الرياضة السنويّة 2022 بعنوان: “وأخذ يَسير معهما” (لو 15:24)
عبر تطبيق زوم،
“وأخذ يسير معهما” (لو 15:24)
الخوري جوزف سلوم،
بِفَرح الرُّوح، نلتقي معًا مجدًّداً بعد غيبة طويلة. وكما كان الرُّسل يطمئنّون على بعضهم البعض، كذلك نحن نطمئنّ على بعضنا البعض. بغمرة الرُّوح الّذي يملأنا ويجعلنا عائلة واحدة وكنيسة واحدة، نجتمع من جديد بقلبٍ واحد وروحٍ واحد.
إنَّ حديثي اليوم سيكون مِن وَحي السينودس ومِن وَحي مسيرة الكنيسة: “وأخذَ يسير معهما” (لو 24: 15) أو “نسير معًا”. أمام الصَّدمة الكبيرة الّتي حَدَثَت، صدمة موت يسوع، قال التلاميذ “كنَّا نرجو أن يكون”، إذ كانوا يَرَون فيه “رَجُلًا مُقتِدرًا أمام الله والنَّاس”، غير أنّهم تفاجأوا لـمَّا شاهدوه يُسلَّم إلى الموت من دون أن يسعى إلى القيام بشيءٍ يَحُول دون موته. إخوتي، نحن اليوم أيضًا، نعيش على مِثال هذه الصَّدمة، صدماتٍ عدَّة في مختلف مراحل حياتنا: ألا نعيش اليوم في أيّامنا هذه، صَدماتٍ على المستوى الاقتصاديّ، وعلى المستوى الوبائيّ الصحيّ، وعلى مستوى هجرة الشَّباب؟!! كم مِن الآم نراها اليوم: إذ يَغمر قلوب النَّاس حزنٌ عميقٌ وآلامٌ موجعة على مستوى حياتهم الدَّاخليّة! إذًا، نحن اليوم محاصَرون بهذه الجِراح الكبيرة الّتي تملأ قلوب النَّاس. وهنا يُطرَح السُّؤال: ما الّذي سنَفعله أمام هذا الواقع الّذي نعيشه؟ هل سنهرب كما حاول أن يفعل هذان التّلميذان حين قرَّرا العودة إلى قريتِهما “عمَّاوس”؟ كم من النَّاس قد تركوا الربّ والكنيسة فابتَعدوا عنهما! منذ قليلٍ، كان لي لقاءٌ مع إحدى السَّيِّدات الّتي عبَّرت عن خيبةِ أملِها بالربّ، إذ قالت: “لديَّ عتبٌ على يسوع، وأنا مستاءةٌ منه وأشعر بالحزن الكبير، لأنِّي أشعر أنّه لا يُجيب عن سؤالي: أين أنتَ يا ربّ، في ظلّ ما نعيشه؟”. إنّ ما عبَّرت عنه هذه السَّيدة قد اختَبَره الرُّسل كما قد يكون العديد منّا اليوم قد عاشوا الاختبار نفسه.
في قلب مسيرة حزننا وعلى إيقاعاته، يأتي يسوع ليَسير معنا كما فَعل مع تِلميذَي عمّاوس، إذا يقول لنا هذا النَّص الإنجيليّ “وأخذ يسير معهما” (لو 24: 15). إنّ الربَّ يُصغي إلينا ويسير معنا في الدَّرب الّتي نمشي فيها، يسير معنا على وَقِع أقدامِنا ومعاناتِنا. إنَّ الربّ يقوم بهذه المسيرة مع كلّ واحدٍ منّا على المستوى الفرديّ، كما يقوم بها مع الكنيسة على المستوى الجماعيّ.
عندما يُصاب بخيبة أملٍ أو بِحُزنٍ عميق، يُصبح الإنسان نتيجة الصَّدمة الّتي تعرَّض لها في حالةٍ من الشَّلل، أي أنّه نتيجة هذا الحزن أو خيبة الأمل يشعر بعدم قدرته على القيام بأيّ شيءٍ تمامًا كما كانت حالة المخلَّع الّذي يُكلِّمنا عليه إنجيل اليوم في الكنيسة المارونيّة. كان هذا المخلَّع جالِسًا في بيته لأنّه يشعر بعجزه، فهو غير قادرٍ على القيام بأيّ شيءٍ. إخوتي، علينا ألّا نكون مِثل المخلَّع إنّما مِثل هذه الجماعة المؤلَّفة من الرِّجال الأربعة الّتي حَملَت المخلَّع وأتَتْ به إلى الربّ. إنّ هؤلاء الرِّجال الأربعة يرمزون إلى الكنيسة، وهذا هو الدَّور الّذي علينا القيام به، عند رؤيتنا لأوجاع النَّاس.
“نَظَر يسوع إلى إيمانهم”: إنّ هؤلاء الرِّجال الأربعة قد حَمَلوا الـمُخلَّع وأتوا به إلى يسوع. هذا هو الإيمان الّذي علينا التحلِّي به. إخوتي، إنّ الإيمان لا يكون أبدًا من دون مشاكل: أن أكون مؤمِنًا فهذا لا يعني أنَّ حياتي ستكون على ما يُرام، فأعيش في صحةٍ جيِّدة وبحبوحة. فَفي قلب مسيرتي على هذه الأرض واختباري للإيمان، سأُواجِه تحدِّيات، غير أنّ وجود جماعةٍ مؤمنةٍ بالقرب منِّي، يساهم في مساعدتي على تخطِّيها؛ تمامًا كما حَدَثَ مع هذا المخلَّع، إذ ساعدته هذه الجماعة المؤلَّفة من الرِّجال الأربعة على تَخطّي عجزه إذ ساعدته على الوصول إلى الربّ، إذ حَملوه ودلُّوه من السَّقف. إنّ الربَّ يسوع قد دُهِش يإيمان هؤلاء الرِّجال فحقَّق الشِّفاء للمخلَّع. إنّ هؤلاء الرِّجال الأربعة قاموا بمسيرةٍ مع هذا المخلَّع المتألِّم، وهذا ما هي مدعوَّة إليه كنيستُنا: أن تسير إلى جانب المتألِمِين والموجوعين والمكسورين. وهنا يُطرَح السُّؤال: ما فائدة السِّينودس الّذي سيُقام في تشرين الأول 2023؟ هل الكنيسة ذاهبةٌ إلى هذا السِّينودس لتأليف نصوص؟ أقول لكم إنّ المؤمنِين أصابهم الـمَلل من سماعهم للكلمات والشِّعارات وهم يطمحون إلى رؤيةِ نَمَطٍ جديدٍ في الكنيسة، إلى إعادة صياغة، إلى عودةٍ إلى جذور الإنجيل. وهذا هو الهدف من السِّينودس. لقد أعلن قداسة البابا فرنسيس الجمعيّة العامَّة السّادسة عشرة لسينودس الأساقفة الّذي سيُعقَد في تشرين الأوَّل 2023، وقد أطلق عليه العنوان التّالي: “مِن أجل كنيسةٍ سينودسيّةٍ: شَرِكة وشراكة ورسالة”. لا أريد إخوتي الاستفاضة في شرح هذا العنوان ولكن أريد فقط أن أقول لكم إنّ هدف البابا من هذا السّينودس هو كيفيّة جعل حضور الربّ يسوع في قلب الكنيسة فاعلاً والسّير معه، فنكون في معيّة مع الله من جهة ومَعيّة مع الآخَر من جهةٍ أُخرى. إخوتي، أن أكون في معيّة الله، فهذا يعني أنّ الله يسير معي وبالتّالي أنا لستُ وحيدًا في هذه المسيرة الّتي أقوم بها في هذه الحياة. وأن أكون في معيّة الآخَر أي مع إخوتي البَشر فهذا لا يعني فقط أن نحمل بعضنا البعض إنّما أن نسير أيضًا جنبًا إلى جنبٍ مع الآخَرين، وهذا هو دَورُنا. في الكثير من الأحيان، للأسف، لا نسير “جَنْبًا إلى جنب” إذ يَسير كُلُّ واحدٍ منّا منفرِدًا، وهذا أمرٌ خاطئٌ تمامًا. إخوتي، على كلّ واحدٍ منّا أن يُصغي من جديد إلى الرُّوح القدس فيُدرِك ما الّذي يريد الرُّوح أن يُكلِّم به الكنائس، وما الّذي يريده الرُّوح منّا كي نتجدَّد ونسير مجدَّدًا في الطّريق إلى جانب بعضنا البعض.
إنّ كلمة “سينودس” تعني السَّير معًا. وهذه الكلمة مُتَّخذةٌ مِن اللُّغة اللّاتينيّة وأيضًا من اللُّغة اليونانيّة. إنَّ تاريخ الكنيسة مليءٌ بالسِّينودسات؛ ولكن أوَّل سينودس في التَّاريخ الحديث للكنيسة كان في 15 أيلول 1965، مع قداسة البابا بولس السّادس في الـمَجمَع الفاتيكاني الثاني حيث انطلقَتْ فِكرة “السَّير معًا”. ثمَّ انبثق عن هذا الـمَجمع 3 أنواع مِن السِّينودسات:
- الجمعيّة العامَّة: هي على مِثال هذه الجمعيّة الّتي دعا إليها البابا فرنسيس اليوم، وصار عددها 16، وهذه تُسمَّى الجمعيّة العاديّة العامَّة.
- الجمعيّة العامَّة الاستثنائيّة: فِيها يُعالِج المجتمعون موضوعًا طارئًا.
- الجمعيّة الخاصّة من أجل بلدٍ معيَّن: تمامًا كما حَدَث مع لبنان إذ أُقيم له سينودسًا خاصًّا به.
- في قلب هذه المسيرة، أي في الجمعيّة العامَّة الّتي دعا إليها البابا فرنسيس، يحثُّنا قداسته إلى التّفكير معًا، وذلك على 3 مراحل:
- المرحلة الأولى: بدأتْ في 9 تشرين الأوَّل 2021 وتستمرّ إلى 15 آب 2022: في هذه المرحلة، يطرح علينا قداسته سؤالاً كبيرًا مُقسَّمًا إلى 10 محاور داعيًا إيّانا إلى التفكير فيها من خلال الإصغاء إلى بعضنا البعض والتَّشاور فيها. إنّ المرَّة الأولى الّتي يقول فيها البابا إنّ هذه الأسئلة الّتي وُضِعت من قِبل الأساقفة والكهنة، لا تبتغي سماع أجوبتنا قَبل إعطائنا الإجابات الصَّحيحة من الكهنة، فهذه الأسئلة مطروحةٌ كي تتمكَّن الكنيسة كَكُلّ مِن سماع آراء الجميع في المسائل المطروحة. وبالتّالي، فإنَّ هذه المحاور الّتي وَضعَتْها الكنيسة تُشكلِّ فرصةً لنا للتَّعبير بكلّ جرأةٍ وحريّةٍ ومحبّة عن الأمور الّتي نراها في كنيستنا. لذا لا تخافوا من التعبير بطريقة نبويّةٍ عن الحقيقة الّـتي تَرَونها في الكنيسة، لا تخافوا من التعبير عن كلّ ما يُزعجكم في الكنيسة. إذًا، هذه المرحلة هي مرحلةُ إصغاءٍ ومرحلةُ حوارٍ، مرحلة مشاورات، مَرحلة “ماذا يقول المؤمِنون؟”.
- المرحلة الثانية: في هذه المرحلة سيكون هناك سبع لقاءات على صعيد القارّات السّبع، أي على مستوى العالَم بأكملِه، وهذه اللِّقاءات ستتمّ بعد 15 آب، أي بعد انتهاء المرحلة الأولى. في هذه اللِّقاءات السَّبع ستتمّ مناقشة كلّ الأفكار الّتي صَدَرت عن المؤمنِين.
- المرحلة الثالثة: ستتم في حزيران 2023، في روما، حيثُ سيجتمع الأساقفة للتصويت على كلّ الأفكار الّتي صَدرَت عن المؤمنِين.
إخوتي، أريد التوقُّف عند فِكرَتين سيُعالِجهما هذا السِّينودس:
- هويّة الكنيسة: ما هو مفهومي للكنيسة؟ مَن هي الكنيسة: هل هي حجارةٌ أو مؤسَّسةٌ؟! هل الكنيسة هي طائفةٌ، إذ نقول نحن كاثوليك أو أورثوذكس؟ هل الكنيسة هي حقًّا “شعب الله” في مفهومنا اليوم ؟ هل الكنيسة تَعكِسُ حضور الله في قلب هذا العالَم، هل تعكس الحُبّ في قلب العالم؟ هل الكنيسة تسير فِعلاً نحو ملكوت الله؟ هل هي حقًّا شراكةٌ بين الثّالوث الأقدس: الآب والابن والرُّوح القدس؟ هل نعيش انطلاقًا من هذا المفهوم للكنيسة؟ هل تقوم الكنيسة فقط على الكهنة والأساقفة أم أنّ الكنيسة تقوم على “الرئتَين”: الإكليروس والمكرَّسين من جهة، والعِلمانيِّين من جهة أُخرى؟ كيف يمكن للمكرَّسين والإكليروس والعِلمانيِّين أن يتعاونوا معًا؟ إخوتي، على الكنيسة أن تعيش في قلب هذا العالَم كي تَحمل إليه الخلاص.
- رسالة الكنيسة: هل يحقّ للكنيسة أن تتعاطى في السِّياسة؟ ها هي الانتخابات على الأبواب! هل يحقّ للكنيسة أن تتكلَّم على التربية؟ ما هدفها من فَتح مدارس؟ ما هدفها من فَتِح مستشفيات؟ هل تتعاطى الكنيسة الشَّأن الاقتصادي؟ هل مِن واجب الكنيسة الدِّفاع عن حقوق النَّاس، أم عليها الاكتفاء بالزَّياحات وبالصّلوات والقداديس؟ ما هي مسؤوليّة كنيستنا في قلب عالَمِنا؟
من هذا المنطلق، أقول لكم إنَّ الكنيسة تتعاطى في كلّ الأمور لأنّها حاضرةٌ في قلب العالَم، إذ عليها مسؤوليّةٌ كبيرةٌ وهي أن تحمِل الإنجيل، تحمل البشرى، تَحمِلَ التجدّد إلى قلب العالَم. إنّ الرُّوح القدس هو الّذي يُجدِّد الكنيسة والعالَم: فهو الّذي يُجدِّدنا على المستوى الشَّخصيّ أي كأفراد، وعلى مستوى الهيكليّات في الكنيسة أيضًا. في قلب المسيرة الّتي نقوم بها في الكنيسة، علينا أن نسعى إلى السَّير معًا، من خلال: أوّلاً: تحديد سُلَّم أولويّاتنا وأهدافنا، فنَطرح السُّؤال على ذواتنا: هل نموُّنا في المسيح هو في أساس هذه المسيرة الّتي نقوم بها؟ ثانيًا، من خلال تحديد الصُّعوبات الّتي تواجهنا والتّي تعيقنا عن السَّير معًا، فنَطرح السّؤال على ذواتنا: كيف نستطيع أن نسير في قلبٍ واحدٍ وروحٍ واحد، ونتعاون لمواجهة كلّ معضلات مجتمعنا اليوم؟
إنّها لمسؤوليّةٌ كبيرةٌ ملقاةٌ على عاتقنا، لذا علينا البدء بالعمل انطلاقًا من روحيّة جديدة، هي روحيّة الـمَعيّة، أي أن نعمل معًا. إخوتي، لا يستطيع أحدٌ في الكنيسة أن يعمل بمفردِه، لا الكهنة والأساقفة، ولا العِلمانيِّين، إذ لكلِّ واحدٍ موهبةٌ عليه أن يوظِّفها في خِدمة الآخَرين في الكنيسة. على كل واحدٍ منّا أن يعترف بأنّ لديه دُورٌ يقوم به في الكنيسة، الّذي مِن خلاله يستطيع إحداثَ تغييرٍ في الكنيسة.
من هذا المنطلق، أدعوكم إخوتي، إلى التَّفكير في كيفيّة تحقيق كلّ واحدٍ منّا هذه المسيرة في الكنيسة، مَسيرة الانفتاح والتجدُّد. إذًا، إنّ السُّؤال المطروح هو كيف ستتجدَّد كنيستنا بعد هذا السِّينودس؟ هل ستبقى على حالها، أي هل ستُحافِظ على النِّظام المتَّبع فيها والّذي اعتَدنا على رؤيته فيها؟ أم أنّها ستَعمل على تجديد ذاتها وإدخال تغييرات في نظامها، نتيجة إصغائها إلى الرُّوح القدس؟ إخوتي، انظروا إلى شبيبتنا اليوم: أين هُم؟ لماذا ابتَعدوا عن الكنيسة؟ ألا تستطيع الكنيسة أن تتكلَّم لغةً جديدة هي لُغةُ الشَّباب؟ انظروا إلى الّذين عاشوا حياتهم في الـمَهجر، وتَعبوا لتأمين مستقبلهم في الخارج: ألا تستطيع الكنيسة أن تَقف إلى جانب هؤلاء أيضًا، خصوصًا في ظلّ هذه الشَّدائد الّتي نمرُّ بها على صعيد الوطن؟ هل باستطاعة الكنيسة أن تُصغي من جديد إلى الرّوح القدس الّذي سيَعمل فيها ليُجدِّدها ويساعدها على متابعة مسيرتها؟
انطلاقًا من هذا الكلام، أودُّ القول إنّه على الكنيسة أن تَصل إلى فِئتَين من النَّاس خلال هذه المسيرة الّتي تقوم بها، لأنّ لهما دَورٌ مهمٌّ فيها؛ وهاتان الفئتان هما: الشّباب والمرأة. على الكنيسة أن تُشرِك هاتين الفئتَين من النَّاس في مراكز صُنع القرار فيها.
فالكنيسة تحتاج إلى دَمٍ جديد يُضَخُّ فيها من خلال الشَّباب، فبِلا شبيبة تُصبح كنيستنا كنيسة هَرِمة وعجوز، كما أنّ عُنصر الشَّباب قادرٌ على إدخال ديناميكيّة إلى عمل الكنيسة، الّتي يشكو المؤمنون فيها من البُطء في العمل. إضافةً إلى الشَّباب، على الكنيسة أن تُعطي دَورًا للمرأة، فالمرأة تحرس الحياة وتَضع جوًّا من السّلام بحضورها. قد يقول البعض ما بالُ الكنيسة مهتَّمةٌ بإقامة سينودس في الوقت الّذي يعاني فيه النَّاس من الجوع إذ إنّهم غير قادرين على تأمين قوتِهم اليوميّ. إخوتي، إضافةً إلى أهميّة موضوع إطعام النَّاس، على المؤمنِين أن يُفكِّروا معًا في مسيرتهم في قلب الكنيسة من خلال الإصغاء إلى الرّوح القدس، فيُدركوا أنّ الله يَعمل معهم.
إخوتي، إنّ هذا الزَّمن هو زمنُ نِعمةٍ إذ فيه علينا أن نطرح السُّؤال على ذواتنا: ما الّذي يريده الربّ منّا؟ في الكنيسة أزمةُ شهاداتٍ، لذلك جاء السِّينودس ليدعو الكنيسة من جديد إلى التّفكير في مسيرتها، وإدخال التغييرات اللّازمة عليها. لذا إخوتي، أدعوكم إلى التحلِّي بالجرأة لإطلاق صرخة في الكنيسة من أجل تغيير ما يجب تغييره. إخوتي، لن يتحقَّق أيّ تغيير في الكنيسة إن لم نُصغِ إلى بعضنا البعض. إنّ الهدف من التفكير في مسيرة الكنيسة هو العمل على تجديد ذهنيّة النَّاس وتغييرها، إذ إنّ الهدف من هذا السِّينودس ليس إلقاء خطابات ومواعظ إنّما العمل معًا للسَّير قُدُمًا في الكنيسة. إنّ موضوع تجديد المسيرة وتغييرها لا يطال الكنيسة فقط إنّما يطال أيضًا الحركات الموجودة في داخل هذه الكنيسة، إذ على جميع الجماعات، وأوَّلها جماعة “أذكرني في ملكوتك” الّتي ننتمي إليها، القيام بإعادة قراءتها لمسيرتها خصوصًا بعد مرور سنتين ونصف من الصُّعوبات والأزمات الّتي غيَّرتْ ظروفَنا جميعًا وقَلبَتها رأسًا على عَقِب. إنَّ هذه القراءة لمسيرتنا ضمن الكنيسة ضروريّة جدًّا، كي نُدرك أين أصبحنا وكيف باستطاعتنا السَّير معًا جَنْبًا إلى جنب، وما الّذي علينا تجديده في جماعتنا. إخوتي، ليس المطلوب منّا، عند قيامِنا بهذه القراءة لمسيرتنا في الكنيسة، إعطاء مجرَّد أفكار، بل علينا إعطاء أفكارٍ عمليّة تساعد على تجديدنا وتجديد الكنيسة على نطاق الجماعات الرَّسوليّة والرعايا المحليّة والأبرشيّات.
في اعتقادي، إنّ أهمَّ ما يجب العمل على تحقيقه في الكنيسة من خلال هذا السِّينودس هو تجسيد روحيّة الـمَعيّة، إذ لا أحد في الكنيسة يستطيع العمل منفردًا، ولا أحد أهمُّ من الآخر، فَلجميع المؤمنِين مواهب. بالطَّبع، على الجميع احترام السُّلطات الكنسيّة، ففي الكنيسة خِدَمٌ مقدَّسة ومبارَكَة، ولكن هذا لا يمنع في أن تقوم الكنيسة بإعطاء فرصةٍ للعلمانيِّين لوَضع مواهبهم في خِدمة الآخَرين، كما عليها أن تقوم بقراءةٍ لعلامات الأزمنة، فتعمل مع المؤمِنين على القيام بمبادراتٍ تجاه الآخَرين خصوصًا في ظلّ هذه الظروف الصّعبة الّتي نمرُّ بها في وَطنِنا، كما عليها أن تعمل على حلّ كلّ المعضلات في الكنيسة.
إخوتي، على الكنيسة أن تقوم بالمسيرة نفسها الّتي قام بها يسوع، فتَسير كما سار هو، جنبًا إلى جنبٍ مع الآخَرين المتألِّمين، وتُصغي إلى أفرادها من جهةٍ وإلى الربّ من جهةٍ أخرى فتُدرِك ما هو الّذي يريده منها في هذا الزَّمن الّذي نعيشه. إنِّي أُشجِّعكم في هذا الزَّمن المقدَّس، على إقامة محطَّة إصغاء فنُدرِك جميعنا ما الّذي يريده الرّوح منَّا.
علينا أن نتجَّنب الوقوع في مسيرتنا الكنسيّة في التّجربة القائمة على تنظيم أمورنا. إخوتي، إنَّ الربَّ هو الّذي يُنظِّم أمورَنا، ولكن علينا أن نساعده على تحقيق مشيئته فينا. كما علينا أن نتجنَّب، في قلب هذه المسيرة، التركيز فقط على الأمور السلبيّة الموجودة في الكنيسة إذ يجب علينا الإضاءة على الأمور الإيجابيّة فيها، للعمل على ترتيبها وتنظيمها. إخوتي، لا تجوز فقط الإضاءة على أهميّة النَّشاطات في الكنيسة، إنّما يجب التركيز أيضًا على روحيّة العمل، طريقة الحياة الّتي تعيشها الكنيسة أو الجماعة: إذ على كلّ جماعة كنسيّة، بشكلٍ خاصّ، وعلى الكنيسة بشكلٍ عام، أن تعمل من أجل أن يتمكَّن أعضاؤها من معرفة بعضهم البعض والسَّعي إلى العيش معًا، والعمل على تحقيق رسالتها والشَّهادة للرّب في كلّ مكانٍ تتواجد فيه هذه الجماعة أو تِلك. على كلّ جماعةٍ في الكنيسة أن تعمل على الشَّهادة للربّ، وأن تكون علامة رجاء في قلبِ عالمٍ تسوده لغةٌ مُظلمةٌ سوداء.
إنّ جميع النَّاس قد تعبوا من هذه الحالة الّتي يعيشونها في عالَمِهم، لذا على الكنيسة أن تتكلَّم لغةً مختلفة عن تلك الّـتي نسمعها اليوم في مجتمعنا، علينا أن نتكلَّم لُغةً تنبثق من هذه المسيرة الّتي نقوم بها، لغةً تدعونا جميعًا إلى القيامة، كما قال الربّ للمخلَّع في نصّ إنجيل اليوم: “قُم”(مر 2: 11). علينا أن نعمل على القيامة من هذا الواقع المرير الّذي نعيشه، رافضين الاستسلام، لأنَّه للأسف، أصبَحت أيدي الجميع مسترخية، إذ نسمع الكثيرين يقولون: ما عاد باستطاعتنا القيام بشيء. لا إخوتي، إذا سِرنا معًا، وتكلَّمنا سويّةً، نستطيع القيام بالكثير.
الآن، أريد أن أختم حديثي معكم مع النبيّ نحميا، الّذي علَّمنا في السِّفر الّذي كتَبَه أربعة أمور. في هذا السِّفر، يُخبرنا النبيّ أنّ الشَّعب، بعد أن تمَّ سَبيَه إلى بابل وتهجيره من مدينته وتهديم أسواره وإحراق أبواب مدينته، أُصيب بحالةٍ من الإحباط والكآبة. كان النبيّ نِحميا يهوديًّا غير أنّه كان يحتلّ أعلى المراتب عند الوثنيِّين، إذ كان ساقي الملك. في قلب هذا الاختبار الّذي عاشه نِحميا، قام بأمرٍ مهمّ جدًّا، وهو أنّه طلب إلى الـمَلِك إعادة بناء أسوار أورشليم، إذ وَجد نفسه معنيًا بما يُعانيه شعبه. فَعاش هذا النبيّ 4 مراحل:
المرحلة الأولى: جلستُ أرضًا: من المهمّ أن نجلس أرضًا عندما نواجه مشكلةً ما، فالمشكلة تجعلني غير قادر على الوقوف من جديد بسبب الضَّغط الّذي تُسبِّبه لي على المستوى الشَّخصيّ. كذلك على مستوى كنائسنا، نشعر بالعجز. لذا، علينا أن نجلس على الأرض كما فَعل نَحميا وفي هذه الأيّام، لا نشعر فقط أنّنا على الأرض، بل نشعر أيضًا أنّنا تحت الأرض.
المرحلة الثانية: نُحتُ وبَكيتُ، تمامًا كما الرّبابة. هذا ما يفعله النَّاس اليوم، إذ نراهم لا يتكلَّمون إلّا على غلاء المأكولات وفقدان البعض منها، موَصِّفين الحالة الّتي يعيشها كلُّ واحدٍ منهم. للأسف، نحن نعيش حالةً من البكاء. إخوتي، من الضَّروري البُكاء على حالتنا والتَّعبير عن أوجاعنا، ولكن من الضَّروريّ أيضًا إطلاق صرخةٍ ليتمكَّن الآخَر من سماعها والمجيء لمساعدتنا. إخوتي، علينا ألّا نسكت عن أوجاعنا، فالدُّنيا ليست بألف خير. إخوتي، أدعوكم إلى البكاء أي إلى التّعبير عمّا يزعجكم، فالأمور ليست بألفِ خيرٍ خصوصًا هنا في وطننا، إذ نعاني من تراكمٍ للمشاكل.
المرحلة الثالثة: علينا أن نتوقَّف عن البكاء، ومَسْح دموعنا، علينا أن ننظر إلى العلاء، ونبدأ بالصّلاة، فالربُّ معنا وهو لم ولن يتركنا. فنحن لسنا وحدنا في هذا الجحيم، في قلب هذا القعر، في قلب هذه الصُّعوبة. هناك عهدٌ عظيمٌ أعطاه الربّ لنا: “أنا معكم كلّ الأيّام حتّى إنقضاء الدَّهر” (متى 28: 20).
المرحلة الرابعة: “لننهض ونبني”. إخوتي، في المراحل الثلاثة الأولى، جَلستُ أرضًا وحدي، وبَكيتُ وحدي، وصَلّيت وحدي، أَمّا هنا في هذه المرحلة، فالتركيز هو على أهميّة وجود جماعة. هناك موت ولكن هناك قيامة، لذا فَلنَنهض إخوتي. إنّ الربّ يدعونا قائلاً لنا: “أيّها الشّاب، لكَ أقول قُم”، حتّى للمخلَّع قال الربّ يسوع: “قُم احمل سريرك واذهب”(مر 2: 11). إذًا، الربّ يسوع يدعونا إلى القيام بنَهضة جديدة. علينا الوقوف من جديد وعدم الاستسلام للصُّعوبات، والعمل على البناء معًا، أي أن نضع أيدينا في أيدي بعض. ونحن قادرون على ذلك بنعمة ربِّنا الّذي يعمل معنا، ويضع يده معنا ومع كلّ إخوتنا، لذا نحن قادرون على تغيير كلّ العالم.
أشكركم إخوتي، سأكتفي بهذا الكلام، كي نتمكَّن من سماع أسئلتكم ومن التفاعل معها والغوص فيها.
ملاحظة: دُوِّنت المحاضرة بأمانةٍ مِن قِبَلِنا.