تفسير الكتاب المقدّس،

الأب ابراهيم سعد،

“إنجيل القدّيس يوحنّا الرّسول – الإصحاح العاشر”

سنتأمّل، اليوم، الإصحاح العاشر من إنجيل يوحنّا حيث يتكلّم على الرّاعي الصّالح، وبِما أنّنا نقترب من الفصح ، فَلْنتأمّل رعاية الرّبّ لنا من ويل الموت.

أوّلاً، الرّاعي، في العهد القديم، هو الله، الملك. عندما أراد الشّعب ملكاً، غير الله، كان على الأرض، لأنّ الله في السّماء، ولأنّهم يُريدون أن يُصبحوا مثل كلّ النّاس، أجابهم الله بأنّه اختارهم كي يكونوا مُمَيّزين عن الآخرين لأنّهم، في الأصل، مثل الآخرين ، إلّا أنّهم فهموا أنّ الله اختارهم لأنّهم لا يُشبهون الشّعوب الأخرى. أيّ أنّ هناك ما يجب أن يفعلوه كي يُصبحوا مختلفين عن الآخرين. فقرّروا أن يتمتّعوا بامتياز وهو أنّهم لا يُشبهون غيرهم من الشّعوب إلّا أنّهم أخذوا يتصرّفون مثلها. وأعطاهم الله ملكاً كي يُبرهن لهم بأنّها تجربة فاشلة لأنّهم، بعد مدّة، سيطلبون بناء هيكل للملك، وبعده هيكل لإله الملك، فيُصبحون من عابِدي الأصنام. فجاء الملك شاوول، ومن بعده الملك داوود والملك سُليمان… حتّى انهار كلّ شيء. فقال الله: “ويل للرّعاة الّذين يرعون أنفسهم ولا يرعون غنمي” لذلك قرّر أن يختار بنفسه، الرّاعي الّذي سيُؤكّد حضور الله، وقد انتظروا ذلك الرّاعي طويلاً إلى حين قول يسوع في الإصحاح العاشر: “أنا هو الرّاعي الصّالح”. وكلمة “صالح” تعني المناسب، أيّ “أنا هو الرّاعي الوحيد” وبمعنى آخر إذا قال أحد إنّه الرّاعي فهو سارِق ولصّ.

إذاً، هذه الرّعاية تحتاج إلى سلطة، قيادة قطيع تحتاج إلى القوّة. وهذا الرّاعي، بدلاً من أن يجلس على العرش ويرعي النّاس، أسندَ رأسه إلى الصّليب، إذاً أصبح راعياً بفضل “مصلوبيّته”. لقد جلس على عرش الرّعاية لأنّه رَضِيَ بأن يكون الحَمَل المذبوح من أجل رعيّته. إذاً كلّ راعٍ هو حَمَل ويسوع هو الوحيد الّذي يستطيع أن يكون الرّاعي والحَمَل في الوقت نفسه، وهذا ما لا يُمكن أن يُصوَّر إلّا بالكلمة. همُّ الرّاعي هو أن يصل قطيعه إلى الحظيرة في اللّيل، ويأكل العشب المغذّي من المَرعى في النّهار وهو يُرافقه.

رعاية يسوع، كلمة الله، أكّدت لنا أنّ الخروف المذبوح هو الّذي يرعى من “مذبوحيّته”، من جنبه المطعون، من الشّوك على رأسه، من المسامير في يديْه ورِجليْه. فكيف يستطيع المصلوب أن يرعاك؟ لا يقبل النّاس بأن يتبعوا الضّعيف فيبحثون دائماً عن القويّ، وهذه هي مشكلة يسوع. ففي تجربة البريّة، عندما طلب الشّيْطان منه أن يُحوّل الحجارة إلى خبز، رفض فعل ذلك لأنّه يُريد السّلطان الآتي من عند الله فقط، لكنّ الشّيْطان يُريد أن يُعطيه إيّاه من عند الشّعب. الله هو الّذي اختار أن يكون سلطان يسوع من صلْبه، إطاعة حتّى الموت، موت الصّليب. هذا هو السّرّ الّذي لا يُمكن لأحد أن يفهمه، إلّا أنّه قبل به، وهذا هو الإيمان. إذاً سُلطان يسوع كان بالكلمة الّتي قالها وبالدّم الّذي أُهرِق.

كم من شخصٍ اقتنع بأنّه يجب أن يتبع يسوع؟ في البدء، كانوا كثيرين بسبب العجائب الّتي كان يصنعها، إلّا انّهم سرعان ما وجدوا أنّه لا يُريد أن يكون زعيماً يُصفّق له الشّعب، فابتعدوا عنه لأنّهم أرادوا زعيماً قويّاً، لذلك، كما هو مكتوب في الإنجيل، فقد اختاروا باراباس، بدلاً من يسوع، على الرّغم من أنّه كان لصّاً، إضافةً إلى أنّه كان ضمن مجموعةٍ مُسلَّحةٍ تحمل السّيف بغية تحرير مملكة داوود واستعادتها من الاحتلال الرّومانيّ، فبالنّسبة إليهم هذه المملكة هي أرضيّة، سياسيّة، شعبيّة. سُجِنَ باراباس لدى الرّومان. وكان هناك رجلٌ اسمه يسوع وهو ابن الله. لذلك اختاروا باراباس لأنّه قويّ ويملك السّلاح، فبالنّسبة إلى اليهود، خَلَفَ الله بوعده لهم بأن يُرسِل إليهم المسيح المُنتَظَر كي يستعيد مملكة داوود، فأرسل لهم أحداً لا يقول إلّا كلمة الله ولا يُجيب عن أيّ سؤال. وبِرفضهم لِيسوع رفضوا الله أيضاً لذلك قال لهم يسوع: “مَن يرفضني يرفض الّذي أرسَلني” أيّ مَن رفض يسوع أصبح مُلحِداً، من دون إله، عابِداً للأصنام. وإذا رفضتم يسوع بعد أن تكونوا قد اقتنعتم بأنّ الله أرسله يكون هذا تجذيفاً.

في إنجيل يوحنّا، يقول إنّ يسوع كان عارِياً على الصّليب، فقد اقترعوا على ثوبه غير المَخيط أيّ ثوب الكهنة. إذاً هذا الّذي صُلِبَ كان الكاهن والذّبيحة في الوقت نفسه، كان المُقدّم والمُقَدَّم، المُقَرِّب والمُقَرَّب، الرّاعي والحَمَل في الوقت نفسه.لم يكن هناك حلّ إلّا أن يُقدّم الله نفسه في ابنه يسوع. لذلك إن لم يقبل اليهود بابن الله الحقيقيّ، فلن يقبلوا بالّذي أرسله أيّ الله. وباراباس هو من حزب اسمه “حامِلو الخناجر” ويهوذا الإسخريوطيّ كان من الحزب نفسه ويُريد أن يكون المسيح مثله لذلك اعتبر أنّه خائنٌ وسلَّمَهُ لأنّه يقوم بما يطلبه الله منه لا الشّعب. وقد سلّمه بِقُبلة والقُبلة هي التّعبير الأعلى عن الحبّ من دون كلام لأنّ كلمة “الحبّ” تخرج من الشّفتيْن ، وبالتّالي كان يهوذا يُعبّر عن حبّه الكبير ليسوع بالشّفتيْن. لكن يهوذا هو الكذّاب أبو الكذّاب أيّ الشّيْطان الّذي يُعطيك العلامات نفسها من الخارج ولكنها فارغة من مضمونها. يهوذا قبَّلَ يسوع بِشفتيْه وهو الّذي يجب أن يكون الرّسول الّذي يتكلّم بهاتيْن الشّفتيْن ويُبشّر بالمسيح.

كان بِرفقة يهوذا جنود، وكان برفقة يسوع أحد تلاميذه الّذي قطع أذن أحد الجنود فأمرهيسوع بأن يردّ سيفه وأعاد للجنديّ أذنه. واحد من الرّسُل قبّله ليصلبه وجاء الآخر يقطع أذن الوثنيّ لكي يمنعه من سماع كلمة التّبشير منه حتّى يؤمن. فَبِقطع أذنه يكون قد قطع له إمكانيّة أن يؤمن بالله.
إذاً هذا الرّاعي يعرف كلّ مَن في رعيّته من اسمه، يعرف رعيّته من ضعفها ومصائبها فيُعالجها. لم نفهم رعاية المسيح إلّا على الصّليب حيث كان الشّفاء لِكلّ ما نشكو نحن منه. الرّاعي يُعامِل النّاس بِحسب ضعفهم. لقد حلّ يسوع المسيح على الصّليب مشاكلنا بسبب ضعفنا لأنّه كان عليه أن يجد حلّاً لِيُثبت أنّه راعٍ صالح لِرعيّته كلّها الّتي تقبل به والّتي لا تقبل به، فقال: “اغفر لهم يا أبتاه لأنّهم لا يدرون ماذا يفعلون” قبل أن يموت أتمّ رعايته الكاملة فبذلك غفر خطايا الّذين قتلوه. وعندما تمّ كلّ شيء، أسلم الرّوح. في إنجيل يوحنّا، أسلم الرّوح لا يعني أنّه مات بل سلّم الرّوح القدس.
بِما أنّكم بانتظار عيد الفصح، عليكم التّفكير في معنى المسيح الرّاعي، في صفاته وعمله. والصّفة والعمل يتّحدان.

إذا كان يسوع هو الرّاعي، يجب أن يكون هناك مكان فيه غنم كي يظهر بأنّه الرّاعي، كما يجب أن يكون هناك حظيرة ومَرعى. هذه الصّورة أعطاها الإصحاح العاشر من إنجيل يوحنّا.
يقول: “الحقّ الحقّ أقول لكم: إنّ الّذي لا يدخل من الباب إلى حظيرة الخراف، بل يطلع من موضع آخر (أيّ الّذي يُريد الدّخول إلى الله من دون يسوع)، فذاك سارق ولصّ، وأمّا الّذي يدخل من الباب فهو راعي الخراف، لِهذا يفتح البوّاب، والخراف تسمع صوته (الصّوت أيّ الكلمات)، فيدعو خرافه الخاصّة بأسمائها ويُخرِجها. ومتى أخرج خرافه الخاصّة يذهب أمامها، والخراف تتبعه، لأنّها تعرف صوته. وأمّا الغريب فلا تتبعه بل تهرب منه، لأنّها لا تعرف صوت الغرباء (أيّ الغنم لايعرف إلّا صوت من يملكه).

هذا المثل قاله لهم يسوع، أمّا هم فلم يفهموا ما هو الّذي كان يُكلّمهم به. فقال لهم يسوع أيضاً: الحقّ الحقّ أقول لكم إنّي أنا باب الخراف، جميع الّذين أتَوْا قبلي (أيّ الّذين كانوا يعتبرون أنفسهم الرّعاة أيّ الفرّيسيّين واليهود) هم سرقة ولصوص، ولكنّ الخراف لم تسمع لهم، أنا هو الباب. إن دخل بي أحد يخلص فيدخل ويخرج ويجد مرعىً. السّارق لا يأتي إلّا لِيسرق ويذبح ويُهْلِك، أمّا أنا فقد أتيْتَ لِتكون لهم الحياة ولِيكون لهم الأفضل (إذاً يسوع، هذا الرّاعي يجعل حياة الغنمة أفضل). 

أنا هو الرّاعي الصّالح، والرّاعي الصّالح يبذل نفسه عن الخراف (من صفات الرّاعي) وأمّا من يكون أجيراً، وليس راعياً، وليست الخراف له، فيرى الذّئب مُقبِلاً يترك الخراف ويهرب، فيخطف الذّئب الخراف ويُبدّدها والأجير يهرب لأنّه أجير، لا يُبالي بالخراف. أمّا أنا فإنّي الرّاعي الصّالح، وأعرف خاصّتي وخاصّتي تعرفني كما أنّ الآب يعرفني وأنا أعرف الآب (هو يُشبّه المعرفة أيّ العلاقة برعيّته بعلاقته بأبيه. وهو يرى علاقته بكم على هذا النّحو وأنتم يُمكنكم أن تجعلوها وَهْماً ولكنّه لن يتراجع وأنتَ عليك أن تستفيد، بأن تسمع صوته لا أن تكون أجيراً فَتُصبح سارقاً ولصّاً). وأنا أضع نفسي عن الخراف. ولي خراف أُخَر ليست من هذه الحظيرة (أيّ هو يعتبر الجميع رعيّته حتّى المُلحِدين وعمله أن يدلّهم على الطّريق الصّحيح)، ينبغي أن آتي بتلك أيضاً فتسمع صوتي، وتكون رعيّة واحدة وراعٍ واحد (أيّ أنّ عدد رعيّته غير محدود، وأنتَ يحقّ لك أن تُقرّر فقط إن كنتَ تبقى في هذه الرّعيّة أو ترحل، وليس لك الحقّ في تحديد الأشخاص الّذين يدخلونها، فتكونون رعيّةً واحدةً. 

إذاً هذا الرّاعي، على الصّليب، جعلك أنتَ مهما تكن، مثل أيّ شخص يقبل به مهما كان). لِهذا يُحبّني الآب، لأنّي أضع نفسي لِآخذها أيضاً، ليس أحدٌ يأخذها منّي، بل أضعها أنا من ذاتي. لي سلطان أن أضعها ولي سلطان أن آخذها أيضاً. هذه الوصيّة قبلتها من أبي (هو فقط يقبل ولا يُعطي رأيه، هو راعٍ لا يُعطي رأيه في رعيته بل يقبل بما يقوله له أبوه).
وحدثَ أيضاً انشقاق بين اليهود بسبب هذا الكلام فقال كثيرون منهم: به شيْطان وهو يهذي. لماذا تستمعون إليه؟ آخرون قالوا: ليس هذا الكلام مَن به شيْطان. ألعلّ شيْطاناً يقدر أن يفتح أعين العميان (لأنّه في الإصحاح السّابق فتح عيْنيّ الأعمى، إذاً مَن يَقسم النّاس هو يسوع فقال “جئتُ لِأُلقي سيفاً”).

وكان عيد التّجديد في أورشليم، وكان شتاء، وكان يسوع يتمشّى في الهيكل في رواق سليمان فأحاط به اليهود وقالوا له: إلى متى تُعَلّق أنفسنا؟ إن كنتَ أنتَ المسيح فَقُلْ لنا جهراً. أجابهم يسوع: إنّي قلتُ لكم ولستم تؤمنون. الأعمال الّتي أنا أعملها باسم أبي هي التي تشهد لي (أيّ ليس بحاجة إلى شهود) ولكنّكم لستم تؤمنون لأنّكم لستم من خرافي (هو يتحدّث إلى اليهود الّذين ينتظرون المسيح المُنتَظر)، كما قلتُ لكم خرافي تسمع صوتي (هذا هو المعيار)، وأنا أعرفها فَتتبعني وأنا أُعطيها حياةً أبديّةً، ولن تهلك إلى الأبد، ولا يخطفها أحد من يدي. أبي الّذي أعطاني إيّاها هو أعظم من الكلّ، ولا يقدر أحد أن يخطفها من يد أبي، أنا والآب واحد.

فَتناول اليهود أيضاً حجارة لِيرجموه. أجابهم يسوع: أعمالاً كثيرةً حسنةً أرَيْتُكم من عند أبي. بسبب أيّ عمل منها ترجمونني؟ أجابه اليهود قائلين: لسنا نرجمك لأجل عمل حسن، بل لأجل تجذيف، فإنّك وأنتَ إنسان تجعل نفسك إلهاً (يسوع لا يحتاج إلى دليل فقد اعترف بجريمته بالنّسبة إلى اليهود). أجابهم يسوع: أليس مكتوباً في ناموسكم: أنا قلتُ إنّكم آلهة، إن قال آلهة لأولئك الّذين صارت إليهم كلمة الله، ولا يُمكن أن يُنقَض المكتوب، فالّذي قدّسه الآب وأرسله إلى العالم أتقولون له: إنّك تجذّف، لأنّي قلت إنّي ابن الله؟ إن كنتُ لستُ أعمل أعمال أبي فلا تؤمنوا بي ولكن إن كنتُ أعمل، فإن لم تؤمنوا بي فآمنوا بالأعمال، لكي تعرفوا وتؤمنوا أنّ الآب فيّ وأنا فيه.

فَطلبوا أيضاً أن يُمسكوه فَخرج من أيديهم ومضى أيضاً إلى عبر الأردن، إلى المكان الّذي كان يوحنّا يُعمّد فيه أوّلاً ومكث هناك، فأتى إليه كثيرون وقالوا: إنّ يوحنّا لم يفعل آيةً واحدةً، ولكن كلّ ما قاله يوحنّا عن هذا كان حقّاً. فآمن كثيرون به هناك.” إذاً أبواب الحظيرة مفتوحة للجميع.

يتكلّم الإصحاح الحادي عشر على إقامة أليعازر. مَن يسمع صوت يسوع يَحيا. قال يسوع: “أليعازر هلمّ خارِجاً” فسمع صوته لأنّه تلميذه.
إذاً أنتَ في حديث الفصح، تدخل في رعيّة المسيح من جديد أيّ تُخْلَق من جديد أيّ تقوم من جديد. إذا لم تدخل هذه الحالة العقلانيّة لا العاطفيّة لن تستطيع تجديد العهد.

ملاحظة: دوّن الشرح بأمانةٍ من قبلنا. 

Instagram
Copy link
URL has been copied successfully!
WhatsApp