محاضرة للأب ابراهيم سعد،
تنشئة حول”لاهوت الموت والقيامة”،
الموت والقيامة عند القدّيس باسيليوس الكبير،
انطلق الأب سعد من كتابات ” القدّيس باسيليوس الكبير ” عامّة، ومن نص القداس الإلهي الذي كتبه بخاصّة، حتّى يتكلّم عن هذا القدّيس الذي اتّسم قدّاسه ب” الوضوح”، وحتّى يكشف عن فكر هذا القدّيس فنتعلّم منه.
واستهلّ الاب سعد حديثه بتحديد ما يميّز الإنسان عن المخلوقات الأخرى، مُشدِّداً على “الذّاكرة” التي “يذكر” الإنسان أحداثها أي ينطق بها وحده من بين كلّ المخلوقات، كما ذكر أنّه يتميّز ب”اجتماعيّته”، لأنّه لم يُخلق ليعيش وحده. كما أشار إلى أنّ هذه الذّاكرة التي تذكر ما جرى مع الإنسان جرّاء اختلاطه بغيره، هي التي تخلق له “تاريخاً”، ينطلق مه الإنسان ليعيش حاضره، وليبني مستقبله؛ حتى انّك إذا أردت أن تتعرّف بشخصٍ انطلق هذا الأخير من ماضيه ليطلعك على نفسه حاضراً وما ينوي له مستقبلاً. وإن أنت سألت شخصاً عن حدث لم يشهده بنفسه، لأخبرك بحيثيّاته، كأنّه عاشه، لأنّه قبل بمخزون ذاكرة شعبه، وحفظه، وهذا ما يُسمّى ” ليتورجيّا” أي ” عمل الشّعب” الذي يُعرَّف ب: مجموعة الافراد المتّحدين في التّاريخ الواحد، فإن اختلف تاريخ أحدهم عن الآخر، انتمى كلّ منهما إلى شعب مختلف. وقد عنت كلمة “ليتورجيا” عند الرّومان، اجتماع الإمبراطور والحاشية والشّعب لاستذكار تاريخ الأمّة كلّه، ثمّ مناقشة خطوات المستقبل.
فالاتّفاق على الاجتماع كأمّة موحّدة التّاريخ، كليتورجيا، يحاكي اجتماع المؤمنين، ككنيسة. أي انّ تلك لا وجود لها إلاّ فينا؛ فنحن إذا لا نجتمع في الكنيسة بل ككنيسة، نحن الكنيسة، والامبراطور هو الآب، أبو يسوع، الذي قام بذلك أو ذلك، متميِّزين عن غيرنا من المؤمنين بألله آخر.
وقد فهم القدّيس باسيليوس الكبير أنّ الكتاب المقدّس هو قصّة اللّه، الذي ما قال عن نفسه يوماً إنّه اللّه الأوحد الأوّل الكبير، ولكنّه أخبرهم بأفعاله ” أنّه الذي” فعل ذاك وذلك.
واللّيتورجيا تنجم عنها قرارات كأيّ اجتماع آخر قرارات بتحويل الخبز والخمر إلى جسد ودم المسيح،، ولا يحقّ للمشترك فيها وهو خاطئ أن يتحجّج بخطيئته لكي لا يتناول جسد المسيح، لانّ ذلك يعني عدم اقتناعه بأنّ القرار قد نُفِّذ فتحوّل الفاني إلى خالد مقدّس بل، كان حريّ به لو تاب واعترف بخطيئته، قبل المجيء للاعتراف باللّيتورجيا التي يشارك فيها، على أنّه واحد من هذا الشّعب.
فأنت – وبسبب خطيئتك – تدخل القدّاس وثنيّاً، فيعرض عليك الرّب قصّته في الإنجيل، وتثبت قبولك به أباً، وبأفراد الجماعة إخوةً، عند المناولة، بعدها تخرج ” ابن اللّه”. لذا فقليلة هي الصّلوات الفرديّة في القدّاس لانّ هذا الأخير هو اشتراك جماعي في الصّلاة. لذا فمن يأت إلى القدّاس ولا يشارك الجماعة في صلواتها ولا يتناول جسد ودم المسيح، أفضل له لو لم يأتِ، على حدّ قول القدّيس باسيليوس الكبير؛ تبعاً لما سبق شرحه. فأنت بتناولك للجسد والدّم اشتركت في قصّة المسيح، وذهبت مع المريمات إلى القبر ووجدته فارغاً، وستذهب لتبشّر بذلك. والقدّيس بولس في رسالته إلى أهل قورنتس يقول: مات وقبر وقام وظهر للتّلاميذ، وبظهوره لهم ” ذُكرت” قيامته، وأُكِّدت. وأنت بعد خروجك من القدّاس تذكر بدورك هذه القيامة، لئلاّ تذوب وتموت.
وقد روى القدّيس باسيليوس في قدّاسه قصّة يسوع، منذ جبلة اللّه للإنسان في الفردوس ووعده له بالخلود- لانّ المحبّة لا تقتل بل تزرع الحياة- حتّى المعصية، ومجيء يسوع، وموته، وقيامته، لأنه من المستحيل أن يبتلع الموت الحياة التي هي يسوع المسيح نفسه، كما ذكر صعوده وجلوسه عن يمين اللّه. ثمّ تكلّم على تذكّر الشّعب لكلّ ما جرى مع المسيح، وعلى ذكره له من الموت إلى القيامة فالمجيء الثّاني الذي أصبح الإنسان جزءاً منه.
وقد تكلّم الأب سعد على مفهوم القدّيس باسيليوس الكبير للقيامة، التي هي عامّة بالنّسبة إليهم وليست خاصّة، أي أنّها للجميع، فلا جحيم بل ملكوت، ولا نار بل نور. أمّا من اعتاد أن يحيا في الظّلمة، وفي الشّر، فطبيعيّ ان يعميه النّور ويهدّده الملكوت والخير. وما الملكوت إلاّ الطريق التي مهّدها وعبّدها المسيح لكلّ مؤمن حتّى يسلكها ليصل إلى الآب. وكلّ من يلبّي النّداء ويشترك في كلّ أقسام القدّاس يصبح من شعب اللّه، ومن أبنائه.
والقدّيس باسيليوس الكبير هو الوحيد، بعد المسيح، الذي ميّز ملكوت اللّه، من الفردوس. فقد قال آخرون إنّ الإنسان بعد موته يعود إلى فردوس آدم، إلاّ أنّ باسيليوس قد فهم واكّد أنّ المائت يجلس في حضن الآب في الملكوت، حيث لا ألم ولا خوف ولا عذاب، بل ما لم تره عين ولم تسمع به أذن، ما أعدّه اللّه للّذين يحبّونه.
ملاحظة: دُوِّنت المحاضرة بأمانةٍ مِنْ قِبَلِنا.