تفسير الكتاب المقدّس،
الأب ابراهيم سعد،
“إنجيل القدّيس يوحنّا الرّسول – المقدّمة”
سنتكلّم، في هذا الموسم، على إنجيل يوحنّا وبخاصّةٍ الإصحاح السّابع عشر. ولكن أوّلاً، سنبدأ ببعض الأمور المُتعلّقة بهذا الإنجيل. إنجيل يوحنّا مُختلف عن الأناجيل الأخرى الثّلاثة أيّ أناجيل متّى، مرقس ولوقا بمعنى أنّ هؤلاء يتّبِعون سياقاً مُتشابِهاً فهناك الكثير من الأمور المُشتركة بينهم لذلك تسمّى بالأناجيل الإيزائيّة، أيّ يُمكنكم أن تضعوا هذه الأناجيل إيزاء بعضها فَترَوْن التّشابه والاختلافات في ما بينها أمّا مسيرة كِتابة إنجيل يوحنّا فَلا تنسجِم مع الأناجيل الباقية، كما تعرفون، يتكلّم يوحنّا على نفسه ويقول إنّه شاهدٌ على هذه الأمور من دون ذِكر اسمه في النّصّ، ولكنّ التّقليد الكَنسيّ يقول إنّ يوحنّا هو الشّاهِد، كما أنّ يوحنّا، في التّقليد، هو الّذي وضع رأسه على صدر المسيح خلال العشاء السّريّ قائلاً له: “مَن الّذي يُسلِمُكَ”. يقول أحد المُفكّرين إنّه عندما وضع رأسه على صدر يسوع من جهة القلب، أخَذَ الّلاهوت كلّه لذلك يتكلّمون على عمق لاهوت يوحنّا الإنجيليّ.
لن يَتَسَنّى لنا الوقت للتّكلّم على الإنجيل بِكامله، ولكننا سنتوقّف عند بعض المحطّات فيه. أعتقد أنّ المحطّة الأساسيّة هي في عبور النّصّ من مكانٍ إلى آخر، وذلك في الإصحاح السّادس من الإنجيل، كما في العهد القديم، حين تَمَّ الخروج بِفضل موسى باجتياز البحر الأحمر، بِحسب التّقليد اليهوديّ، وهذا العبور هو من مكانٍ إلى آخر. فيسوع، في الإصحاح السّادس، يَعْبُر الماءَ وكأنّه عبورٌ جديدٌ بِخليقةٍ جديدةٍ. في ما قبل الإصحاح السّادس، نجد نوعاً من مسيرة يسوع، يُقيم لها يوحنّا تشابُهاً مع كيفيّة انتقال الإنجيل، في الكنيسة الأولى.
لقد بدأ في فلسطين وانتقل إلى السّامِرة ومن بعدها توجّهَ إلى الأمم. لذلك تَرَوْنَ، في إنجيل يوحنّا، أوّلاً حِواراً مع نيقوديموس في إسرائيل أيّ اليهوديّة في الإصحاح الثّالث، ثانياً حِواراً مع السّامريّة أيّ السّامرة في الإصحاح الرّابع، وثالثاً في الإصحاح الخامس يتحدّث عن قصّة البركة حيث حصلت عجيبةٌ فَنزل ملاكٌ وحرّكَ المياه فيها.
كأنّ الإنجيل انتقل من اليهوديّة إلى السّامرة فأقصى الأرض. هذه هي البِشارة الّتي اعتمدها يسوع كما الإنجيل في سفر أعمال الرّسُل. بداية إنجيل يوحنّا صعبة فَعَقل الإنسان الفلسفيّ يقرأ كلّ شيءٍ انطلاقاً من الفلسفة. أقترح عليكم أن تقرأوا إنجيل يوحنّا بِعقلٍ كتابيّ لا فلسفيّ. وعليكم أن تربِطوا دائماً كلمة “كِتابيّ” بالعهد القديم أيّ أنّ يسوع هو المُفسّر الوحيد لكلمة الله وكلّ تفسير آخر ينسجم بالتأكيد مع هذا المُفسّر.
لذلك يقول في الإصحاح الأوّل: “الله لم يَرَهُ أحدٌ قطّ” الابن الوحيد الّذي هو في حِضن الآب هو الّذي فَسَّرَ وأخْبَرَ، وفي اليونانيّة، استعملوا كلمة “تفسير” أيّ مفتاح تفسير كلّ كلمة قالها الله هو يسوع المسيح وذلك يعني أنّ اليهود أصبحوا عاجزين عن تفسير العهد القديم إلّا على ضوء يسوع، ومَن لم يقبلهُ يخرج، حتّى لو كان يهوديّاً، من إسرائيل.
كلمة “إسرائيل” هي كلمة لاهوتيّة لا سياسيّة أو مُجتمعيّة أو جغرافيّة، أيّ لا وجود لبلدٍ اسمه إسرائيل في الكتاب المُقدّس بل هناك شعبٌ اسمه إسرائيل ومَن يُحدّدها هو الله لا الشّعب، لذلك كلّ فكرة الدّولة وإنشائها هي كلام يهوديّ سياسيّ لا علاقة له بالكتاب المقدّس. وخطأ المسيحيّين هو أنّهم جعلوا سرقة اليهود للعهد القديم شرعيّةً لأنّ أيّ استناد إلى التّوراة لِمَن لم يقبل يسوع هو سرقة. يقول يسوع: “هو سارِقٌ ولصٌّ”.
إذاً بسبب جَهْلِنا لهذه الأمور، سلّمنا بأنّ اليهود يملكون التّوراة وبأنّنا نملك العهد الجديد على الرّغم من أنّ اليهود لا يملكونها بل سرقوها، لأنّ أيّ تفسير للتّوراة، بِمعزل عن يسوع المسيح، هو خاطئ، ويصل بهم هذا التّفسير من دون يسوع، إلى أن يُصبحوا أمّةً، شعباً أو خيرًا لأمّةٍ أُخرِجَت للنّاس على الطّريقة الإسلاميّة أو الشّعب المُختار، ولكن عندما يختار الله لا يكون اختياره امتيازاً لكَ ولكن امتيازاً لِقُدسه.
إذا قرأتم يوحنّا، تنتهي أسطورة الشّعب المختار كما تنتهي أسطورة فكرة إسرائيل كدولة وتنتهي أسطورة أنّ أبناء ابراهيم هم اليهود لأنّه، أوّلاً، ابراهيم ليس يهوديّاً، فهو جاء من العراق، بلاد ما بين النّهريْن. مَن دخل على بُنُوّة ابراهيم هو الّذي يقبل إيمان ابراهيم ومَن بَقِيَ في بُنُوّة ابراهيم، بِحسب الكشف الجديد، هو الّذي قَبِلَ الإيمان بيسوع المسيح فَمَن لم يقبل به لم يعد ابن ابراهيم بينما الّذي قَبِلَ بإيمانه أصبح ابن ابراهيم على الرّغم من كونه وثنيّاً.
ملاحظة: دوّنت المحاضرة من قبلنا بتصرّف.