“المسيح وُلد فمجّدوه!”
بقلم سيادة المطران الياس كفوري، صور وصيدا ومرجعيون وراشيا الوادي وتوابعها للروم الأرثوذكس،
“لما حان مِلء الزمان، أرسَل الله ابنَه، مولوداً من امرأةٍ، مولوداً تحت النّاموس، ليَفتدي الذين تحت النّاموس لنَنال التبنّي” (غل 4:4) .
إنّ الله، بعد أن كلّم آباءنا قديماً بالأنبياء، مرّاتٍ كثيرة وبأنواعٍ شتّى، كلّمنا في هذه الأيام الأخيرة بِابنه، الذي جعله وارثاً لكلّ شيء وبه خَلَق العالَم. وهو بهاءُ مَجد الله وصورة جوهره…” (عب ١: ١-٣).
عندما رأى الله أنّ الوقتَ مناسبٌ ، وعندما اكتملَتِ النبوءات، وبعدما أرسَل الله الكثيرَ من الأنبياء والمرسلين، قرّر أن يُرسِل ابنه الوحيد ليُخلِّصنا من الخطيئة. أرسَل الله ابنه مولوداً من امرأةٍ. أتى يسوع متجَسِداً “من الروح القدس ومن مريم العذراء”، أي أتى مولوداً كسائر الناس .”حلّ بيننا . ورأينا مجده مَجد وحيدٍ للآب مملوءاً نعمة وحقاً “(يو 14:1).
“مولوداً تحت النّاموس”: قد يسأل سائلٌ لماذا خضع المسيح للنّاموس وهو ابنُ الله القادر على كلّ شيء؟ الجواب هو أنّه فَعَل ذلك احتراماً للإنسان من جهة، ولكي يتَّحد بنا (أي بالبشر) اتحاداً كاملاً من جهةٍ أخرى. فَعَل ذلك لأنَّه يحبّنا . كلّ عملية التجسّد والفداء حصَلَتْ بسبب محبّة الله لنا، لأنّه أراد أن يخلّصنا “هكذا أحبّ الله العالم، حتى أنّه بَذَل ابنه الوحيد لكي لا يَهلِك كلّ مَن يؤمن به، بل تكون له الحياة الأبدية” (يو١٦:٣).
“ليَفتدي الّذين تحت النّاموس لنَنال التبني”: أي أنَّ الله فَعَل ذلك ليُعيد لنا مكانتنا الحقيقية وهي أنّنا أبناء الله بالتّبني. يسوع افتدانا بدمه ليَجعلنا أبناء الله: “فلستَ بعد عبداً بل أنت ابن”.
يقول يوحنّا الإنجيليّ في هذا السياق: ” أمّا الذين قبلوه فأعطاهم سلطاناً أن يكونوا أولاداً لله الذين يؤمِنون بِاسمه . الذين لا مِن دم ولا مِن مشيئة لحم ولا مِن مشيئة رَجُل لكن مِن الله وُلدوا” (يو١: 12-13 ) .
هذا هو المعنى الحقيقي للميلاد أن نكون فعلاً أبناء الله. والابن يُحِبّ أباه ويطيعه .
يأتي عيد الميلاد هذا العام في ظل أوضاع بالغةِ التعقيد. يأتي كشعاعِ نورٍ يخرق ظلام العالَم ليُضيء للجميع طريق الخلاص: “الشعبُ السّالك في الظلمة أبصَرَ نوراً عظيماً لأن الله معنا” (أشع ٢:٩) .
يأتي لِيُولد من امرأةٍ مؤكّداً أنّ مريم (حواء الثانية) هي مَعبَر خلاص البشر. عندما قالت مريم للملاك: “نعم. هاءنذا أمة للرّب فليَكن لي بحسب قولك” ( لو 38:1) حصل الخلاص للعالَم. المسيح أتى متواضعاً، مشى مع الشعب، دخل بيوت الفقراء والمساكين، ليؤكّد أن “كلّ مَن رَفع نفسه اتّضع ومَن وَضَع نفسه ارتفع” (مت ١٢:٢٣) .
أتى طفلاً وديعاً متواضعاً على عكس ما حصل مع آدم الذي سقط من الفردوس بِسبب الكبرياء. الكبرياء (والشهوة) كانتا سبب السقوط العظيم .
لذلك يشدّد آباء الكنيسة على فضيلة التواضع واصِفِين إيّاها بأنها “مَلِكة الفضائل” (القدّيس يوحنّا السلّمي).
المحبّة هي شعارنا انطلاقاً من قول السَّيد “بالمحبّة غلبتُ العالم” (يو ٣٣:١٦) .
في هذا العيد المبارَك نَسأل أنفسنا: أين نحن مِن كلّ هذا؟ أين وَضَعنا أنفسنا: في الظلمة أمْ في النّور ؟
“يقول يوحنّا الإنجيلي: أحَبَّ الناس الظلمة لِئلا تفتَضِح أعمالهم لأنَّ النور يَفضح” (يو ١٩:٣) .
كيف نُبادِل المسيح محبّته لنا ؟ “بماذا نكافئ الرّب على كلّ ما أعطانا ؟” نكافئه بخضوعنا له بالطاعة لمشيئتِه وبالعمل بحسب وصاياه. وخصوصًا الوصيّة العُظمى في الناموس: أن نُحِبَّ بعضنا بعضاً .
ما يجري في لبنان (وفي العالَم) لا يدلّ على أنَّنا نُحِبّ بعضنا بعضاً. العالَم بحاجةٍ إلى لَمسة حبّ من السّيد المسيح لكي يعود إلى رشده. إنَّه بحاجةٍ إلى مَن يُضحّي في سبيل إسعاده. والتضحية لا تكون بالكلام المعسول والخطابات الطنانة والوعود الفارغة من المضمون. البلد يَرزح تحت أثقالٍ تَنُوء بحَملها الجبال ونحن نتلهّى بالجدل حول “جنس الملائكة”. المريضُ بحاجةٍ إلى دواءٍ وليس إلى مناظراتٍ ومناقشاتٍ وأطروحات في القانون والنظام .
أسأله في عيد ميلاده المجيد أنْ يُزيل الهمَّ عن المضنوكِين وأنْ يمسح الدموع عن الحزانى ويُعزّي المفجوعِين بِفَقد أحبّائِهم. لا تعزيةَ حقيقيَّةً لهؤلاء إلّا مِن عنده سبحانه وتعالى. ولا راحةَ لهؤلاء إلّا بتِحقيق العدالة .