محاضرة للأب ابراهيم سعد،
من المرشدين الروحيّين لجماعتنا الرسوليّة،
“تقدمة الربّ يسوع إلى الهيكل” (لوقا 21:2-35)
باسم الآب والابن والرّوح القدس، إلهٍ واحدٍ. آمين.
يتحدّث الإنجيل عن إدخال أو تقديم يسوع إلى الهيكل، حسب الشريعة والناموس، فالرّبّ يسوع لم يأتي ليُبطل الناموس وإنّما ليُتَمِمَه.
ولا يمكننا أن نتّخذ جملة “دخول السيّد إلى الهيكل” كعنوان لهذا المقطع، لأنّ يسوع كان عمره اثنا عشرة سنة عندما وجدوه في الهيكل، أي دخله لوحده… بينما في النصّ فقد تمّ تقديمه.
بعد قراءة نص الإنجيل، نجد أولًا حسب الشريعة والعهد الّذي قُطع على ختان الذكر، أنّ هذا الميثاق أو العهد علامة ليتذكّر الشعب أعمال الله معه، وليست علامة بأنّهم شعب الله. ففي الأقوال التقليديّة، إنّ ختان الفتى علامة ترمز بأنّه أصبح من شعب الله، ولكنّها في الواقع هي علامة ليتذكّر بها أعمال الله معه. فعلى الإنسان أن يتذكّر في جسده نقطتان، هما: الذِكرة “مطرح حبل الصُرّة”، وعمليّة الختان أي التطهير. فإذا نظرتَ إلى ذِكرتَكْ تتذكر أنك لست آدم، فهناك أحدٌ وَلدَكَ، لذا عليك ألاّ تتكبّر وتظنّ نفسك أنّك الأول. وهذه العلامة تذكّرك بأن تحفظ الوصايا، وتسلكها وتطبّقها في حياتك. هناك انفصام في حياة الشعب بين: حفظ الناموس، والعيش حسب الناموس، وهذه النقطة شكلّت مشكلة في العهد القديم و العهد الجديد وفي عهد الكنيسة. فالمسيحيّون يعتقدون أنّ حفظ الإنجيل يعني أن يَرسَخ في ذاكرتهم، ولكن هذا المفهوم خاطئ. فكلمة “تحفظ” تعني، أنّه مثلما تحفظ الأكل في أونية كي لا يُفسد بسرعة، عليك أن تحفظ كلمة الله فيك كي لا تُفسَد وتذهب سُدًى وتبقى بخير. إنّك تحفظ كلمة الله وتبقى تلك الكلمة بخير عندما يسلُك الإنسان بحسبها، ويبرهن أنّ كلمة الله دائمة.
يُعطى الولد إسماً في اليوم الثامن من ولادته. أمّا يسوع فقد سُمّي قبل ولادته، ونجد ذلك حسب إنجيل لوقا في الإصحاح الأوّل، عندما قال الملاك لمريم: “ستلدين ابنًا وتُسمّينه يسوع”. إذًا إسم الولد أُعطي لمريم من قِبل الملاك، فمريم لم تُسمّيه، وإنّما أعلنت الاسم الذي أطلقه الله عليه. والقانون في الشرق الأوسط يستدعي بأن يكون للاسم معنىً. وعندما يُعطي الأهل ابنهم إسماً، فهم يتمنّون أن يكون إبنهم وفق اسمه. فمعنى اسم “يسوع” : “الله يُخلّص”، فهذا دوره وهذه هي رسالته، أي عندما سمّاه الله بهذا الاسم حدّد له مهمته ورسالته.
و”بعد أربعين يومًا “من ولادة الصبيّ حسب الناموس: كان عند اليهود ارتباط بين الدمّ الذي يخرج من المرأة عند الولادة، وبين موضوع النّجاسة والطّهارة. فاليهود يعتبرون المرأة في حالة نجاسة، وبعد انتهاء هذه المدّة يمكنها أن تدخل الهيكل ويباركوا المولود. وللأسف هذه العقليّة موجودة حتّى الآن عند الكثير من النّساء، حيث يمتنعون عن المناولة في هذه المدّة، ما بعد الولادة أو في فترة الدّورة الشهريّة، حيث يعتبرون وجود الدّم نجاسة، ولكن هذا لا يتعلّق بالمناولة. وهنا نرى تأثير هذه العادات على الشعوب.
بعد أن انتهت مريم من هذه الفترة، صعدوا إلى أورشليم، التي كانت تبعد تسعة كيلومترات ونصف، ليقدّموا الرّبّ إلى الهيكل كما كُتِبَ في الناموس، وكان كلّ ذكر فاتح الرّحم أي “البكر” يُدعى قدّوسًا للرّبّ. فالقدّوس يعني “المفروز”، وقَدَّس تعني بالعبريّ “فَرَز”. أي عندما تُريد أن تفرز أرض، يعني أنّك تعرف من يمتلكها. فعندما تُقدِّم شيئاً ما للرّب ّتجعله ملك لله، تفرزه أي تجعله مقدّساً. فالبكر لا يعني أنّه أوّل ولد وإنّما يعني الوريث، وكما قيل في إنجيل متّى:”لم يعرفها حتّى ولدت ابنها البكر”، أي أنّ يسوع هو وريث أبيه أي الله.
وعند تقديم الولد للهيكل يُقدّم معه خروف، ولكنّ الفقراء يستعيضون عنه بزَوجَي حمام. إذًا أمام الرّبّ ليس هناك فرق بين الغنيّ والفقير، ولوقا أكبر داعم للفقراء ويقول في إنجيله: “طوبى للفقراء”، بينما يقول متّى: “طوبى للمساكين بالرّوح”.إنّ لوقا يهتّم بالفقراء والأولاد والمرأة، أي الأشخاص ذو المستوى الاجتماعي الأدنى لدى النّاس. ونرى أنّ لوقا ركّز على الحمام في إنجيله، حيث قال: “الرّوح القدس حلّ بهيئة حمامة”، وعندما دخل الرّبّ يسوع إلى الهيكل وغضب على الباعة حيث توجّه بالكلام للأشخاص الّذين يبيعون حمام، فقد ارتبط الحمام بالرّوح القدس، أي تاجروا بالرّوح القدس، واستعملوا ما أُعطي من الله كأنّه مِلكًا لهم. وهذا ما نفعله غالباً في حياتنا، حيث نستعمل عطايا الله كأنّها لنا ونتصرّف بها. ويقول بولس الرّسول في رسالة كورنتس: “كيف تتصرّف كأنّك أخذت الخلاص وكأنّه أصبح مُلكَك”. فعلينا أن نتذكّر دائمًا أنّه هناك ارتباط بين ما أُعطِيتَ ومَن أَعطاك، ولا يُمكنك أن تفصل العطيّة عن المعطي، فعندما تقوم بفصلها تتحوّل إلى مُتسَلِّط على الناس، وعندما تُحافظ على هذا الرّباط، تُصبح مُتقبِّل لهذه العطيّة وللناس.
عندما قدّما يسوع ومريم الذّبيحة،
هناك رجلٌ في أورشليم اسمه سمعان، وكان موجود في الهيكل قبل تقديم الولد، أي أنّه يمارس كهنوتًا ما، أو وظيفة النبوّة، فهو ليس النبيّ الّذي كتب مثل الأنبياء، ولكن يمكن أن يكون “الرائي”، وهي وظيفة في الهيكل حيث يتكلّم فيها الشخص عن المستقبل، أي يُرشدك بحيث يكون طريقك وسلوكك مُنسجم مع ما يرضي الله. فالنبيّ حسب الكتابات النبويّة والعهد القديم، لا ينتظر السؤال ليُجيب، فكلامه ليس ردّة فعل، وإنّما هو عبارة عن فعل هجومي على تصرفاتك وحياتك دون أن تسأل، ويصبح كلام النبي لك وكأنّ الله يسأل وأنت تُجيب، وهذا هو الإنجيل. أمّا سمعان، كان يسمع السؤال ليُعطي الإرشادات.
تعني كلمة “مسؤول” أنّ هناك سؤال، قد طُرِح عليك ويجب الإجابة عليه. فالمسؤول لا يعني الرئيس، وإنّما الشخص الّذي يملك جواب لله، لذلك يقول بولس الرسول عندما بشّر أهل كورنتس كلاماً مفادُهُ أنّني أعمل كل ما في وسعي لأربح بعض الأشخاص للمسيح . فإن لم يؤمن أحد بالبشارة التي أكرز بها، فهذا الأمر سوف يطرح سؤالاً عليّ أمام الله: هل أنا حقاً رسول. فالبرهان على رسولية بولس هو عدد الأشخاص الذين آمنوا بالبشارة على يده، لذلك قال بولس: “أنتم ختم رسالتي في الرّبّ”.
لم يكن سمعان مذكوراً في العهد القديم أو الجديد، فاسم سمعان، مربوط بسمعان الرسول الذي تبع يسوع، ولكنّه في كثير من الأحيان لم يكن يسمعه. فكلمة “سمعان” تعني الشخص الذي يسمع كلمة الله، وعندما يسمعها يأخذها وكأنّها كلمة قد تحققّت، ويعيش على أساس أنّها مُحققّة…فابراهيم أول شخص في العهد القديم قد سمع كلمة الله واعتبرها أنّها مُحققة، ولكنّها لم تَكُن مُحقّقة فعليّاً، ولم يَكُن ينتظر البرهان، حيث قال الرّبّ له: “اترك أرضك وعشيرتك إلى الأرض التي أُريك”. فبالنسبة له، البرهان على صحّة وجود الله، هي كلمة الله عندما يقولها الله بنفسه، وهذا هو الإيمان. ولكن نحن البشر لدينا سلوك مُختلف: فعندما نُريد من الله شيئاً، نَعِدُه أنّنا سنُنَفِذّ الوعد عندما يتحقّق هذا الشيء. فسمعان سمع كلمة الله وعاش على أساسها، وانتظر وعدًا وعَده الله به وعاش على أساس أنّه سيتحقّق، ولكنّه كان يتأمّل تحقّقه قبل موته، كي يراه ويتعزّى. فيجب علينا نحن البشر أن نُصلّي بأن نتعزّى بما وعده الله لنا، وليس بما نطلبه منه، وهو لم يُلبّيه. ففي الصلاة التي علّمنا إياها الله نقول: “أبانا الذي في السّماوات…لتكُن مشيئتُك”، فسمعان كان خاضعاً ومُسلِّماً ذاته لإرادة الله ووعده، فقد كان بارّاً (أي صِدِّيقًا)، وكان تقيًّا.
وماذا تعني كلمة “البار” في الكتاب المقدّس؟…قال يسوع ليوحنّا المعمدان: “دعنا الآن لنُرنمّ لكلّ بِرٍّ”. البِرّ يعني أن يكون الله راضياً عن الإنسان. وكلمة “تَقي” تعني أنّه خاضع وحافظ وأمين على كلمة الله. وكلمة “أمين” في اليوناني “Estos ” تعني أمين ومؤمن في الوقت نفسه.فكلّ مؤمنٍ أمين، ولا يمكن أن يكون الشخص مؤمن دون أن يكون أميناً. ففي حالة البشر، إنّني أُؤمن بالله ولكنّني لا أفعل كما يُريد، فهذا ليس إيمان وإنّما تصديق وتسبيح لله. فوجود الله شيء، والإيمان بوجوده شيء آخر. فعبارة “أؤمن يإله واحد” لا تعني أنّني مُصدّق لوجود الله، وإنّما تعني أنّني أخذت القرار بإقامة علاقة مع هذا الإله الضابط الكلّ. فكلمة “الإيمان” تعني “علاقة” وليس الإيمان بوجود الله. وهنا أصبح دورك بأن تقوم بالمبادرة، وأن تقبل العلاقة بينك وبين الرّبّ.
كان سمعان ينتظر تعزية إسرائيل، أي الوعد الذي وعده الله لإسرائيل في العهد القديم. فكلمة إسرئيل لا تعني الدولة، ولا تعني الشعب اليهودي. وهي تعني حسب الكِتاب، الّذين سمِعوا كلمة الله وحفظوها وسلكوا على أساسِها، وهم بقيّة باقية.
وكان سمعان أيضًا ينتظر تعزية الرّوح القدس، فقد حلّ الروح القدس عليه، أي حلّ رِضى الله عليه، وأُوحِيَ إليه بالرّوح، أي بتعزية الرّوح ألّا يرى الموت قبل أن يرى المسيح الرّبّ. عندما رأى سمعان يسوع الطفل في الهيكل، تحوّلت رؤيته للطفل إلى قرار إيماني بأنّ الطفل هو المسيح الرّبّ. فالمسيح يعني “المختار”، أي الذي وضع عليه الله إصبعه ودلّ عليه. “فأتى سمعان بالرّوح إلى الهيكل”، وكلمة “أتى بالرّوح” لا تعني أنّه آلة يُسَيِّرها الرّوح، وإنّما أتى بحسب مشيئة الرّوح، طائِعًا للروح. والرّوح تعني “كلمة الله”، فأنت لا تسمع ولا تقبل كلمة الله إلّا بمعونة الرّوح القدس. وكما قيل في الإنجيل:”وعندما دخل بالصبيّ أبواه، أخذه على ذراعَيه وبارك الله”، أي تمّ مُباركة الله بطفل، وقال: “أَتَتْ السّاعة، والآن أَطلِق عبدك”، فالآن يُمكن لسمعان أن يموت وهو مرتاح، لأنّ ما يُريده قد حصل عليه، فقد اكتفى قبل أن يموت، ولأنّه اكتفى، طَلَبَ الموت. وطَلَبْ الموت،لا يعني أنّه يُريد أن يموت، وإنّما لم يعد لديه مشكلة بالموت.
أمّا نحن فنرفض الموت لأنّنا لم نكتفِ، وهذا هو الفرق. وقيل في الإنجيل عن الرّبّ يسوع “لما تمّ كلّ شيء أسلم الرّوح”، أي أنّه عندما اكتفى قال: “الآن تُطلق عبدك يا سيّد ،حسب قولك ، بسلام لأنّ عَينَيَّ قد أبصرتا خلاصك”. فيسوع هو خلاص الله، وبه يتمّ الخلاص. وكلّ هذا الكلام قاله سمعان عن طفل، ولم يكن الوعد قد تحقّق بعد. ولكنّه اعتبر أنّ كلمة الله مُحقّقة وحتّى لو لم تتحقّق بعد، وعاش على هذا الأساس، واكتفى. أعطى الرّبّ بحضوره وخلاصه المجد لشعب إسرائيل، أي أنّ شعبه لا يملك المجد. فقد تعجّب يوسف ومريم ممّا قيل، علمًا أنّ الملاك أخبر مريم أشياءًا أعظم من ذلك. فالتعجّب لم يكن من فكرة الخلاص وإنّما مِن موقف سمعان.ونرى أنّ يسوع قد تعجّب ،في عدّة آيات من الإنجيل:تعجّب من إيمان بعض الأشخاص الّذين لم يتوقع منهم أن يؤمنوا، كما تعجب من عدم إيمان بعضهم الذي كان يعتقدهم مؤمنين.
بعد أن بارك سمعان الطفل، قال لأمه مريم: “هذا الطفل قد وُضِع لِسقوط وقيام كثيرين في إسرائيل”، أي أنّ هذا الطفل سيكون سبب عثرة لكثيرين وذلك يتوقّف على موقفهم منه. فالمسيح هو المعيار والعلامة الآية.إنّه الآية التي تدل على الله والتي تلقى مقاومة كبيرة من الإنسان الذي يرفض كلام الرّبّ.
وعندما قال لمريم: “وأنتِ سيجوز سيفٌ لتُعلن الأفكار في قلوب الكثيرين”: فهذه الجملة لها تفسيرين. الأول، يرمز إلى آلام مريم العذراء نتيجة رؤية ابنها البارّ يتألّم ويُعاقب وكأنّه مُجرم، فمريم لن تتألّم بسبب أوجاع وآلام يسوع، وإنّما بسبب الظلم والقرار على يسوع، وهذا الأصعب. فبسببه سوف تظهر خفايا النفوس. والثاني: السّيف يعني كلمة الله التي يحفظها الإنسان وتكون مرّسخة في أعماقه. فكلمة الله أُعلنت للإنسان وهو عليه أن يختار ويقرر هل يقبل بكلمة الله أم يرفضها، وهذا موجود في العهد الجديد. فبولس الرّسول يُسمّي يسوع “سيف الرّوح”، ويقول يسوع: “أنا ما جئتُ لأُلقي سلامًا بل سيفًا”. فبسببه ،الناس ستفصل وتختار بين الحقيقة والباطل. فالكثير من الأشخاص يتجمعون على كلمة الباطل، ولكن قلائل هم من يتجمّعون على كلمة الحق. فقليل جدًّا عدد الأشخاص الذين يسعون لإيصال الحقيقة للآخر. فإذا تَبَنَّيْتَ الحقّ للآخر، فأنت مشروع شهيد، أي أنت مشروع مصلوب عندئذٍ تخاف وتتراجع مثل تلاميذه، الذين تركوه وحيداً على الصليب بإستثناء واحدٍ وهو يوحنّا. إذًا ارتباطكَ بالحقّ يُكلّفك كثيرًا، لذلك تتألّم وكأنّه “سيفٌ يجوز في قلبكُ” لأنّك ارتبطتَ بالحقّ والتزمتَ بكلمة الله. وقالت مريم جملتين فقط في الإنجيل: “ها أنا أمةٌ للرّبّ”، “ومهما قال لكم فافعلوه”، ولكنّها كانت تحفظ كلّ شيء في قلبها.
إذًا السؤال هنا، ماذا تفعل أيُّها المؤمن في هذا العيد؟…فأنت واقفٌ في الداخل، وكلمة الله التي تُعلن أمامك، هل ستُسقِطُكَ أو تُنهِضُكَ؟…وذلك يعود بحسب موقفك. أسَتَفضَحُكَ أم تُمَجِّدكَ؟… هذا الأمر يتعلّق بموقفك إزاء كلمة الله. وبحسب الموقف الذي تأخذه، تُشارك في العيد. ولكن بعد خروجكَ من الكنيسة في يوم العيد ستُصبح سمعان آخر،لا مشكلة لديك مع الموت لأنّ عيناك قد شاهدتا خلاص الرّبّ لك.
لذلك علينا أيّها الإخوة أن نُصلّي لكي يتسلّح الأحياء بالرجاء، وعلينا بالصّلاة للأموات..والسؤال الذي يُطرح الآن: هل الذي غادرنا بإنتقاله إلى بيت الآب، قد تعزّى بتعزية الرّوح؟ نحن نصلي على رجاء أنّه تعزّى، ونعيش على هذا الأساس…ونحن الأحياء، هل قد مررنا بمرحلة سمعان أم بعد؟ إن كنّا لم نمّر بمرحلة سمعان بعد، فهذا يدّل أننا ما زلنا في حالة انتظار، وقد يتمّ دخول المسيح إلى حياتك في أيّة لحظة.. فدخول يسوع إلى الهيكل ليس حدثًا تاريخيًّا حصل مرّة، وإنّما هي حالة يعيشها المؤمن كلّما سقط، لينهض من جديد ويدخل المسيح إلى هيكله، وينطق بعبارات سمعان.
إنّ الخلاص مُعّدٌّ للجميع، وإن كانت تَعتقد الكنيسة المسيحيّة أن دور اليهود قد زال، فقد أخذت الشعوب دورها لأنّهم يمتازون بالذهنيّة والعقليّة نفسها. فالكنيسة التي نحن فيها على الرجاء لم تَحلّ مكان اليهود في العهد القديم، وهو لا يتكلّم عن اليهود كما لم يتكلّم العهد الجديد عن تاريخ الكنيسة. ففي العهدَين تمّ التحدّث عن فعل كلمة الله في التاريخ، وبالتالي نحن نتكلّم عن كلمة الله، فتَتَحدّث عنها، عندما تُصبح أنت المتكلّم عنها. ولتتكلّم عن كلمة الله يجب أن تُصبح أنت كلمة الله. إذًا ارتباطنا بالذين رحلوا، هو وعد الله بالخلاص الذي نحن نصدّقه حتّى لو لم يتحقّق بعد، ولكنّنا نعيشه وكأنّه مُحقّق. وهناك شيء غريب، فتعتقد أنّك حفظت كلمة الله ومحافظ عليها، ولكنْ فعليًّا هي التي تحفظك، وهذا هو سبب فرحك، ولا شيء يمكن أن ينزع منك فرحك إلّا الخطيئة. والإنسان الخاطئ يعتقد أنّ الفرح قد زال، ولكنّه يدخل قلبه يوميًّا. فعليك أن تستفيد من هذه الفرصة، وتستلقي على ذراعَي الله وتطلق صرخة قائلًا: “الآن تُطلق عبدك أيّها السيّد حسب قولك بسلام، فإنّ عَينَيَّ قد أبصرتَا خلاصك الذي أعدته أمام كلّ الشعوب نورًا لاستعداد الأُمم، ومجدًا لشعبك اسرائيل”. لم يتغيّر معنى “إسرائيل”، فكلّ شخص يقبل يسوع المسيح رّبًّا ومُخلّصًا هو اسرائيل، وكلّ شخص لا يقبل يسوع المسيح رّبًّا ومُخلّصًا ليس اسرائيل حتّى لو كان يهوديًّا. والله يُقرر من هم شعبه، لذلك لا يُمكنك أن تُغلق بابك، أي باب قلبك وعينِك، وباب فكرك، وبالتالي لا يجب أن تكون مُتعصِّباً، كافراً، رافضاً غيرك، أو ديّاناً لغيرك، والأهم أنّ يبقى باب كنيستك مفتوحًا. فأيّ شخصٍ يمكنه يدخل إلى قلبك ويرى تعزيّة الله فيك. فعندما يرى شخصاً الشعب أمامه مسروراً، مُحِبّاً لبعضه البعض، مُعطياً، خادماً، مُسامحاً، مُتغاضياً عن الأذيّة، سيُسَرُّ جدًّا من هذا الشعب، ويسأل عن سبب فرحهم يُدرك من هو نبع هذا الفرح، ويذهب إليه، ويفرح معه، وبهذا سنفرح جميعنا. آمين.
ملاحظة: دُوِّنت المحاضرة بأمانةٍ مِنْ قِبَلِنا.