“أما نفوس الصدّيقِين فهِي بِيَد الله…”: فلا يَمَسّها العذاب” (حك 1:3)

بقلم الشدياق توفيق الدكاش،

ثمَّةَ حقيقةٌ لا مَناصّ مِنها، وهي أنّ الموت يتربَّص بنا في لحظةٍ من لحَظات حياتنا. فكيف يَنبغي التّعامل مع هذه الحتمِيّة؟ هل نَستَسلِم لها ونَحيا حياتنا خائفِين من حدوثها عاجلاً أم آجلاً؟ أم  نُواجهها بِشجاعةٍ ونحيا كأنّها حاصِلةٌ في أيّ لحظةٍ؟ أنَحيا هذا الموت الآتي خوفًا دائمًا أمْ نَعتبره أمرًا طبيعيًّا ونَنصرِف إلى حياتِنا اليوميّة بِشكلٍ طبيعيٍّ؟

جاء في المقابلة العامة لقداسة البابا فرنسيس حول قيامة الأجساد في 27 تشرين الثاني 2013، ما يلي: عند البشَر طريقةٌ خاطئةٌ لِلنّظر إلى الموت، فالموت يَطالنا جميعًا ويَجعلنا نطرح أسئلةً عميقةً لا سيّما عندما يَلمِسنا. إذا نَظرنا إلى الموت كنهايةٍ لكلّ شيءٍ عندها سيُخيفنا ويُحطِّمنا، وسيَتحوّل إلى تهديدٍ يقضي على كلّ حلمٍ وانتظارٍ، يَقطع كلّ علاقةٍ ويوقِف كلّ مسيرةٍ. هذا ما يَحصل إنْ نظرنا إلى حياتِنا كزمنٍ مُغلقٍ بين قطبَيْن: الولادة والموت، لِذا يجب الذهاب أبعد من الحياة الحاضرة.

يقول القدّيس يوحنّا الذهبيّ الفمّ: “الذي يَمتلك حقيقةً تفكيرًا حكيمًا، ويوجّه دِفّة حياته على رجاء الخيرات العتيدة، فإنه عندما يرى أمامه شخصًا مائتًا، فهو لنْ يعتبر الموت أنّه موتٌ حقًا (أي نهاية كلّ شيء)، ولن يحزن على مَنْ يموتون في ظروفٍ مشابهةٍ؛ لأنّه يفكّر في الأكاليل التي يمنحها الله. وإذا كان الزارع لا يأسف ولا يتجهّم إذا ما رأى القمح منتشرًا في حقله، هكذا أيضًا البار الذي ينجح في تحقيق مفاخر الفضيلة ويحيا يوميًا متطلّعًا باشتياقٍ إلى ملكوت الله، لن يُصَابَ بالضّيق مِثل معظم البشر إذا ما أتاه الموت، ولنْ يَنزعِج أو يَضطرب لأنّه يعرِف أنّ الموت بالنسبة لأولئكَ الذين عاشوا حياةَ الفضيلة هو انتقالٌ ورحلةٌ إلى مكانٍ أفضل وحياةٍ أرقى، وطريقٌ يَقود إلى الأكاليل التي يَمنحها الله”.

ويضيف صاحب القداسة: إنْ نَظرْنا إلى أكثر اللحظات المؤلِمة في حياتِنا، عند خسارتنا لِشخصٍ عزيزٍ علينا، فإنّنا نَعي أنّه، حتى في مأساة الخسارة هذه، وحتى عندما يُحزِننا هذا الانفصال، فإنّ مِن قلوبِنا ترتفع القناعة بأنّ هذا الموت لا يمكن أنْ يكون النهاية، وبأنّ الخير الذي منَحناه وَنِلناه لم يكن هباءً. فهناك حَدَسٌ أكيدٌ في داخلنا يقول لنا إنّ حياتَنا لا تنتهي بالموت. نذكر اليوم الخوري فاروق زغيب خادم رعيّتَيْ مار الياس الحيّ ومار يوحنا كفرشحام – العقيبة، الذي كان أمينًا على القليل والكثير، أمينًا لِكَهنوته، لأبرشيّته، لِرعيّته، لِعائلته، لِمدرسته ولكلّ محبِّيه. انتقل من بيننا بِلَمحة بَصرٍ، غيابه خسارةٌ كبيرةٌ ولكن نَطلب من الربّ أنْ يُريح نفسَه ويُسكِنه فسيح جنّاته.

وفي ختام مقابلته، قال الأب الأقدس: يَجِد هذا العَطش للحياة جوابَه الفعليّ والأكيد في قيامة يسوع المسيح، لأنّ قيامة يسوع لا تُعطينا فقط اليَقين بِحياةٍ بعد الموت، بل تُنِير أيضًا سِرّ موت كلّ فردٍ منّا. فإنْ عِشْنا مُتّحدِين بيسوع، وأمناءَ له، فسنَصِير قادرِين على أن نواجه، بِرجاءٍ وسكينةٍ، حتى الانتقال مِن هذه الحياة. عندها أيضًا نُصبح قادِرِين على سَماع الصّوت الذي يقول “طوبى للموتى الذين يموتون في الربّ!” (رؤ 13:14).

Instagram
Copy link
URL has been copied successfully!
WhatsApp