القمحُ والزُّؤان: سرُّ عَدلِ الله ومحبَّتِه وسطَ الألمِ والموتِ،
بقلم الخوري ميلاد مخلوف، خادم رعيّة بقاعكفرا.
بمناسبةِ شهرِ أيّارَ المخصَّصِ لإكرامِ والدةِ الإلهِ مريم العذراء وعيدِ مولَدِ القدِّيسِ شربل، اختَرتُ مثلَ الزَّرعِ الجيِّد والزُّؤانِ الّذي خاطَبَنا به الربُّ يسوع بحسبِ إنجيلِ متّى (13: 24-30)، حيثُ يَكشِفُ لنا عن حقيقةِ الدَّينونةِ ولو بَعدَ حينٍ، كما يَكشِفُ لنا عن سرِّ وجودِ الشَّرِّ في العالِم، بل وحتَّى في قلبِ الكنيسةِ، بين مؤمِنِين يتوقونَ إلى القداسةِ. إنَّه يَكشِفُ لنا أنَ الخير يأتي دائمًا من الله، أمّا الشَّر فهو مِن غَير الله لا بل من عدوِّه التَّاريخي: “أبو الكَذِب”.
هذا الـمَثَل هو دعوةٌ لِعيشِ الرَّجاءِ الّذي لا يُخيِّبُ، دعوةٌ للثِّقةِ في حِكمةِ الله، ولِعَدَمِ التَّسرُّعِ في الدَّينونةِ.
ونحنُ، الـمُنتَمِين إلى جماعة ” أذكرني في ملكوتِكَ”، الّتي تَرفعُ الصَّلواتِ على نيّةِ موتانا، يُذكِّرُنا هذا الـمَثلُ بِأنّ الله عادلٌ وأمينٌ لِوعودِه، وفاحِصُ الكُلى والقلوبِ، ويَعرِفُ زَرعَه ويَسهرُ عليهِ، حتّى ولو بَدا الزُّؤانُ يَطغى أحيانًا. لكنَّ الله عارفٌ بأنّ الغلبة تبقى له ولأحبّائه.
إنّه يُمهِلُ ولا يُهمِلُ.
لذلك، في الذَّبيحةِ الإلهيّة، نحنُ لا نُصلِّي فقط من أجل الرَّاقدينَ، بل نُعلِنُ وِبِثِقةٍ أنّ رَحمةَ الله تتخطَّى الحُكمَ البشريَّ وعيونَنا البشريّة.
إنطلاقًا مِن هذا الــمَثَل، نكتَشِفُ أنَّ الموتَ ليسَ النِّهايةَ، بل إنّه عبورٌ نَحوَ الحصادِ الأبديّ، حيثُ يُميِّزُ الله بين القَمحِ والزُّؤانِ. إنَّ الموتَ هو بدايةٌ جديدةٌ، هو حَصاد الأيّام وقِمَّة جِهاد الإنسان والوقوف أمام الله الّذي يُكافِئُ مَن “إيمانه خلَّصه”.
فعَلى الإنسان أن يـتأمَّل في الموت والدّينونة ليس كخاتمة بل استحقاق يستعدُّ له المؤمِن طيلةَ حياتِه – وما أجملَ كلماتِ يسوع عند استِقبال المؤمِن في الملكوت – ونحنُ، بصلواتِنا ومحبَّتِنا، وبرجاءٍ لا يُخيَّب بِقيامة موتانا ورحمة إلهنا ومخلِّصنا الّتي لا تُحدّ، نرافِقُ راقدِينا، نَضعُهم في يَدِ الدَّيانِ العادِلِ والـمُحبِّ، إذ نؤمِن بِأنّنا قادرون على عَيشِ الوحدة بين الكنيسة المجاهدة والكنيسة الممجَّدة وعلى مِثال خدَّام الزَارِع نقول بِثِقةٍ:
أذكرهم يا ربُّ في ملكوتِكَ، حيثُ لا يوجَدُ زؤانٌ، بل فقَط حِنطَةٌ مختارةٌ، تُجمَع في أهراءِ الحياة الأبديّة.
- الإصدار بنسخة PDF