّحة كما في الـمَرَض، في الغِنى كما في الفَقر، إنّه معنا في كلِّ حالاتنا وهو يعتني بنا على الدَّوام.

خامسًا: الرَّجاء يُعلِّمُنا الثِّقةَ المطلقة بالله مِن دون المبالغة بالاتِّكال على إمكانيّاتِنا ومَواهبِنا وقُدراتِنا. يَعتقدُ البَعض بأنّهم بقُدراتِهم ومَواهبهم قادرون على كلِّ شيء، ولكنَّ الحقيقة تَقول إنَّ الله وحده القادرُ على كلِّ شيء. وبالتّالي، على الإنسان أن يَتعلَّم أن يَثِقَ بالله وأن يَضَع كلَّ شيءٍ بين يَدَيه.

إنّ الرَّجاء هو عدم الاستسلام أي عدم اليأس: أنا لا أستطيع تَغيير أيّ شيءٍ، وهذا ما يدفع التَّشاؤم العقيم إلى التَّسلُّل إلى قلبي. انتبهوا إخوتي، لا مساكنة بين الرَّجاء والتَّشاؤم! لذا، على المؤمن الاختيار بينَهما: إمّا الرَّجاء أو التَّشاؤم. إنّ الله هو نَبعُ كلِّ رجاء، ولذلك على أيدينا ألّا تكون متراخية أو مُنحنية، ما يعني أنّه علينا البقاء واقفِين كما كانت مريم واقفةً أمام الصَّليب. وبالتَّالي، علينا أن نَكون إيجابيِّين. إنَّ الرَّجاء يُعلِّمني أن أضع سُلمَّا للأولويّات في حياتي، ما يدَفعني إلى العيش من دون قَلق. ما مِن إنجازاتٍ سهلةٍ في الحياة، لذا من الـمُهمّ جدًّا عدم تأجيل ما هو مطلوبٌ منَّا القيام به. إنّ الرَّجاء ليس وهَمًا أو تَخديرًا، أو نَوحًا على المشاكل، إنّما هو الإيمان بِوَعد الله لنا: “أنا معكم، لا تخافوا” (يو 6: 20) حتى نتمكَّن مِن قبولِ الصّليب في حياتنا.

ألآن، سأتوَّقف عند المزمور 23، ” الّذي يقول فيه صاحب المزمور: “في مراعٍ خُضرٍ (خصيبة) يُربِضُني” (مز 23: 2). إنّ الملك داود لَم يَقل في هذا المزمور إنّ الربَّ هو الرَّاعي الصّالح والعظيم، بل قال الربُّ راعيّ، وهذا يعني أنّ الربَّ هو راعِيه الخاصّ لا الرَّاعي بشكلٍ عام لِجميع البشر. ولأنَّ الربَّ هو راعي المؤمن الخاصّ فهو يهتَّم به، ويعتني به، وبالتَّالي لا داعي للخوف من أيّ شيء لأنّ الربَّ معه على الدَّوام. في هذا الإطار، أودُّ أن أتطرَّق إلى أسباب عدم جلوس الخروف مرتاحًا على العُشب. هناك أربعة أسباب تَمنع الخروف من أن يربضَ على العُشب:

أوّلاً: الجوع: إذا كان الخروف جائعًا، فهو لا يستطيع الجلوس على العُشب مرتاحًا. كذلك أيضًا الإنسان لا يستطيع الجلوس مرتاحًا إذا كان جائعًا.

ثانيًا: الخوف أو القلق.

ثالثًا: وجود احتكاكاتٍ أو مشاكلَ بينه وبين آخرين في القطيع. كذلك أيضًا الإنسان لا يستطيع أن يَعيش بسلامٍ مع المحيطين به إذا كان هناك بينه وبينَهم مشاكل واحتكاكات. إنّ كلَّ كلمةٍ تَصدر من فَمّ الّذين أشعر تجاههم بِعدم الارتياح تَسكنُ في داخلي، فلا تَسمح لي بالنَّوم مرتاحًا، إذ تَجعلني في حالةِ من القلق.

رابعًا:”الذُّباب”، وهي تُشير إلى كلّ الأمور الّتي مِن شأنها أن تُلهي الإنسان عمَّا هو جوهريّ بالنِّسبة إليه. إنّ وجود الذُّباب حَول الخروف يَمنع هذا الأخير من الشُعور بالرَّاحة. إنَّ “الذُّباب” هو كلُّ ما مِن شأنه أن يُبعِد هذا الأخير عن الله، على سبيل المِثال كلّ الأمور المتعلِّقة باللَّهو، بتعبيرٍ آخر هو “هَوس الرَّفاهيّة” الّتي يُعاني منها عالَمنا اليوم.

من خلال هذا المزمور، أراد الربُّ أن يقول لنا إنّه هو الرَّاعي الوحيد لنا، لأنّه الوحيد القادر على مَنحِنا الرَّاحة والطُّمأنينة اللّتين نَبحث عنهما، وأنّه الوحيد القادر على إلغاء كلّ الأسباب الّتي من شَانها أن تبعث فينا القلق.

إنَّ عبارة “في مراعٍ خُضرٍ يَربِضُني” (مز 23: 2)، تعني أنّ الرّبَّ هو الرَّاعي الصَّالح لي، فَهو يؤمِّن لي الطَّعام لذلك يأخذني إلى مراعٍ فيها أجدُ طعامي وراحتي، وسلامي. إنّ الله قد وَضع خَتمه عليّ، ما يعني أنّه جَعَلني من خاصَّته. وهنا نَطرح السُّؤال: إذا كان الله قد جَعَلني من خاصَّته، فِلماذا أخاف أو مِمَّن أخاف؟ على المؤمن أن يَقتنع ويَعي أنّه يعيش في فِكر الله، ما يعني أنّ الله يَهتمُّ به ولا ينساه أبدًا.

أمَّا الآن، فسأتوقَّف عند عبارة “الهزيع الرَّابع”، الّتي ذُكِرَتْ في الإنجيل. ما هو “الهزيع الرَّابع”؟ إنّ اللَّيل يتألَّف من أربعة أقسام: القسم الأوَّل هو من السَّاعة السَّادسة مساءً إلى السّاعة التَّاسعة مساءً، ويُسمَّى هذا القِسم من اللَّيل الهَزيع الأوَّل. أمّا القِسم الثّاني من اللَّيل فيُسمَّى الهزيع الثَّاني، وهو يمتدُّ من السَّاعة التَّاسعة مساءً إلى مُنتَصَف اللَّيل. أمّا الهزيع الثّالث، فهو من مُنتَصَف اللَّيل حتَّى السّاعة الثّالثة فَجرًا. والقِسم الأخير من اللَّيل يُسمَّى الهزيع الرَّابع، وهو يمتدُّ من السَّاعة الثَّالثة فَجرًا حتَّى السّاعة السَّادسة صَباحًا، وهو مِن أصعب أوقات اللَّيل. إنّ قِسمًا من النَّاس يَستَيقظون في هذا القِسم من اللَّيل، فيَعجزون عن النَّوم ثانيةً. وفي هذا الإطار، يُخبرنا الإنجيل أنّ التَّلاميذ الّذين ذَهبوا إلى الصَّيد قد رَكبوا السَّفينة وحاولوا الصَّيد طِوال اللَّيل ولم يتمكَّنوا من اصطياد شيء. في الهزيع الرَّابع ظَهر لهم يسوع، بعد أن تَعبوا من التَّجذيف طِوال اللَّيل وخارَت قِواهم، وقد شَعروا بأنّهم على وَشَكِ الغرق. إنّ حالة التَّلاميذ هذه، تُشبِه حالَتنا اليوم، إذ نشَعر بأنّنا “تحت تاسع أرض”، فيُلاقينا الربُّ في الهزيع الرَّابع، كما لاقى التَّلاميذ، ليَقول لنا “لا تخافوا، أنا مَعكم”(يو 6: 20). هنا تَظهر أهميّة الرَّجاء، عندما يشعر الإنسان بأنّ الظَّلمة تُحيط به، ما يَدفعه إلى الشُّعور بالتَّعب مِن التجذيف في هذه الحياة وبالتَّالي إلى الاستسلام. في ظلِّ الصُّعوبات الّتي تواجهنا في هذه الحياة، علينا أن نتذكَّر أنّ الربَّ إلى جانبنا على الدَّوام وهو لا يَترُكنا أبدًا. علينا أن نَثق بالربِّ في قلب الصُّعوبة، كما فَعل نُوح في الطُّوفان: دَخل نُوحٌ إلى السَّفينة الّتي صَنعها، ومعه أفراده عائلته وكان عددهم ثمانية، إضافةً إلى اثنين من كلِّ نوعٍ من الحيونات الموجودة على الأرض. بعد مرور فترةٍ من الطُّوفان، أرسَل الله أوَّلاً غُرابًا لعلَّه يَعود إليه مع خَبرٍ مفاده أنّ الأرض قد جَّفت من المياه. لكنَّ هذا لم يَحصل. فأرسَل نُوحٌ بعد مرورٍ فترةٍ من الزَّمن حمامةً، ولكنَّها لَم تستَطع أن تَجلبَ معها غِصنَ زيتون. ولكن في المرَّة الثّالثة، عندما أرسَل الحمامة خارج السَّفينة، أتت إليه حاملةً غِصنَ زيتون، فكان ذلك علامةً أنّ الأرض قد جَّفت، وأنّه بإمكانه الخروج من السَّفينة. وعندما خَرَج من السَّفينة، رأى قَوسَ قُزَحٍ كعلامةٍ من الله ليؤكِّد له أنّه مَعه وأنّه لن يَترُكَه أبدًا. إنّ وجود الربِّ معنا هو خَيرٌ لنا من ألف وسيلةٍ نلجأ إليها للشُّعور بالرَّاحة، كالأدوية أو الرِّياضة على أنواعها. إنَّ الرِّياضة مهمَّة، ولكنَّها غير قادرة على أن تُشعِرنا بالأمان والرَّاحة، لذا علينا أن نَثق بكلمة الله لأنّها الوحيدة القادرة على إعطائنا الأمان والرَّاحة الحقيقيّة. إذًا، لا بَديلَ لنا عن الإيمان بالربِّ لنَشعر بالأمان والرَّاحة. إنّ أصعب رِحلةٍ يقوم بها الإنسان هي الدُّخول إلى أعماقه، حيثُ “اليأس الخفيّ” موجودٌ. إنَّ هذا اليأس ليس ناتِجًا عن تَقدُّم الإنسان في العُمر، إنّما هو مرتبطٌ باجتياز الإنسان صعوبةً معيّنة من دون شُعورِه بالرَّاحة الِفعليّة. لا يمكن للإنسان أن يَشعر بالرَّاحة الفِعليّة ما لم يتصالح مع الـمُشكلة الّتي سبَّبت له القلق. إنَّ الإنسان يستطيع أن يتغلَّب على كلِّ حزنٍ يتعرّضُ له من خلال إغلاق الباب عليه، ولكنَّ هذا الحُزن سيَعود للظُّهور إلى العَلن مُجدّدًا إن لم يتمكَّن الإنسان من معالجة أسبابه. وعندما يَعود هذا الحُزن القديم إلى الواجهة من جديد سيُسبِّب للإنسان وَجعًا كبيرًا، لا بل نزيفًا قَويًّا. إذًا، على الإنسان الانتباه إلى هذا اليأس الـمُتَخفيّ في داخله، كما عليه الانتباه من الغرق في نشوة النَّجاحات الّتي يُحقِّقها في حياته، كي لا يَغرقَ في عالمٍ وهَميّ لا يمتُّ إلى العالم الحقيقيّ بِصِلة. فلنتذكَّر أنّ الله معنا دائمًا، فمِمَّن نَخاف؟

في سِفر الرّؤيا، نقرأ: “ها أنا أصنع كلَّ شيءٍ جديدًا” (رؤيا 21: 5). وهذا يعني أنّ إلهنا هو إله المفاجآت، فَهو يَخلق كلَّ شيءٍ من جديد. إنّ الإنسان ينظُر إلى الأسفل، أمّا الله فيَدعوه إلى النَّظر إلى السَّماء! نحن نؤمن بأنّ في العالم الآخر، شيئًا مختلفًا، حياة جديدة، فنحن لا نسير في هذه الحياة من دون هدف. إنّ الله قد جَعل مَسكِنَه معنا، وهو سيَمسَحُ كلَّ دَمعةٍ من عيوننا، إذ ليست الكلمة النِّهائيّة في حياتنا للموت، إنّما لله، ففي السَّماء لا وجود لا للبُكاء ولا للصُراخ، ولا حزنٌ؛ فالربُّ يَصنَعُ كلَّ شيءٍ جديدًا للمؤمن.

في الختام، أودُّ أن أقول لَكم إننَّا لسنا مدعوّين إلى التَّفكير في ذواتنا فقط، أي في صعوباتنا ومشاكلنا وحدها، بل نحن مدعوُّون إلى التَّفكير في كلمة الله الّتي تُشدِّدنا وتقوِّينا في وقت الضُّعف. علينا العودة إلى الـمُنطَلَقات البيبليّة، أي إلى كلمة الله، فنتذكَّر وعود الله لنا، الّتي تمنحنا القوَّة للمثابرة والنُّهوض من جديد من كلِّ يأسٍ نَغرقُ فيه. اليوم، أدعو جماعتنا إلى أن يَكون أعضاؤها “مُرسَلي رَجاء” في عالَم اليوم: فلا أذهب إلى الحزين أو الجائع أو المريض والمهجَّر وسواهم من المحتاجين لزيارتهم وتقديم المساعدة لهم فقط، إنّما أيضًا لأنقُلَ إليهم البُشرى السّارة؛ وإلّا فما نَفعُ زيارَتي لهم! إخوتي، نحن لسنا مدعوّين كي نَكون الرَّجاء للمحتاجين إليه، إنّما علينا أن ننقُل إليهم الرَّجاء الحقيقيّ ألا وهو يسوع المسيح، إذ لا رجاء لنا سواه. إذًا، نحن مُرسَلون إلى الآخَرين لِنَحمل إليهم الربَّ يسوع، بِكُلِّ أمانةٍ. في كلِّ لقاءٍ مع الربِّ، يُشعل الربُّ قلب المؤمن ويُرسِله إلى الآخَرين ليَزرع في قلب كلّ مَن يلتقي به الرَّجاء الحقيقيّ، ألا وهو الرَّجاء بالربِّ يسوع. وفي النِّهاية، أعود وأُذكِّركم بكلمات المزمور 23: “إنِّي ولو سَلكتُ في وادي ظلال الموت لا أخاف سوءًا، لأنَّك معي”(مز 23: 1).  

ملاحظة: دُوِّنت المحاضرة بأمانةٍ مِن قِبَلِنا.

Instagram
Copy link
URL has been copied successfully!
WhatsApp