الميلاد والسّلام،

بقلم الأب جان مطران، كاهن رعيّة البربارة، زحلة،

قال الملاك للرّعاة: “لا تخافوا إني أبشّركم بفرحٍ عظيم يكون للمسكونة كلّها. فقد وُلد لكم اليوم مخلّصٌ وهو المسيح الربّ”، وانضمّ إلى الملاك جمهورٌ من جند السّماء يسبّحون الله قائلين: “المجد لله في العلى وعلى الأرض السّلام وفي النّاس المسرّة.” (لو2: 10- 14).

ليلة الميلاد: “ليلة المحبّة والمصالحة والسّلام”، ملك السّلام يأتي إلى الأرض حاملاً إليها السّلام. ابن الله المساوي للآب في الجوهر أتى إلينا ابنًا للبشر لكي يُصيِّرنا أبناء الله، والقدّيس ايريناوس يقول: “الإله صار إنساناً لكي يصيّر الإنسانَ إلهًا”. والإنسان المؤمِن توّاق إلى اكتشاف حقيقة الله لكنّ الله لا ينكشف إلاّ إذا هو كشف عن نفسه، والميلاد هو الكشف النهائي عن حقيقة الذات الإلهيّة.

القدّيس بولس يقول: “في المسيح يحلّ كلّ ملء اللاهوت جسديًا. المسيح هو صورة الله. هو ضياء مجده وصورة جوهره (عب1: 2-3)، في الميلاد يتجلّى لطف الله مخلّصنا ومحبّته للنّاس (طي 4:3).

إخوتي الأحبّاء،

تمرُّ الأجيال، ومريم ومار يوسف لا ينسيان أبدًا تلك الدقيقة الرهيبة من حياتهما ومن تاريخ البشرية، حيث تأمّلا للمرة الأولى ابن الله تحت صورة بني البشر في مغارة بيت لحم.

واليوم ليس لنا، نحن المسيحيّين، بيت لحم تلك البلدة الوديعة التي حضنت المخلّص، بل أصبحت بيت لحم هنا تحت نظرنا في ساعة القدّاس عند تقدمة الذبيحة الإلهيّة، حين تنظرون الكاهن مرتديًا الحلّة الكهنوتيّة، وواقفًا أمام الهيكل. إنّه كاهن يسوع، بل هو يسوع ذاته في كهنوته. وتحت نظر الشعب يأخذ خبزاً ويصلّي عليه: “هذا هو جسدي”، وعند هذه الكلمات ينزل الكلمة الأزليّ قاطعًا المسافات اللامتناهيّة. إنّه هنا تحت أعراض الخبز.

وكما أتى من أحشاء لَدُن الآب إلى أحشاء العذراء مريم في ساعة التجسّد، هكذا فإنّه أتى إلى القربان.

وكما أنّه وُلد من العذراء في ليلة الميلاد هكذا فإنّه يولد من كلام كاهنه. في مغارة بيت لحم صار جسدًا، صار إنسانًا، وعلى الهيكل يصير خبزًا حيًّا ليغذّي البشر.

في قلب المؤمنين، الذين تناولوا جسد الربّ، تستطيع ملائكة بيت لحم أن تعبد الكلمة المتجسّد، غذاء النفوس، وأن ترنّم من جديد: “المجد لله في العلى وعلى الأرض السّلام”.

Instagram
Copy link
URL has been copied successfully!
WhatsApp