محاضرة للأب ابراهيم سعد، 

تنشئة حول ”لاهوت الموت والقيامة”،

القيامة في عِظة الفصح للقدّيس يوحنّا الذهبيّ الفم، 

يستهلّ الأب سعد موضوعه بالتّعريف بنفسه، فهو خادم رعيّة القدّيس نيقولاوس الأورثوذكسية بلّونه، متزوّج، وله ولدان: “وائل”، و”سحر”. ثمّ ينتقل ليُعرّف بموضوع التّنشئة، وهو “عظة الفصح”، التي تلاها القدّيس “يوحنّا الذّهبي الفم” منذ القدم، ولا تزال تتردّد إلى اليوم في كلّ قدّاس فصح، في الطّقس الشّرقي. وأشار الأب سعد إلى أنّ القدّيس يوحنّا الذّهبي الفم، هو من الآباء الذين شاركوا في كتابة “القدّاس الإلهي”، وتوفّي في نهاية القرن الرّابع، وقد لُقّب بـ”الذّهبيّ الفم”، لِما كان يخرج من فمه من عظات موزونة، وكلام ثمين، وقد فسّر معظم الكتاب المقدّس بالوعظ، وكان تلاميذه يدوّنون ما كان يقول، وجُمعت عظاته وتفاسيره. ومن يقرأ هذه الأخيرة، يعرف أنّ ليست ذات طابع أكاديمي صرف، بل هي إرشاديّة، إيعازيّة.

وقد واجه الذّهبي الفم صعوبات جمّة، بسبب المؤامرات التي قامت ضدّه من قبل المطارنة ورجال الدّين حوله، بسبب الحسد والغيرة، من رجل لمع نجمه، وارتفع قدره بين النّاس، فقد كانت بعض عظاته خلال القدّاس تمتدّ إلى نحو السّاعة، والسّاعة والنّصف، ولكم صفّق المستمعون له بعد نهاية العظة تأثّراً بما قال وإعجاباً به. ولم يكن في وسع المُسيئين تشويه أعماله واقواله، فاتّهموه في شخصه وشوّهوا نمط عيشه، ومن التّهم التي اُلصقت به زوراً، تهمة استحمامه، وتناوله السّكاكر يوميّاً، وهذه ممنوعة في الحياة الرّهبانيّة، وهي دليل بطر دُنيوي.

وبالرّغم من ذلك كلّه فقد ازدادت عظاته انتشاراً، وحضوره تبلوراً، حتى سُمّي القرن الرّابع الذي عاش فيه، باسمه، لشدّة ما غيّر وقلب من المقاييس، وأثّر في النّاس.
ثمّ ذكر الأب سعد سبب اختياره هذه العظة موضوعاً لتنشئتنا الرّوحيّة، وهو كوننا قياميّين وفصحيين، وبسبب أهمّية توقيتها، وما فيها من مضمون غنيّ وبهيّ. ثمّ تلا الأب سعد علينا العظة .

“ من كان حسن العبادة ومحباً لله فليتمتع بحسن هذا الموسم البهيج . مَن كان عبداً شكوراً, فليدخل إلى فرح ربّه مسروراً. من تعب صائماً, فليأخذ الآن أجره ديناراً. مَن عمل من الساعة الأولى, فليَنال اليوم حقّه بعدل. من قدم بعد الساعة الثالثة فليعيّد شاكراً. من وافى بعد الساعة السادسة, فلا شك إنه لا يخسر شيئاً. من تأخر إلى الساعة التاسعة, فليتقدم غير مرتاب. من وصل الساعة الحادية عشرة, فلا يخف الإبطاء فإن السيد كريم جوّاد, يقبل الأخير مثل الأول, و يريح العامل من الساعة الحادية عشرة مثل العامل من الساعة الأولى. يرحم الأخير, و يرضي الأول. يعطي ذاك, و يهب هذا. يقبل الأعمال, و يسر بالنية. يكرم الفعل, و يمدح النية. فادخلوا إذاً كلكم إلى فرح ربكم. أيها الأولون و الأخيرون، خذوا أجوركم. أيها الأغنياء و الفقراء, اطربوا معاً فرحين. أمسكتم أو توانيتم, أكرموا هذا النهار. صمتم أم لم تصوموا, افرحوا اليوم. المائدة مليئة فتمتعوا كلكم, العجل سمين وافٍ فلا يخرجنّ أحد جائعاً. تمتعوا كلكم بوليمة الإيمان. تمتعوا كلكم بوليمة الصلاح. لا ينوحنّ أحدٌ عن فقر. فإن المملكة العامة قد ظهرت. لا يندبنّ أحد على إثم. فإن الفصح قد بزغ من القبر. لا يخف أحد الموت, فإن موت المخلص قد حررنا. فإنه أخمد حين قبض الموت عليه, و سبى الجحيم بنزوله إليه, مرمره لما ذاق جسده. هذا ما سبق إشعيا و نادى به قائلاً: تمرمر لما التقاك أسفل. تمرمر لأنه بطُل. تمرمر لأنه هزىء به. تمرمر لأنه قد أميت. تمرمر لأنه قد أبيد, تمرمر لأنه قد ربط. تناول جسداً فصادف إلهاً, تناول أرضاً فألفاها سماء. تناول ما نظر, فسقط من حيث لم ينظر. أين شوكتك يا موت؟ أين غلبتك يا جحيم؟ قام المسيح و أنت صرعت. قام المسيح و الجن تساقطت. قام المسيح و الملائكة جذلوا. قام المسيح و الحياة انبعثت. قام المسيح من الأموات فصار باكورة الراقدين. فله المجد و العزة إلى دهر الداهرين آمين”.

وقسمها قسمين: الأوّل فيه توجّه إلى النّاس، عملوا منذ اليوم الأوّل أم عملوا في اليوم الأخير، صاموا أم لم يصوموا، كلّهم يستحقّون أن يحتفلوا ويفرحوا، يتنعّموا بخير الرّب على حدّ سواء، فالرّب عادل، يرحم المتلكّئين، ويرضي المثابرين، لأنّه جوّاد كريم، عدله إلهي لا بشري. وفي هذا القسم، تسبّب باستياء المثابرين والعاملين منذ اليوم الأوّل، المساوين مع المتأخّرين والمتلكّئين. أمّا القسم الثّاني ففيه تمجيد، وإظهار لحقيقة عرس القيامة وفرحها.

وأشار الأب سعد إلى اقتباس الذّهبي الفم لفكرة القسم الأوّل من العظة، من إنجيل القدّيس “متّى”، ومثل الفعلة والكرّام، الذي اختار عمّالاً بَدؤوا عملهم باكراً، وبعد ساعات اختار آخرين ليعملوا معهم، وآخرين أتوا بعد هؤلاء بساعات ليعملوا كذلك.
وفي آخر النّهار أعطى ربّ العمل الفئات الثّلاث من العمّال الرّاتب نفسه، فاحتجّ واحد من فعلة الصّباح على ذلك، واتّهموه بغير العدل. فأوضح لهم ربّ العمل جحودهم، وكونهم يتنكّرون لنعمة العمل التي أمّنت مساءَهم وأراحت نفوسهم باكراً، وكونهم ينظرون في لقمة الباقين ممّن دفعوا أوّل يومهم قلقاً، وحسرةً، على مسائهم المجهول. وقد رفض المسيح هذا الاعتراض رفضًا ولم يحتمله. وهذا المثل يجسّد صراع الكنيسة الأولى منذ القدم، لأنّ المسيح ساوى بين مؤمنيها الذين ساروا مع الرّب منذ البداية، وهم الشّعب المختار، وبين الوثنيين الذين آمنوا بعد مجيء المسيح، أي وصلوا في آخر النّهار.
وقد اختار يوحنّا الذّهبي الفم أن يتلو هذه العظة في أحد الفصح، لأنّه يعتبره اليوم الأخير في حياته، كما يعتبر القيامة نهاية العالم، ويوم القيامة هو “اليوم الثاّمن”، من خارج روزنامة الزّمن، أدخله الرّب بمحبّته حياتنا، رأفةً بنا. وبرحمته الواسعة، أظهر لنا الله كيف تكون قيامتنا عبر إقامة الرّب يسوع البريء من كلّ عيب وخطيئة، من الموت، باكراً جدّاً، أي ليس في اليوم الأخير كما كان مقرّراً في ذهن الرّب. 

وفي يوم القيامة، يوم الفصح، لا مجال للحزن، والتّأسّف، والنّدم، وعلى الجميع تناول الفصح، مهما عظمت خطيئتهم.
وانتقل الأب سعد إلى تفسير القسم الثّاني من العظة، متوقّفاً عند قتل المسيح للموت، ومحوِه لهذا الدّهليز الذي يبتلع النّاس، وتحويله إلى رجاء، وتمرمُر الجحيم عند ابتلاعه جسد المسيح الطّاهر، البريء من كلّ خطيئة، “ذو اللّحم المرّ”، على عكس أجساد النّاس المليئة بالخطايا والتي يلذّ للموت ابتلاعه.
بعد الفصح، كلّ شيء يتغيّر، فالقيامة عرس لا ينتهي، وتبقى أبواب الكنائس مفتوحة، ويرتدي الكاهن كامل زيّ القدّاس عند تلاوته لأبسط صلاة، احتفالاً بالعرس اللاّمتناهي، والفرح اللاّمحدود.

بعد القيامة، تنتهي كلّ التّساؤلات التي كانت تُطرح قبلها، وتفتح رحمة الرّب للكلّ، المجال إلى دخول فرحه.

ملاحظة: دُوِّنت المحاضرة بأمانةٍ مِنْ قِبَلِنا.

Instagram
Copy link
URL has been copied successfully!
WhatsApp