الرياضة السنويّة 2016 بعنوان: “اذهَب واعمل أنتَ أيضًا، هكذا” (لو 37:10)

دار سيّدة الجبل – فتقا، كسروان.

عظة القدّاس الإلهيّ: “أحد شفاء المخلَّع” (مر 2: 1-12) 

الخوري جوزف سلوم،

باسم الآب والابن والرّوح القدس، الإله الواحد، آمين.

في الأحد الخامس من زمن الصّوم، تتأمّل الكنيسة، بحسب الطقس المارونيّ في حادثة شفاء المخلّع، فتقرأ الانجيل، ليس كحدثٍ جرى في الماضي، بل على العكس، تقرأه كحدثٍ يحصل الآن فعلاً. نقرأ الانجيل دائمًا بطريقة آنيّة وكأنّه يحدث الآن، ولا يجب قراءته وكأنّه حدثٌ خارِجُ عنّي. فعليّ أن أجد لي مكانًا في النّصّ الانجيليّ: من الممكن أن أكون المخلّع، أو صاحب البيت، أو أحد الرّجال الذّين كانوا يحملون المخلّع، كما يمكنني أن أكون حماة بطرس التّي كانت تهتّم بالمنزل وتخدم النّاس، أو بكلّ بساطة أحد الحاضرين في هذا المنزل الذّين يتفرّجون منتظرين ما سيفعله يسوع. هكذا أقرأ الانجيل طارِحًا على ذاتي السؤال التّالي: أين أنا من النّصّ الذّي أقرأه؟ أتخيّل الكلام الذّي تفوّه به يسوع، الحديث الذّي يدور بين الأشخاص، المشهد الانجيليّ كلّه، هل أنا أحد الكتبة أو الفريسييّن الذّين ينتقدون يسوع، وهم يسألوه عن السّلطان الذّين يستخدمه لغفران الخطايا وعن هويّته، ويُذكّرونه بأنّ الله وحده هو الذّي يغفر الخطايا. إن إنتقاد الفريسييّن والكتبة لأعمال يسوع يشكِّل أحد الأسباب الأربعة التّي أوصلت يسوع إلى الصّليب.

أبدأ بالكلمة الأولى من النّصّ: “وسمع النّاس أنّه في البيت”: سمع النّاس أجمعين أنّ يسوع موجودٌ في البيت.كم هي مهمّة كلمة “البيت”! البيت هنا هو بيت بطرس، وهذا يعني الكنيسة. أوّل لقاءات يسوع لم تكن في ملاعب رياضيّة، في أماكن واسعة بل كانت في بيت، فهو لا يبحث عن جماهير غفيرة تُصَفِّق له، لذلك بدأ عمله في أماكن صغيرة ضيّقة، في عائلة، في بيت. أوّل أعجوبة قام بها يسوع كانت في العائلة، في بيت. في هذا البيت، بيت بطرس، قام يسوع بثلاثة أعمال: عَلَّم، شَفى، وغفر. إذًا هذه هي الأعمال التّي حصلت في بيت بطرس: التّعليم، الشِّفاء، والمغفرة. فالمغفرة لا تتّم عندما أكون مستلقيًّا ومرتاحًا قبل النّوم، إنما بيني وبين الله فقط.
“إنّه في البيت”، كم هو جميل ومهّم أن نقول إنّ يسوع في بيتي أنا. كم هو مهمّ أن يكون يسوع في بيتنا. لكن هل ما زلنا نستقبل يسوع في منزلنا أم أخرجناه منه منذ زمن؟! عندما نضع يسوع خارج بيتنا، ينهار الزواج ولا يثبت. إنّ اللقاء كلّه يتمّ في البيت: الحوار، التقاسم والمسامحة. لكن المشكلة تكمن في أنّ شبابنا اليوم لا يحبّون المكوث في المنزل، لأنّهم يضجرون. (وأنا لم أتكلّم عن الأزواج لأنّ الجميع أصبح يعمل اليوم، وهذه من متطلّبات الحياة في هذا العصر.) اليوم، أصبح يسوع وحده في البيت، وكأنّه حارس أمنّي يقوم بحراسة منزلنا من اللّصوص، ونحن في أغلب أوقاتنا خارج المنزل، ويسوع وحده في الداخل. واليوم، أصبحت اللّقاءات بين العِيَل والأصدقاء تتمّ كلّها في المطاعم، أي خارج المنزل. في السابق، كنّا نفرح بمجيء رفاقنا وزوّارنا إلى المنزل. أمّا اليوم، فإذا جلسنا في المنزل، فلا نتواصل مع بعضنا البعض كما يجب. لذا إخوتي علينا أن نُعيد يسوع إلى بيتنا وحياتنا، فعندها أمورٌ كثيرةٌ سوف تتغيّر وتتبدّل في حياتنا.

“إنّه في البيت”، أردت أن أشدِّد على موضوع البيت لأقول أمرًا وهو: عندما يكون يسوع في البيت يصبح هناك مكان للمريض والعجوز وللشخص المعوّق في منزلنا. لقد قرأت منذ فترة كلامًا لقداسة البابا فرنسيس عن الشخص العجوز في المنزل -وقد أفرحني ما قاله-قال البابا إنّه في خلال وجوده في الأرجنتين عندما كان رئيس أساقفة، أراد في أحد الأيّام زيارة مأوىً، فذهب وتناول مع العجزة وجبات الطعام وتبادل معهم الأحاديث. وعندما سأل البابا عجوزًا إن كانت عائلته تقوم بزيارته، فكان الجواب إيجابيًا. ولمّا استطرد البابا بسؤالٍ آخر عن تاريخ الزيارة، تفاجأ بجواب العجوز إذ قال له إنّ عائلته تزوره في الأعياد، كعيد الميلاد، أي قبل ثمانية أشهر من زيارة البابا للمأوى. لذلك صرخ وقال إنّها جريمة كبيرة ولخطيئة فظيعة ومميتة. 

ويضيف البابا ويُخبر قصّة أخرى عن عجوزٍ موجود في المنزل ضمن عائلة أحد أبنائه. وفي أحد الأيّام، قام الابن بصناعة طاولة خشبيّة لأبيه، وطلب منه الجلوس في المطبخ لتناول الطّعام وحيداً لأنّه سيستقبل ضيوفًا في المنزل. وعندما رأى الحفيد هذا الأمر، بدأ بصناعة طاولة خشبيّة مماثلة لأبيه، وعندما سأله والده ما الذّي يفعله أجابه أنّه يُعِدّ له طاولة خشبيّة كالتّي صنعها هو لجدّه، إستعدادًا لشيخوخة والده. فيعيد البابا صرخته ويقول إنّها خطيئة مميتة. إنّ البيت هو أمر مهمّ وهو محور العائلة.

هنا في هذا النّصّ، نرى ازدحاما للنّاس في بيت بطرس. هناك أشخاص يفرحون عند ازدحام النّاس حول يسوع، لكن الازدحام في هذا النّصّ قد يكون مزعجًا، إذ لم يترك هؤلاء النّاس ممرًا للآخرين، للمرضى والآتين من بعيد، والذّين هم في أمسّ الحاجة للإقتراب من يسوع. نحن الذّين نعتبر أنفسنا على مقربة من يسوع، أَكُنّا كهنة أم مؤمنين أو جماعات روحيّة، علينا الانتباه إلى الآخرين وترك ممر للذّين هم بحاجة للاقتراب من يسوع.

هناك في بعض الأحيان، معوّقات تقف حاجزًا دون وصولنا ليسوع. فمِنَ النّاس مَن يتحجّج بعدم وجود وقت، وبكثرة الانشغال، وكثرة الارتباطات، وكثرة الزيارات، لعدم وصوله إلى يسوع. لا يجب أن يكون هناك معوِّقات لوصول أيٍّ كان أمام يسوع، خاصّةً أمام كلمته. يسوع شفى المخلَّع بقوّة الكلمة، ففي هذا النّصّ، لم يضع يسوع يده على جسد المخلّع لشفائه، إنّما شفاه بقوّة كلمته ومن بعيد. إنّ الكلمة أي الانجيل والكتاب المقدّس هي وحدها قادرة على الشفاء والغفران لذا علينا إعادة كلمة الله إلى بيوتنا وقراءتها. علينا إخوتي أن نصلّي من جديد في بيوتنا وأن نضع الله وكلمته في قلب منازلنا. إخوتي، فلنضع يسوع وسط منزلنا.

في هذه الحادثة، حادثة شفاء المخلّع في بيت بطرس، يسوع تكلّم مع المخلّع لكن الأولويّة عند يسوع كانت لغفران الخطايا. نظر يسوع للمخلّع وقال له: “قم، احمل سريرك، واذهب إلى بيتك”. كلمة “قُمْ” تدّل على القيامة. إنّ الشخص المريض يشبه الميت، جاء يسوع وأعاد الحياة لهذا المخلّع. إنّ يسوع بهذه الكلمة “قم”، أراد أن يقول للمخلّع، ومن خلاله لنا، أن نقوم ونحمل صعوبات الحياة التّي نواجهها، صليبنا والآمنا، وننتقل إلى بيت جديد لكي نغيّر الواقع.

والآن سنتوقف عند فكرة وجود الاشخاص الأربعة الذّين أتوا بالمخلّع إلى يسوع. ومن هنا نُشدِّد على أهميّة وجود الجماعة التّي تحمل الاشخاص الذّين يعيشون وسط الصعوبات التّي تشكِّل عائقًا لهم في مسيرتهم. نحن نلاحظ أنّ الاشخاص يتواصلون مع الكهنة من أجل رتبة المعموديّة، وبعد الانتهاء من هذه الرتبة، لا يعودون إلى الكنيسة. عوض أن نتحضّر لهذا السّر روحيًّا، بتنا اليوم، نتحضّر له عبر الاحتفالات الاجتماعيّة، كالاهتمام بالتذكارات الخاصّة بالمناسبة، بالعشاء في المطعم، والثياب والزينة وما إلى هنالك من تحضيرات. والأمر نفسه نراه في المناولة الاولى والاكاليل. أصبحت كلّ إحتفالاتنا الدينيّة شكليّة. فلنفكّر في الطرق التّي يجب استخدامها لجعل جماعاتنا المسيحيّة أكثر قدرة على حمل الأشخاص الذّين يمرّون بصعوبات، فتكون جماعتنا أكثر فاعليّة. قلائل هي الجماعات التّي تستمِّر بإلتزامها، لقد أصبحنا اليوم نَحضُر إلى الكنيسة كمن يقوم بوظيفة، نأتي إلى الكنيسة للقيام بمهمّة معينّة ثمّ نغادرها. وهنا نطرح السؤال عن الدور الذّي نستطيع أن نلعبه في تكوين الجماعات الرعوية والكنيسة. 

لذا إخوتي، فلنحمل مع الكهنة جماعاتنا المسيحيّة. وعندما يُطلق الكاهن النِّداء من أجل إيجاد أشخاص لمساعدة الآخرين في حمل صعوباتهم، غالبًا ما نرى أن القسم الأكبر من النّاس يهرب من تَحَمُّل هذه المسؤوليّة. إخوتي، فإن لم نتمكن من أن نحمل جسدّيًا الأشخاص في صعوباتهم، فلنُصلِّ لهم. فبصلاتك أنت قادر على أن تحمل الكثيرين، وصلاتك قادرة على اجتراح المعجزات. ويمكن أن يكون المخلَّع أحد أقربائي، ففي حال كنت وحدي غير قادر على حمله، أحاول أن أطلب المساعدة من الآخرين. لنتحَلَّ إخوتي بالاندفاع لمساعدة الآخرين في الحمل. أريد معكم إخوتي لفت النظر إلى قوّة الجماعة بإيمانها القادر على اجتراح المعجزات، وتشفي النّاس وتُغيّر مسار كثيرين إذا كانت قادرة أن تتضامن مع بعضها البعض وتحمل بعضها البعض في وقت الصعوبات. في عالمنا اليوم، الكثير من النّاس يحبّون أن ينظروا إلى الآخرين كمتفرِّجين، دون أن يمدّوا يد المساعدة. إنّ المشكلة في عالمنا اليوم هي الفِردانيّة.كلّ واحد يريد العمل بمفرده. فلنطلب من الله أن يعطينا النّعمة وهي أن يساعدنا لنعمل كجماعة، ككنيسة. آمين.

ملاحظة: دوِّنَت العظة بأمانةٍ من قِبَلِنا. 

Instagram
Copy link
URL has been copied successfully!
WhatsApp