الرياضة السنويّة 2021 بعنوان: “أخْتَبِئ نحو لُحيظة حتّى يَعبُر الغَضَب” (أش 26: 20)
عبر تطبيق زوم،
عظة القدّاس الإلهيّ: “أحد شفاء المخلّع” (مر 2: 1-12)
الأب ميشال عبود الكرمليّ،
كان ينبغي لنا أن نتأمَّل في القراءتَين: الرِّسالة والإنجيل؛ وإنّما كي نُعطي الإنجيل حقَّه في التأمّل، سأتوقَّف فقط عند نصّ إنجيل الـمُخلَّع.
بدايةً، إنّ محور الإنجيل، أي البشرى السّارة، هو يسوع المسيح. لذلك عند قراءتنا لِنَصٍّ إنجيليّ، نُركِّز على ما قام به الربُّ يسوع وعلى ما قاله للمُحيطين به، فَنَعمل كي تكون حياتنا مُشابهةً لِحياة الربِّ يسوع، فيَكون فِكرُنا مطابقًا لِفكره، وكلماتُنا مُطابقة لتعاليمه، وهنا نتذكَّر قول بولس الرَّسول:”لِيَكُن لَكم فِكرُ المسيح”. (في 2: 5).
عند قراءتنا لِنَصٍّ إنجيليّ، علينا أن نَضع ذواتَنا مكان الأشخاص الّذين التَقوا بالربّ، الّذين يُخبرنا عنهم النَّص؛ فإنَّ لِكُلِّ واحدٍ منهم قصّةً، تحوَّلت بعد لقائهم بالربِّ يسوع إلى تاريخٍ مُستَقبليّ. قَبْل إقدامِه على أيِّ مُخطِّطٍ مستَقبليّ، يقوم كلُّ إنسان بوقفةٍ مع ذاته، فيَطرح على ذاته السّؤالَين التّاليَّين: لماذا؟ وكيف؟ كذلك، نحن اليوم، المجتمعون في هذه الرِّياضة، وقد فرَّغنا وقتًا للمشاركة فيها، لا بُدَّ لنا من أن نَطرح هذين السُّؤالين على ذواتنا.
أوّلاً: لماذا: لماذا أَسمَع كلمة الله؟ لماذا أشارِكُ في هذه الرِّياضة الرُّوحيّة؟ والجواب هو أنَّ الله يَعْنِيني، لذا أسعى على الدَّوام إلى تقوية علاقتي بالربّ، فَكلمته تُعطي حياتي مَعنىً. قد يَحمل هذا الجواب في طيّاته بعض الأنانيّة، إذ قد يشعر البعض بأنَّ مشاركتهم في هذه الرِّياضة مبنيّة على شُعورهم بالرَّاحة والسّلام في أثناء الصّلاة، وأنّ مشاركتهم في هذه الرِّياضة تَمنحهم شعورًا بأنّ الله راضٍ عنهم. ولكنَّ الأهمَّ في كلِّ ذلك هو أنَّ لقاءنا بالربَّ هو مَصدر رِبحٍ لنا ولا خِسارةَ فيه.
ثانيًا: كيف؟ بالإصغاء. في هذ النَّص الإنجيليّ، نلاحظ أنَّ الجموع قد تَجَمهرّت حول الربِّ يسوع لِسماع كلمة الله الّتي يُعلِنها للشَّعب. وبالتّالي، هؤلاء لَم يتجمَّعوا حول الربِّ يسوع ليتعلّموا فنَّ الإضغاء أو بعض الأخلاقيّات الحَميدة الّتي يبشِّر بها الربّ، فهذه كلُّها تأتي في مراحل لاحقة. لذلك قال لنا الربُّ: “أُطلبوا ملكوت الله وبرَّه، والباقي يُزاد لكم” (متى 6: 33). وهنا أودُّ أنْ أُعيد على مسامِعكم قصَّة ذلك الإنسان الذي أراد تَعلُّمَ صناعة الأسلحة، فذهب إلى مُعلِّم في هذه الحِرفة، لِيُعلِّمه كيفية صناعة السُّيوف والخناجر والسِّهام، تلك الأسلحة المـتعارَف عليها في ذلك الزَّمان. فكان له ما أراد. وبعد مدَّةٍ من الزَّمن، قرَّر صاحب معمل الأسلحة أن يُسلِّم مَعمَله لِهذا الرَّجل الّذي تعلَّم هذه الحِرفة، ليَختَبر قدرة هذا الأخير على صناعة الأسلحة في وقتٍ قصير. وبَعدَ مُضي أسبوع، عاد صاحب المعمل إلى عَملِه، فتَفاجأ عندما وَجد أنَّ هذا الرَّجل الَّذي تعلَّم الصَّنعة لم يَقم بأيّة قِطعة سلاحٍ في غباب سيِّده، فسأله صاحب المعمل عن السَّبب، فأجاب الرَّجل: يا سيَّدي أنت علَّمتني كيفيّة صناعة الأسلحة، ولكنَّك لَم تُعلِّمني كيفيّة إشعال النَّار، كي أتمكَّن من صناعة الأسلحة.
“فكان يخاطبهم بالكلمة”: إنَّ علاقتنا بالله مبنيّة على إصغائنا إلى كلمته. لذلك، عند قراءتنا لأيِّ نصٍ إنجيليّ، لا بُدَّ لنا من أن نَطرَح هذا السُّؤال على ذواتِنا: هل هذا الإنجيل الّذي أسمعه اليوم يَعنيني، أم لا؟ في هذه الأيّام، نكرِّس وقتًا طويلاً لمشاهدة كلِّ ما تعرِضه علينا وسائل التواصل الاجتماعيّ، وهي تعرض علينا أمورًا لا تستغرِق وقتًا بل تَمُرُّ بسرعةٍ. ولكنْ، أودُّ أن أطلبَ إليكم أن تَضعوا هاتفكم جانبًا محاولِين أن تتذكَّروا ما قرأتموه أو سمَعتموه عبر هذه الوسائل التواصليّة، فما تتذكَّرونه يُشير إلى ما تَهتمُّون به، وما لا تتذكَّرونه يُعبِّر عن عدم اكتراثكم له. إخوتي، إنَّ إصغائنا لِكلمة الله يتطلَّب منّا تكريسَ وقتٍ لها، كي نتمكَّن من سماعها، أي بِمعنى آخر يجب ألّا تَكون كلمة الله “فَضلَة حياتي”، فأكرِّس لها ما تبقَّى من وقتي. على المؤمِن أن يُكرِّس وقتًا لسماع كلمة الله، فتَدخل إلى أعماق حياته.
“ولَم يبقَ موضِعٌ لأحد ولا عند الباب” (مر 2: 2): إنَّ هذه الجموع الموجودة قُرب يسوع أتَت لِسماع كلمة الله، ولكن قد يكون بعض الموجودين في هذا الـمَنزل، قد أتوا لِطَلب الخُبز من الربّ، أو لِطلَب شفاء مَرضاهم، أو أيضًا بِفعل الفُضول.
إنَّ الرِّجال الأربعة الّذين حَملوا الـمُخلَّع يرمزون، بحسب تفاسير الآباء القدِّيسِين في الكَنيسة، إلى أربعة أقطار العالَم. حمل هؤلاء الرِّجال الأربعة الـمُخلَّعَ ووضَعوه أمام الربّ: هذا هو عمل الجماعات. إنّ هذه الرِّياضة الرُّوحيّة قد نَظَّمتها جماعة “أذكرني في ملكوتك”، الّتي حَمَلتنا، من خلال مسؤوليتِها، لِتَضعَنا أمام الربّ. في الكثير من الأوقات، قد نشارك الآخَرين وصفةً طبيّة أو أيَّة وصفةٍ أخرى، كي يتمكَّنوا من اختبارِ فائدتها، الّتي اكتَشفناها فيها. في بعض الأوقات، قد نشاهد فيلمًا، فنَنصَحُ الآخَرين بمشاهدته، بسبب وجود رغبة في داخِلنا كي يتذوَّق الآخَرون ما سَبَق وتذوَّقناه في هذا الفيلم. والإنسان الّذي يتذوَّق كلمة الله، يَحمِلُ الآخَرين إلى هذه الكلمة، إلى الربِّ يسوع.
“فأتوه بمخلَّع يحمله أربعة رجال” (مر 2: 3)، ولكنّهم اصطدموا بالعوائق، الّـتي كانت متمثِّلة بالجموع الحاضرة في هذا الـمَنزل، الّذين هم أيضًا جاؤوا على مِثال هؤلاء الرِّجال إمّا لِطَلب شِفاء أو لِسماع كلمة الله. إذًا، غالبًا ما تكون العوائق الّتي تمنعنا من الاقتراب من يسوع، هي الأشخاص الموجودين قُربَ الربّ، تمامًا كما حَدَث مع زكَّا العشَّار.
إخوتي، إنَّ الإنسان الذي يُقرِّر اتِّباع الربّ، والتقرُّب منه لا بُدَّ من له أن يُدرِك أنّه سيَصطدم بالعوائق. فمَثلاً: حين يقرِّر الإنسان المؤمِن تكريس وقتٍ للصّلاة، يتفاجأ بأنَّ كلَّ الأمور الّتي كان غافلاً عنها قَبْل الصّلاة تتوارَدُ إلى ذهنه، في وقت الصّلاة، فيتذكَّر مثلاً في هذا الوقت ضرورة الاتِّصال بشخصٍ معيّن، أو يتبادر إلى ذِهنه، الشُّعور بالجوع و العطش، أوشعوره بأنْ لا نَفع من صلاته، إضافةً إلى شعوره بالكَسَل. كلّ العوائق تدعوني إلى تأجيل موعد صلاتي، وعندما أؤجِّلها، أصْطَدم مجددًا بعائق الوقت، فلا أعود أجد وقتًا للصّلاة مجدًّدا. إنَّ الإنسان الّذي يريد أن يَكون مع الله، سيتمكَّن من تَخطِّي كلّ العوائق. هنا أدعوكم إلى عدم تكريس وقتٍ كبير للربّ كي لا تصطدموا بالكَسل، وبالضَّياع. على المؤمِن أن يُعطي قيمةً للوقت الّذي يَعيشه.
“وبسبب الجمع، لم يستطيعوا الوصول به إلى يسوع، فكَشفوا السَّقف فوق يسوع، ونبشوه. وبعدما نقبوه، دلُّوا السَّرير الّذي كان المخلَّع مُضطَجعًا عليه” (مر2: 4). أمام هذا الـمَشهد، رأى الربُّ إيمانَ هؤلاء الرِّجال. في بعض الأحيان، قد نكون أمام مَشهدٍ واحدٍ ولكنّه قد يَحمل تفسيراتٍ متعدِّدة؛ فعلى سبيل الـمِثال: قد نكون أمام فريقَين، كلُّ فريقٍ مؤلَّفٌ من شَخصَين، فنرى في كلّ فريق أنَّ أحد أعضاء الفريق يضرب زَميله. إنَّ هذا المشهد يَحمل تفسيرَين، فالضَّرب قد يكون لِلتَحَبُّب، كما قد يكون للتعبير عن الغضب. لا أحد يستطيع أن يَعرف نِيَّتنا الكامنة خَلفَ أعمالنا إلّا الربُّ.
إنَّ بعض الأشخاص يَقضون حياتهم في العَمل على إرضاء الآخَرين، نَجِدهم حَذِرين في كلماتهم وأعمالهم وتصرُّفاتهم. على المؤمِن أن يقوم بِعملِه من دون التوقُف عند فَهم الآخَر لهذا العَمل، لأنّه إذا كان الله يَفهم عَملي فمَا همِّي مِن فَهم الآخَر له، فمَن أَعملُ على إرضائه هو الله، لا النَّاس، فَعَملي أقوم به نتيجة حصولي على القوّة من السَّماء.
“ورأى يسوع إيمانهم، قال للمخلَّع: مغفورة لك خطاياك” (مر 2: 5). في هذا المشهد الإنجيليّ، نلاحظ وجود شخصٍ مريضٍ أمام الربِّ يسوع، وآخَرون قد تحمَّلوا كلّ العوائق، من أجل إيصال هذا الرَّجل إلى أمام يسوع، للحصول على الشِّفاء الجسديّ. إخوتي، إنَّ الله ينظر إلى القلوب قَبْل الأجساد، فيَمنح الشِّفاء للنُّفوس قَبْل الأجَسَاد. أنا لستُ بجاحةٍ إلى جَسَدي كي أتقدَّس: لستُ بحاجةٍ إلى رِجليّ ويديّ وعينَيّ كي أتقدَّس، فأنا أستطيع أن أتقدَّس حتّى ولو كان في جَسدي عِطلٌ أو مَرَض. أنا بحاجة إلى قلبي وفِكري كي أتقدَّس. لذلك قال الربُّ للمُخلَّع:”مَغفورةٌ لَكَ خَطاياك”، على الرُّغم من أنّه قادر على شفاء الجسد، لأنّ النَّفس بالنِّسبة إلى الربّ هي أهمُّ من الجسد، فالجسد بعد الموت يُصبح ترابًا، أمّا النَّفس فإلى الحياة الأبديّة.
“مغفورةٌ لك خطاياك” (مر2: 5): إنَّ التذمُّر من هذا الكلام الّذي قاله الربُّ يسوع، جاء مِنَ الّذين يسمعون كلمة الله خارجيًا ولا يسمحون لها بالدُّخول إلى أعماقهم، ألا وَهُم الفريسيُّون. عند سماعهم هذا الكلام، قال الفريسيُّون في قلوبهم: “مَن هذا حتّى يغفر الخطايا؟” وهذا يُعبِّر عن عدم قُدرتهم على مواجهة يسوع وَجهًا لوجه؛ ولكنَّ الربَّ تمكَّن من معرفة أفكارِهم. إنَّ الربَّ قد تمكَّن من معرفة الأفكار الإيجابيّة عند الرِّجال الأربعة الّذين أتوه بالمخلَّع، كما تمكَّن الربُّ من معرفة الأفكار السَّلبيّة عند الفريسيِّين؛ فاللّه يستطيع قراءة القلوب. عندما أقف أمام الله، أسعى في بعض الأحيان إلى تبرير ارتكابي للخطيئة، متناسيًا أنّ الله يَعرف خفايا القلوب، وأنَّه لا يريد أشخاصًا مُصطَنَعِين أمامه، يَدَّعون “وَهْم القداسة” بل أشخاصًا حقيقيِّين، يسعون إلى القداسة. إنَّ عبارة “وَهْم القداسة”، تُشير إلى الأشخاص الّذين يريدون أن يُصبحوا قدِّيسِين على الفَور، مُتَناسِين أنّ القداسة لا تتحقَّق على هذه الأرض، بل في السّماء.
إنَّ الربَّ لا يريد أشخاصًا يَضعون ذواتهم “في الثّلاجة”، أي أنَّهم يقومون برياضة روحيّة للاستفادة من كلمة الله، ولَكن ما إنْ تنتهي الرِّياضة حتّى يعودوا إلى حياتهم اليوميّة كما كانت عليه قَبْل مشارَكتهم في الرِّياضة الرُّوحيّة. إنّ الربَّ يريد أشخاصًا يَضَعون ذواتَهم في “فُرن الرُّوح القُدُس”، فَتُنضِجهم كلمة الله. إنّ الربَّ يسوع قال لأبيه السَّماويّ في ليلة آلامه: “قدِّسهم في الحقّ. إنَّ كلمَتَك حقّ.”في القديم، كان الشَّعب يُقدِّم للربّ ذبيحةً حيوانيّة، يَضَعونها على نارٍ حاميَّة لِشوائها. لتتقدَّسْ كلُّ كلمةٍ فينا أمام كلمة الله، لتتقدَّس كلُّ نُقطةِ ضُعفٍ فينا عَبْرَ وَضعها في حضرة الله، فَيتمَّكن الربُّ من شِفائنا منها.
إنَّ الهَدف من كلام الربّ الّذي وَجَّهه إلى المخلَّع: “مغفورةٌ خطاياك”، عندما عَلِم أفكار الفرِّيسِيين هو القول لهم إنّهم لا يستطيعون رؤية داخل الإنسان إذ إنّهم يَكتَفون بالخارج، وليؤكِّد لهم أنّ ابن الإنسان قادرٌ على الشِّفاء الخارجيّ والدَّاخليّ في الوقت نفسه، لذا أضاف قائلاً للمخلَّع: “لك أقول: قُم احمل فراشَك وامشِ”. إنّ الربَّ يسوع أعطى الفرِّيسِيِّين العلامة الحسيَّة على قُدرته على الشِّفاء الخارجيّ. للأسف، نلاحظ أنَّ بعض المؤمنِين لا يزالون يسعَون وراء الأعاجيب. إنَّ الأعاجيب تكون عادةً للشَّخص غير المؤمِن، إذ إنّ الإنسان المؤمِن يَعلَم أنَّ الله قَدير وبالتّالي لا حاجة لَهُ إلى الأعاجيب. إنّ المؤمِن الّذي يَطلُب الأعاجيب هو قليلُ الإيمان. أعطى الربُّ الفرِّيسِيِّين هذه العلامة لأنّهم لم يؤمنوا بكلمته، حين قال للمخلَّع:”مَغفورةٌ لَكَ خطاياك”.
” لك أقول: قُم واحمل سريرك واذهب إلى بَيتِكَ” (مر 2: 11). إنَّ هذا السَّرير هو الّذي كان يَحمِل المخلَّع حين كان هذا الأخير مَريضًا، أمّا بعد حصوله على الشِّفاء، أصبَح المخلَّع هو الّذي يَحمِلُ السَّرير. في الكثير من الأوقات، نَحملُ همومَنا الّتي تُخلِّعنا، ونَضعها أمام الربِّ. إنّ الربّ يَقلُب المقاييس، إذ يُدخِل نعمتَه إلى القلوب بكافّة الطُرق.
ونحن اليوم، في جماعة “أذكرني في ملكوتك”، نَطرَح السُّؤال: كَم من الأبواب قرعها الربُّ علينا، في وقت المرض أو الموت؟ كَم من الأحيان، شَعر البعض مِنّا إثرَ فقدانه لِعَزيزٍ بالموت، بأنّ العالَم قد انتهى بَالنِّسبة إليه؟ كم مِن الأحيان، شَعرنا بأنَّ الربَّ ظالمٌ؟ كَم مِن الأحيان، شَعرنا بأنَّ لا نَفع لِصلاتنا؟ كَم مِن الأحيان، شَعرنا بأنّه يجب علينا الابتعاد عن الله؟ ولكن، كَم مِنَ الأشخاص تَعَرَّفوا على الله، من خلال فقدانهم لأحبّائهم بالموت، أو من خلال الصّلاة، فأدرَكوا معنى حياتهم. كان السَّرير يَحمل المخلَّع في مَرضِه، ولكن بعد لقاء المخلَّع بِيَسوع، أصبح المخلَّع يحمل سريره، وهذه هي قوَّة الصّلاة. هذا ما يفعله لقاؤنا مع الربّ، إذ يُغيِّر المقاييس.
“حمل المخَّلع سريره، وخرج أمام الجميع فاندهش الجميع ومَجدَّوا الله قائلِين: “ما رأينا مِثل هذا قَطّ” (مر2: 12). إنّ الّذين دُهشوا عند رؤية المخلَّع يحمل سريره، سَبَّحوا الله. نحن نعيش في عالَم الرُّوتِين، بسبب الحَجْر في الـمَنزل، وقد فَقدْنا كلَّ حِسٍّ بالدَّهشة. كان مار شربل يعيش داخل غرفةٍ من أربعة حيطان، وكذلك القدِّيسة تريزيا، وهما لم يكن لديهما لا تلفزيون ولا انْتِرْنَت ولا أيّة وسيلةَ تواصلٍ إجتماعيّ، وما ضَجِرا، ذلك لأنَّهما ما خرجا إلى العالَم الخارجيّ، بل دَخلا إلى أعماق نفسَيهما. إنَّ الإنسان الّذي يجلس مع ذاته ويسمع دقَّات قلبه، يَختَبر حضور الله، وسَيشعُر أنَّ كلَّ لحظة من حياته هي لَحظةٌ جديدة. ولكنَّ الإنسان غير المرتاح مع نفسه، فَسَيجلِسُ أمام التِّلفزيون، ويُقلِّب محطَّات التِّلفاز من دون أن يَجد ما يُعجبه، فينتهي به الأمر إلى الضَّجر. عندما يجلس الإنسان مع ذاته، يَجد أنَّ الله هو راحته، وراحة الربّ لا تعني تدليل الإنسان ولا هي مُخدِّر له أو وَهْم، إنّما هي اختِبار؛ وهذا الاختبار يُشبه يَد الطَّبيب الّتي تمتَّد إلى مكان ألم الـمَريض، لإعطاء العلاج المناسب وحصول المريض على الشِّفاء. لذلك نحن مدعوون على مِثال المخلَّع لأنْ نَضَع أمراضَنا وأوجاعَنا أمام الربَّ لِنَنال الشِّفاء المناسِب لحياتنا.
أتمَّنى لنا جميعًا، نحن المشارِكون في هذه الرِّياضة، أن تكون هذه الرِّياضة الرُّوحيّة انطلاقةً جديدة لنا، فنتمكَّن مِن تَخطِّي كلّ العوائق، فنتخطَّى الوباء والحجر الـمَنزليّ، من خلال وسائل التَّواصل الاجتماعيّ الموجودة بين أيدينا، للاستفادة من كلمة الله. ها نحن نرمي اليوم في هذه الرِّياضة الرُّوحيَّة، الحَبَّ، والربُّ هو الّذي يُنمِّيها في قلوبنا. نحن شارَكنا في هذه الرِّياضة والباقي متروكٌ للّه.
في هذه الذبيحة الإلهيّة، ستتحوَّل القربانة إلى جسد المسيح؛ ولكن أنتم الموجودون في منازلكم، تخالج قلوبكم الرَّغبة والشَّوق إلى لقاء الربّ في القربانة. إنّ الله وحده يعرف رغبتكم وشَوقِكم له، لذلك ستكون هناك صلاة المناولة بالشَّوق. في سرّ المعموديّة، هناك أيضًا ما يُسمَّى معموديّة الشَّوق. فلنَطلب إلى الربّ أن يَملأ رَغباتِ قلوبِنا بحسب مَشيئته. ونصلِّي في هذه الذبيحة، على نِواياكم جميعًا، كي يُعطيكم الربّ ويُعطينا النِّعمة كي نبقى مُجتَمعين باسْمِه. له المجد إلى الأبد. آمين.
ملاحظة: دُوِّنت العظة بأمانةٍ مِن قِبَلِنا.