“العبور”
بقلم الخوري يوحنّا داود،
الصّومُ هوَ العبورُ والحالةُ التي يرتقي فيها الإنسانُ المادّي إلى مصافِ الملائكةِ الذينَ يسبّحونَ اللهَ على الدوام.
الصّومُ هو العبورُ منَ الأنا لكي نلتقيَ الربّ في وجهِ الآخرينَ فيتحقّقَ الفرحُ الحقيقيّ.
الصّومُ هو العبورُ منَ الجوعِ للمنِّ الأرضيِّ إلى الجوعِ للخبزِ السماوّي.
الصّومُ هو العبورُ منَ الهروبِ إلى مرحلةِ الدّخولِ في زمنِ المواجهةِ الحقيقيّةِ مع الشرّيرِ وملائكتهِ.
الصّومُ هو العبورُ من حياةِ الكسلِ واللّامبالاةِ إلى زمنِ الجهادِ المقرونِ بالصّلاةِ القلبيّةِ المستديمةِ والتّوبةِ الصادقة.
الصّومُ هو العبورُ بالنّفس من بابِ التّوبةِ إلى معاينةِ بهاءِ اللهِ ومجدهِ القدّوس.
الصّومُ هو العبورُ منَ الحزنِ الذي تسبّبهُ خطايانا إلى الفرحِ الحقِّ الذي يمنحهُ اللهُ للتائبينَ برحمتِهِ الفائقةِ الإدراك.
الصّومُ هو العبورُ منَ الضعفِ البشريِّ إلى الاستسلامِ الكليِّ بينَ يدَي الله.
الصّومُ هو العبورُ منْ عالمِ المحسوساتِ إلى عالمٍ غيْر ماديٍّ، إلى حيْث الذينَ يعبدونَ اللهَ “بالرّوحِ والحقّ”.
الصّومُ هو العبورُ منْ عشقِ الأهواءِ والملذّاتِ إلى العشقِ الإلهيِّ المقرونِ بالسجودِ والتأمّل.
الصّومُ هو العبورُ من مجدِ العالمِ الباطلِ وأهوائهِ إلى حَضرَةِ المجدِ الإلهيِّ المقدّس.
الصّومُ هو العبورُ منَ البابِ الضيّقِ مُثقلينَ بالأحمالِ والدموعِ لِنعاينَ بهاءَ القدّوسِ والتمتُّعَ بفرحِ القدّيسِين.
الصّومُ هوَ العبورُ بالقلبِ المثقلِ بالهمومِ الأرضيّةِ إلى التأمّلِ برحمةِ اللهِ اللّامحدودةِ ومحبّتهِ غيرِ الموصوفةِ وقدرتِه الفائقةِ الإدراك.
الصّومُ هو العبورُ بالنّفسِ من حالةِ الخطيئةِ إلى حالةِ النّعمةِ، ومن الظلمةِ إلى النّورِ، ومنَ اليأسِ إلى رجاءِ المؤمنِينَ الذي لا يُخزى.
الصّومُ هوَ العبورُ بالصّليبِ إلى فجرِ القيامةِ المجيدةِ للتمتُّعِ بالخيراتِ السّماويةِ التي أعدَّها الله للذينَ يحبّونهُ.
إذاً تعالوا نخرج اليومَ من أرضِ مصرَ، أرضِ العبوديةِ ونَنطلقْ إلى الصحراءِ غيرَ متروكِينَ، بل يؤازرُنا الرّوح القدس لِنعبُرَ إلى أرضِ الميعاد لِملاقاة عريسِ الكنيسةِ القائمِ من الموت.