الرياضة السنويّة 2021 بعنوان: “أخْتَبِئ نحو لُحيظة حتّى يَعبُر الغَضَب” (أش 26: 20)
عبر تطبيق زوم،
الموضوع: “لأنّ الله غير مُجرَّب بالشُّرور، وهو لا يُجرِّب أحدًا” (يع 1: 13)
الأب ابراهيم سعد،
إنّ هذا الموضوع هو موضوعٌ في غاية الحساسيّة، لأنَّ التَّجربة تحمِلُ في طيّاتها عدَّة معانٍ.
في صلاة الأبانا، الّتي علَّمها الربُّ يسوع لتلاميذه في الموعظة على الجبل، نردِّد عبارة: “لا تُدخِلْنا في التَّجربة” (متى 6: 13). إنَّ التَّجربة نوعان: الأولى هي الضِّيقات والأحزان والشِّدة والضَّغط، الّتي يتعرَّض لها الإنسان في حياته، والّـتي قد تؤدِّي إلى توتُّر علاقته بالربّ. إنّ الهدف من التَّجربة هي قطع العلاقة، قطع الصِّلة، قطع الاتِّصال بين الإنسان وربِّه. لذلك، مِن غير الممكن أن يكون الله هو الـمُجرِّب لأنّ الله قد خَلق الإنسان وسَعى إلى توفير كلّ شيء له ليَكون هذا الأخير في أفضل حالاته، ولم يتردَّد الله في إرسال ابنه الوحيد يسوع من أجل خلاص الإنسان فمات الربّ على الصَّليب، كاشفًا بِذلك عظمة حبِّه للإنسان. وبالتّالي، لا يمكن للّه أن يقوم بِعَملٍ يؤدِّي بالإنسان إلى قَطع العلاقة معه.
إذًا، التَّجربة لَيسَت مِن صُنع الله، وهي أَمرٌ سلبيِّ ونتيجتُه سلبيّة، ولذا ننسبها إلى الشَّيطان. واستنادًا إلى الكِتاب المقدَّس، الـمُجرِّب الحقيقيّ للإنسان هو الشَّيطان. إنّ هدف الشَّيطان هو إبعاد الإنسان عن الله، من خلال دَفعِ المؤمِن إلى الوقوف في اليوم الأخير أمام الله القاضي الدَّيان الجالس على العرش، كَمُتَّهم بسبب خيانته للعهد وتمرُّده على الله. إنَّ الله لا يُجرِّب الإنسان، فالله هو فاحصُ الكِلى والقلوب، وهو يَعلم خفايا الإنسان كُلِّها، وبالتّالي ليس بحاجةٍ إلى امتحان الإنسان، ولكن هذا لا يعني أنَّ الإنسان مُسيَّرٌ بل هو مُخيَّرٌ وهو الّذي يختار موقفه من الربّ.
إنَّ التَّجربة الناتجة عن الضِّيق والأزمات، قد اختبرها أيُّوب الصِّديق، ويُخبرنا الكِتاب المقدَّس عن تحدِّي الشَّيطان لله في شأنِ أيُّوب، إذ كان الشَّيطان يدَّعي على أُيُّوب أمام الله، فِبَحسب الشَّيطان أيُّوب يتبَع الربَّ لأنّ حياته مليئةٌ بالنِّعم، ولكنْ مَتى فقَدها سيُترُك الله. لذا، سَمَح الله للشَّيطان أن يَمتَحن أيُّوب لأنّه كان متأكِّدًا من موقفِ أيُّوب، الّذي لن يترك الله مهما اشتَّدت عليه الأزمات. إذًا، التَّجربة إمّا أن تكون مِن الشَّيطان للإنسان، وإمّا أن تكون مِن الإنسان لله، وبالتّالي ليس الله مَن يُجرِّب الإنسان. وهذا ما يؤكِّده لنا العَهد القديم،
فإنَّ الشَّعب اليَهوديّ الّذي خلَّصه الربُّ من العبوديّة في أرضِ مِصر، عانى في أثناء مسيرته في الصَّحراء، من الجوع والعَطش. لذا، لَجأ الشَّعب إلى ابتزار الله مُطالبًا إيّاه بِتَأمين كُلِّ احتياجاتهم ورغباتهم وإلّا ابتَعدوا عنه وعادوا إلى فِرعون. ونحن أيضًا على مِثال هذا الشَّعب نلجأ في بعض الأحيان، في صلواتنا، إلى ابتزاز الله مطالبين إيّاه بتحقيق رغباتنا الأرضيّة وإلّا ابتَعدنا عنه. إنَّ لُجوءَ الإنسان إلى ابتزاز الله يُعبِّر عن رَغبة الإنسان في قَطع العلاقة مع الربّ. وهذه هي إحدى التَّجارب الّتي يتعرَّض لها الإنسان المؤمِن.
“لا يَقل أحد إذا جُرِّب: إنِّي أُجرَّب مِن قِبَل الله، لأنّ الله غير مُجرَّب بالشُّرور، وهو لا يُجرِّب أحدًا”(يع 1: 13): إنّ هذه الآية تُلقي الضَّوء على أمرَين أساسِيَّين هما: أوَّلاً: إنّ الله لا يُجرَّب بالشَّرور، وهذا يعني أنَّ الله لا يساوم مع الشَّر، وبالتّالي، لا يستطيع الشَّر هزيمة الربّ؛ ثانيًا: إنّ الله لا يُجرِّب أحدًا، وهذا يُشير إلى أنّ الإنسان هو الَّذي يَخضع للتَّجربة من الشِّرير، مَتى انجَدَب إلى الشَّهوات الأرضيّة. في هذه الآية، التَّجربة تُشير إلى وقوع الإنسان في الخطيئة، لا إلى تعرُّضه للضِّيقات والشَّدائد. إنَّ عبارة “خطيئة” تعني سَير الإنسان في الطَّريق الخطأ. إنَّ التَّجربة تقوم على مواجهة الإنسان تَحدّي البقاء مع الله رَغم صعوبات الحياة: فإذا قادته صعوبات الحياة إلى الابتعاد عن الله، يَكون قَد وَقع الإنسان في الخطيئة، ولكنْ إذا بَقيَ ثابتًا في الربَّ على الرَّغم من كلِّ شيء، يكون قد انتَصر على التَّجربة.
لذلك يقول لنا القدِّيس يَعقوب في رسالته: “إنَّ الشَّهوة إذا حَبِلَت، تلِد خطيئة، والخطيئة إذا كَمِلَت تُنتِج موتًا. لا تَضِّلوا يا إخوتي الأحبّاء” (يع 1: 15-16). مِن خلال هذا الكلام، أراد الرَّسول أن يقول لنا إنّ التَّجربة ليستَ عَملاً إلهيًّا، فالضِّيقات الّتي تُصيب الإنسان هي مِن صُنعِ إنسان آخَر. وإليكم مِثالٌ على ذلك: إذا تعرَّض الإنسان إلى اضطهادٍ أو ظُلمٍ، فذلك يكون بسبب وجود إنسان آخر مُضطَهد لأخيه أو ظالمٍ له؛ فإنَّ كُلَّ ضيقٍ يكون سببه إنسانًا آخر، مجموعةً كانت أم فَردًا. إنّ كلَّ خطيئة سببُها ليس الله، بل فِكرةٌ أو صورةٌ أو تخيُّلٌ في داخل الإنسان، أو إغراء أو رشوةٌ.
إنّ الشّيطان يُشبه إنسانًا لديه دُكّان، واجهته في غاية الجَمال، تَدعو الرّائي لها إلى الدُّخول إليه لإلقاء نَظرةٍ على موجوداته. إنّ الشَّيطان لا يُجبر الإنسان على شيء ولا يَضغط عليه إنّما يلجأ إلى إغرائه. فعندما يَدخل المؤمِن إلى هذا الدُّكان، يكون قد تعرَّض للتَّجربة، ولكن إذ خرجَ منه من دون أن يشتري منه شيئًا، فهذا يعني أنَّه انتصَر على التَّجربة ولَم يرتَكِب خطيئة؛ أمّا إذا اشترى من بِضاعة الشِّرير فهذا يعني أنّه وقع في الخَطيئة، عندما تعرَّض للتَّجربة.
إذًا، لا علاقة لله في التَّجارب الّتي يتعرَّض لها الإنسان، فالأمر متعلِّق بانجذاب الإنسان إلى إغراءات الشَّيطان. في القديم، قد امتَحن الله مرَّةً أيُّوب الصِّديق، ولكنَّه لم يُكرِّر هذا الأمر مُجدَّدًا. تمامًا كما فَعل الله في الطُّوفان مع نوح، فالله لَم يُكرِّر الأمر مُجدَّدًا، فتَكرار الطُّوفان كان لِيَدُلَّ على فَشل الله في خلق بشريّة صالحة، والله ليس كَذَلِك.
إنّ انجذاب الإنسان للشَّهوة الأرضيّة، تشكِّل التَّجربة الّتي يتعرَّض لها الإنسان، وهي مَن قَصَدها الربُّ في صلاة الأبانا، حين علَّم تلاميذه أن يتوجَّهوا إلى الله الآب بالقول:”لا تُدخِلنا في التَّجربة” (متى 6: 13). في هذه العِبارة، يتوسَّل المؤمِن إلى الله بِعَدم السَّماح بأن يَقِف المؤمِن أمامه كَمُتَّهم في اليوم الأخير حين يجلس الله على عرشِه السَّماويّ ليَدين البشريّة. عندما أورَدَ الإنجيليّ هذه العبارة في نصّ الأبانا، استخدم عبارة “تَجربة”، في صِيغة الـمُفرَد لا في صِيغَة الجَمع، وهذا يعني أنَّ التَّجربة الحقيقيّة الّتي يتعرَّض لها الإنسان لا تقوم على تناوله طعامًا معيَّنًا في الصَّوم أو الامتناع عنه، بل تعني ارتكابه الخطيئة الّتي تؤدِّي إلى قَطع علاقته بالربّ. يُخبرنا سِفر التَّكوين عن آدم الّذي كان يعيش في النَّعيم قَبْل لقائه بالحيَّة أي إبليس والخضوع لإغراءاتها. فالحيّة زَرَعت في فِكرِ آدم أفكارًا شريرةً، فَتَبنَّاها فوقَع في الخَطيئة.
في حياتنا الرُّوحيّة، نتعرَّض، كمؤمِنِين، للتَّجارب، الّـتي قد تكون واضحةً ومباشرةً، كما قد تكون غير واضحةٍ وغير مباشرة. في بعض الأحيان، إنَّ موهَبَةَ الإنسان تتحوَّل إلى تَجربة، بسبب تفسير الإنسان لها، أو بسبب تفسير آخَرين لها: فالموهبة تؤدِّي إلى مَديح الإنسان الموهوب، ممّا قد يولِّد عنده شعورًا بالكِبرياء، فيتكبَّر على إخوته بسبب موهبته هذه، إذ يُعطي لِذاته حَقَّ الحُكم على الآخَرين، ممّا يؤدِّي إلى قَطع العلاقة بينه وبينهم. إخوتي، إنَّ الله لَم يتخلَّ عن عرشِه ولم يُسلِّم صلاحيّته في إدانة الآخَرين لأحدٍ من البشر، ولذا فإنَّ حُكمنا على الآخَرين يشكِّل احتلالاً لأرضِ الله، الّتي هي الآخَر، وبالتّالي يتحوَّل موقفنا إلى موقفٍ شيطانيّ.
إذًا، إنّ المواهب الّتي أفاضها الله علينا، إضافةً إلى كلّ الايجابيّات الّتي نَملِكها مِن سلطة ومال وجمال، قد تتحوَّل إلى تجارب، الّتي قد تقود الإنسان إذا انصاع لها، إلى وقوعه في الخَطيئة. على المؤمِن أنْ يسعى إلى إجهاض حَبَل الشَّهوة، كي لا يَقع في الخَطيئة. إنّ إجهاض الشَّهوة يكون بالعودة مباشرةً إلى كلمة الله، وبالتَّوجُه إلى حِضن الله من خلال التَّوبة، فيتمكَّنَ الإنسان من الحصول، من جديد، على حماية الله ورَحمته. إنَّ الله رَحيمٌ والرَّحمة هي صِفةٌ أُنثويّة، مشتَّقة من الرَّحم، الّذي يُعطي الحياة ويُحافِظُ عليها. وبالتّالي، إنَّ الرّحمة هي وجود الإنسان داخل الرَّحِم، حيث إمكانيّة الحياة متاحةٌ، أي إمكانيّة ولادة حياةٍ جديدة.
إذًا، على المؤمِن أن يُحارب هذه التَّجربة لئّلا تنقطِع الصِّلة بينَه وبين الله، فَيَبقى في رَحمة الله، أي في أحشائه، في رَحمِه، فيعيش المؤمِن حياةً طبيعيَّة وصَحيحة. وبالتّالي، عندما يقول لنا الرَّسول يَعقوب: “الشّهوة إذا حَبِلت تُولِّد خَطيئة” (يع 1: 15)، فهو يستخدم عبارات مِثل الحَبَل والولادة، والحَبل كما هو مَعروف ليس ولَيد السَّاعة، بل هو يستمرُّ لفترةٍ من الزَّمن وهي تِسعةَ أشهرٍ؛ كذلك الشَّهوة إذا وُلِدت في قلب الإنسان لا تكون وليدة اللَّحظة الآنيَّة، بل هي وليدة أفكارٍ تعشَّشت في فِكر الإنسان، فانجذب هذا الأخير إليها، فطوَّرها ممّا أدَّى إلى وقوعه في الخَطيئة، وبالتّالي إلى أذيّة الإنسان ذاته.
في هذا الإطار، يَنَصَحُنا الآباء الرُّوحيِّون بالتَّعلم من الشَّيطان أمرًا واحدًا وهو الجِهاد، وعدم الكَسَل، فالشِّرير لا يتعَب ولا يَكِّلُ من العَمل حتّى يوقِعنا في الخَطيئة، كذلك نحن علينا السَّهر على نفوسِنا من خلال المحافظة على صِلَتِنا بالله من خلال المثابرة على قراءة كلمة الله المقدَّسة، والمثابرة على الصّلاة والقراءات الرُّوحيّة، والمثابرة على طَلبِ الإرشاد الرُّوحيّ، ومحبَّة الإخوة، مع فِعل الصَّدقة والعطاء وعَمل الخِدمة، فكلّ هذه الأمور تُحَصِّننا ضدَّ كلّ تجربة وتَحمينا منها متَى واجَهَتنا، فلا تُغرينا كلُّ بضاعة الشِّرير.
في الحياة الرُّوحيّة، نوعان من الشَّهوات: الشَّهوات الضّارة، والشَّهوات غير الضّارة. وإليكم مِثالٌ عنهما: الجوع هو شهوةٌ غير ضارّة، أمّا الشَّراهة فهي شهوة ضارَّة. إنَّ الغضب هو شهوة ضارّة، لأنَّ كُلَّ غَضَبٍ يولِّد أذيّة، إمّا في الفِكر أو في الكلمة أو في الفِعل. فإذا تعرَّض الإنسان بالأذيّة للآخَر، يكون قد قطعَ علاقته بالله، لأنَّ الله تماهى مع الإنسان الآخر الّذي يواجه المؤمِن في حياته اليوميّة. عندما يقول الله لنا: “إن غَفرتُم للنَّاس خطاياهم، يغفر لَكم أبوكم السَّماويّ خطاياكم. وإنْ لم تَغفروا للآخَرين خطاياهم فأبوكم السَّماويّ لن يَغفر لكم زلّاتكم”(متى 6: 14)، فهذا يعني أنّ علاقة الإنسان بالله مبنيَّة على تصرُّف الإنسان مع الآخَر.
إنَّ أكبر التَّجارب الّتي يتعرَّض لها الإنسان هي نَظرَته إلى الآخَر. لذا على الإنسان أن يُزخِّم نفسه بالمحبّة للآخَرين والقدرة على المسامحة والغفران لهم. إنّ المسامحة والتَّواضع هما زينَتا الفضائل، لأنَّ الإنسان المتواضع يستطيع مسامحة الآخَرين. إنَّ المسامحة والتواضع هما حِصنان كبيران، إذا تمسَّك بِهما الإنسان حصَّن ذاته من أيِّ تدخُّلٍ خارجيّ يهدف إلى إيقاعه في الشَّهوة والتَّجربة. إنّ الله أمامك، وهو ينتظر مجيئك إليه، لأنّه يريد أن يُعطيك الحياة، ويُرشِدك بكلمته المقدَّسة وروحه القدُّوس. للأسف، في الكثير من الأوقات، نلجأ إلى تسخيف التَّجربة الّتي نتعرَّض لها، وذلك بِهَدَف إبعاد المسؤوليّة عنّا وإلقائها على الآخَرين.
لذلك، يكون الشَّيطان بالنِّسبة إلى الإنسان الّذي وَقع في التَّجربة، المسؤول الوحيد عن خطيئته. بعدما ارتَكَب خطيئته، سارع آدم إلى إخبار الله أنّ المسؤول عن وقوعه في الخطيئة هي حوّاء، المرأة الّتي مَنَحه الله إيّاها. إنَّ عدم تحمّل الإنسان مسؤوليّته في الأعمال الّتي يقوم بها، تَجعله خاضعًا للعبوديّة من جديد. إنّ الإنسان الّذي يتحمَّل مسؤوليّة أعماله هو إنسانٌ حُرٌّ لأنّ قراره يَنبع من ذاته؛ أمّا الإنسان العَبد فهو يُنفِّذ أوامر سيِّده، لذا هو لا يتحمَّل مسؤوليّة ما يقوم به. في هذا الإطار، يقول لنا بولس الرَّسول إنّنا “مُحرَّرون” لا أحرار، وهذا يعني أنّ الله هو الّذي حرَّرنا من خطيئتنا، ولذلك أصبَحنا أحرارًا.
إنّ الله قد دَفع ثَمن عبوديّتنا على الصّليب، فتمكَّن من شرائنا من أيدي الشِّرير، ثمَّ أعاد لنا حرَّيتنا، وبالتّالي أصبحنا مسؤولِين عن أعمالِنا، لذا علينا التصرُّف كأحرار لا كَعبيد. في سرّ الاعتراف، نلاحظ أنّ بعض المؤمنِين يَعمدون إلى تبرير خطاياهم، عند اعترافهم بها، مُلقِين المسؤوليّة على الآخَرين. إنّ أساس الغضب موجودٌ في ذاكرة الإنسان وقلبه وذِهنه.
إذًا، التَّجربة هي دائمًا أمرٌ سلبيّ، ولا يحتاج الله إلى امتحانِ الإنسان، كي يَعلم موقِفَ هذا الأخير منه، فالله يرى الإنسان إذ إنّه “فاحص الكِلى والقلوب”، وهو يعرف ضُعفَ كلَّ إنسان. لذلك هو يتعامل مع البشر، كما يتعامل الرّاعي مع قطيعه، فالربُّ قد عرَّف عن نفسه للمؤمنِين بالقول: “أنا الراعي الصّالح، أعرف خرافي وخرافي تَعرفني” (يو 10: 15).
إنّ الراعي يسمّي نِعاجه كلٌّ بحسب ضُعفها، فينادي هذه النّعجة بالعرجاء وأخرى بالطرشاء، ويتعامل مع كلِّ واحدةٍ منها بحسب ضُعفها، لا كقاضٍ قاسٍ، يتعامل معها كأبٍ رحيم؛ فرَحمة الله للبشر، تَجعل هؤلاء، مَتى أدرَكوا رَحمة الله لهم، محميِّين من كلّ تجربةٍ. إنّ كُلّ عطيّة صالحة، هي نازلةٌ من عند أبي الأنوار، الّذي لا تغيير فيه، شاءَ فوَلَدنا بكلمة الحقّ، كي نكونَ باكورة خلائقه.
ملاحظة: دُوِّنت المحاضرة بأمانةٍ مِن قِبَلِنا.