انطلاقة جماعة “أذكرني في ملكوتك”،
كنيسة سيّدة لبنان – لندن.
عِظة القداس الإلهيّ للأب شربل القزي، خادم الرعيّة:
باسم الآب والابن والرّوح القدس، الإله الواحد، آمين
قبل البدء بالعظة، أوّد أن أرّحب بالأب جوزف شربل، الّذي جاء من لبنان، وهو راهب من الرهبانية اللبنانيّة. كما أرحّب بـ “أبونا شفيق” وهو كاهن معروف إذ إنّه خادم رعيّة الروم الملكييّن، فأهلاً وسهلاً بالكاهنين الجليلين في رعيّتنا. غير أنّي أوّد أيضًا أنّ أرحّب ترحيبًا خاصًّا بالإخوة القادمين من لبنان، والّذين تحمّلوا مشقات السفر من أجل التعبير عن محبّتهم الكبيرة ليسوع. إنّ قدّاسنا، في كلّ مساء أحدٍ هو عادةً قدّاسٌ تخدمه الشبيبة، وكم أنا مسرور اليوم، بالشبيبة الحاضرة معنا اليوم في هذا القدّاس، الّتي جعلت المسيح محورًا لحياتها. لقد جاءت الشبيبة لتشارك مع جماعة” أذكرني في ملكوتك” الصّلاة من أجل أمواتنا، ففي هذه الرعيّة اعتدنا تخصيص الذبيحة الّتي تقام في السبت الأوّل من كلّ الشهر على نيّة الموتى جميعًا، وبخاصّةٍ أموات الجماعة المشاركة في الذبيحة الإلهيّة، وقد طلبتُ من أختِنا جانيت أن تزوّدنا نبذة عن الجماعة في ختام الذبيحة الإلهيّة.
بعد أن احتفلنا بعيد العنصرة، عيد حلول الرّوح القدس، ها نحن نحتفل اليوم، بعيد الثالوث الأقدس. وعندما نتكلّم عن الثالوث الأقدس، فإنّنا نتكلّم عن إشارة الصليب الّتي يرسمها غالبيّة المسيحيّين على جباههم بطريقة يوميّة ذاكرين اسم الآب والابن والرّوح القدس. إنّي أرى في إشارة الصّليب الكثير من القوّة: فكما أنّ السفير يشعر بالقوّة عندما يتّكلّم باسم بلاده، كذلك نحن المسيحيّين علينا أن نشعر بالقوّة حين نرسم إشارة الصليب، لأننّا نتكلّم باسم الآب والابن والروح القدس، فعلى كلّ تصرّفاتنا وأقوالنا أن تكون لائقة بالله. ولكنّ السؤال الّذي يُطرح اليوم، هل نحن، كمسيحييّن، مدركين لقوّة إشارة الصليب؟ إنّه لمهمّ جدًّا أن نعي لأهميّة القوّة الّتي تعطينا إيّاها إشارة الصّليب.
إن ّيسوع لم يعرض أمر التبشّير على التّلاميذ ولم يترك لهم حريّة الاختيار في التبشّير، فهو لم يجعل من التبشير أمراً اختياريًا، بل كان واجبًا مفروضًا على التّلاميذ، لذا استخدم يسوع صيغة الأمر “وذهبوا إلى الجبل حيث أمرهم يسوع، وقال لهم: لقد أُعطيت كل سلّطان، اذهبوا وبشِّروا كلّ الأمم”. حين يتعمّد المؤمن باسم الآب والابن والرّوح القدس، لا يعود التبشير خيارًا له بل يصير واجبًا عليه إتمامه. إنّ التبشير لا يتمّ فقط عبر ذهاب المؤمن إلى أقاصي الأرض، إنّما يبدأ من مكان تواجد المؤمن أي في مكان عمله وفي مؤسسته، في عائلته وفي مدرسته. إنّ الإنسان الّذي يقوم بعمله كما يجب يبشِّر بالمسيح، إذ سيرى الجميع في تصرّفاته وأعماله أنّه تلميذ المسيح. إنّ المسيح يأمر تلاميذه بالتبشّير بكلمة الله، ونحن نجاهر بأنّنا تلاميذه، فكيف نسعى إلى التبشّير به؟ وكم من الأشخاص قد أحبّوا المسيح وارتدّوا إلى الإيمان بسببنا؟ وإنّ كنّا غير قادرين كأهل، على أن نرّد أبناءنا عن الضلال وأن نبشّرهم بالمسيح، فكيف عسانا ننجح في التبشّير به مَن هم بعيدين؟ إخوتي، نحن جميعًا بحاجة للصّلاة، فليُصَلِّ الواحد منّا للآخر كي ننجح في أعمالنا التبشيرية المطلوبة منّا.
إنّ قول المسيح: “وها أنا معكم كلّ الأيّام حتّى منتهى الدهر”، يشكِّل وعدًا منه لتلاميذه، ونحن كمؤمنين علينا الوثوق بكلام يسوع لنا أي أنّه علينا الاتّكال عليه وعدم الخوف لأنّه معنا حتّى انتهاء الدّهر، كما وعد. لكن السؤال الّذي يُطرح هل نحن صادقين في وعدنا له باتّباعنا له، والسّير وفق تعاليمه طول أيّام حياتنا؟ إنّ الرّبّ صادقٌ في وعوده، لكن المشكلة تكمن في الإنسان الّذي قد يتخلّى عن الرّبّ حين يقع في مشكلة. فلنسأل ذواتنا إن كنّا نلتجئ للرّبّ عند وقوعنا في أزمات أم إن كنّا نلتجئ إليه في أوقات الراحة والبحبوحة والسّلام فقط. إنّ وعد الرّبّ لنا صادق حين قال لنا: “لا تخافوا أنا معكم حتى انقضاء الدّهر”، فعلى أمل أن نكون معه دائمًا نتابع صلاتنا وقدّاسنا ونجدّد إيماننا باللّه الواحد قائلين: نؤمن بإله واحد…
ملاحظة: دوّنت العظة بأمانةٍ من قبلنا.