قيل في الإنجيل: “أنتَ هو المسيح ابن الله الحيّ”. (متى 16:16). وفي هذا الأحد المبارك، عشيّة تذكار الموتى، نلتقي مع أبناء الرعيّة ومع جماعة “اُذكرني في ملكوتك” لنذكر موتانا، ونصلّي من أجل راحة نفوسهم، مؤمنين بأنّهم انتقلوا إلى الحياة الثانية، إلى الدار الأبديّة التي لا تنتهي. وفي تذكار موتانا نعود إلى كلمة الرّب في سؤاله لتلاميذه: “مَن يقول الناس إنّي أنا ابن الإنسان” (متى13:16).

فالرّب كان يعرف في ذلك الزمان الذي عاشه على الأرض المقدّسة، أنّه كان مَوضِع تساؤل، فمِنهم من رآه عظيمًا، ومِنهم من رآه يتكلّم وكأنّ له سلطانًا، لكنّ يسوع المسيح طلب من تلاميذه الذين أراد إشراكهم في رسالته، وفي عمليّة التبشير، وفي عمليّة الخلاص، أن يعلنوا فِعلَ إيمانهم… لذلك سألهم: “وأنتم من تقولون إنّي أنا؟” (متى15:16). وكان بطرس قد آمَن بالرسل، وبدأ يتكلّم باسم التلاميذ الإثني عشر ليُعلن هذا الإيمان، قائلًا: “أنت هو المسيح ابن الله الحيّ”. وهذا الإعلان هو عطيّة ونعمة من الربّ، لأنّه ليس جوابًا بشريًّا، لذلك قال الربّ لبطرس: “طوبى لك يا سمعان بن يونا، إن لحمًا ودمًا لم يُعلن لك، لكن أبي الذي في السماوات” (متى 17:16).

ونحن في تقليد كنائسنا الشرقيّة، نقول في المناسبات والتذكارات والأعياد إنّ إيماننا هو إيمان بطرس، لكي نجدّد إيماننا بربّنا، ونعلن أنّه هو المسيح ابن الله المخلّص، الذي أتى إلى العالم لكي يفتدي الإنسان، لكي يحذّره من الخطيئة، من ظلمة الموت، وينقذه، فيكون من أبناء الرجاء، من أبناء الحياة، من أبناء الملكوت، حتّى ولو كان ذلك في اللحظة الأخيرة، كما قال لِمَن صُلب عن يمينه: “اليوم ستكون معي في الفردوس” (لو 43:23)، بعد أن قال له اللّص: “اذكرني يا ربّ متى أتيت في ملكوتك”.

ونحن في تذكار موتانا، نذكر أنّهم عاشوا هذا الإيمان في حياتهم، عاشوه بأمان والتزام، عاشوه وفق الوزنات التي أعطاهم إيّاها الرّب، لكي يستعدّوا في مسيرتهم أن يكونوا كما سمعنا في الرسالة: “إنّنا مِن أبناء النهار، لسنا من ليل وظلمة” ( تس 5:5)، لابسين درع الإيمان، فمَن يؤمن بالربّ لا يهلك، من يلتزم بالمسيح ويعتمد به، يلبس المسيح. وموتانا تعمّدوا وقبلوا سرّ العماد المقدّس، لذلك انتقلوا إلى الحياة الأبديّة، لأنّ الربّ قال لنا في الإنجيل: ” فيخرج الذين عملوا الصالحات إلى قيامة الحياة” (يو 29:5).

وهذا يعلّمنا نحن، في هذه الكنيسة المجاهدة، كنيسة الأحياء، أن نعتبر من بطرس كأبٍ للرسل، من التلاميذ الذين كانوا بصحبة يسوع المسيح، من التعاليم الإنجيليّة، من شهادة الذين سبقونا، من جميع القدّيسين الذين تعيّد لهم الكنيسة اليوم، ومن موتانا الذين عاشوا بإيمان، كي يتجدّد إيماننا بربّنا، فيكون إيماننا إيمان بطرس، ونضرع الإيمان بالأعمال، لِتُزيّن إيماننا، كما يقول يعقوب الرسول في رسالته: “أرني إيمانك في أعمالك” (يع 18:2)، كذلك نزيّن هذا الإيمان بالفضائل، كما يقول يسوع المسيح في الجبل: “طوبى لأنقياء القلوب، السّاعين إلى السّلام، الرّحماء، الجيَاع والعطاش إلى البِرّ، المضطهدين من أجل البِرّ” (متى 5:1-11)، وبالتالي نكون شهوداً لربّنا في مسيرتنا الإيمانيّة، التي تقودنا إلى الاتحاد بموتانا الذين سبقونا إلى الملكوت.

فلتكن صلاتنا في هذه العشيّة التي تجمع بين الأحياء والأموات، بين الكنيسة المجاهدة والكنيسة الظافرة، إعلانًا صارخًا لإيماننا بالرّب، قائلين: “أنت هو المسيح ابن الله الحيّ، وسرّ الفداء الذي غلب به الموت بالموت، وأشركنا بمجده الإلهيّ، أنعِم علينا ببركاتك، لكي نستحقّ نحن بدورنا أيضًا، أن نكون مِن أبناء
الملكوت”. آمين.
 
ملاحظة: دُوّنت العظة من قبلنا بتصرّف.