تفسير الكتاب المقدّس،
الأب ابراهيم سعد،
“رسالة بولس الرّسول إلى أهل رومية – الإصحاح السّادس”
النّص الإنجيليّ:
“فماذا نقول؟ أنبقى في الخطيّة لكي تكثُر النّعمة، حاشا نحن الّذين متنا عن الخطيّة، كيف نعيش بعد فيها؟ أم تجهلون أنّنا كلّ من اعتمد ليسوع المسيح اعتمدنا لموته فدفنّا معه بالمعموديّة للموت، حتى كما أقيم المسيح من الأموات، بمجد الآب، هكذا نسلك نحن أيضًا في جدّة الحياة لأنّه إن كنّا قد صرنا متّحدين معه بشبه موته، نصير أيضًا بقيامته عالمين هذا: أن إنساننا العتيق قد صلب معه ليبطل جسد الخطيّة، كي لا نعود نُستعبد أيضًا للخطيّة لأنّ الّذي مات قد تبرأ من الخطيّة فإن كنّا قد متنا مع المسيح، نؤمن أننا سنحيا أيضًا معه عالمين أنّ المسيح بعدما أقيم من الأموات لا يموت أيضًا. لا يسود عليه الموت بعد لأنّ الموت الّذي ماته قد ماته للخطيّة مرّة واحدة، والحياة الّتي يحياها، فيحياها لله. كذلك أنتم أيضًا، احسبوا أنفسكم أمواتًا عن الخطيّة، ولكن أحياء لله بالمسيح يسوع ربّنا. إذاً لا تملكَنَّ الخطيّة في جسدكم المائت لكي تطيعوها في شهواته، ولا تقدّموا أعضاءكم آلات إثم للخطيّة، بل قدّموا ذواتكم لله كأحياء من الأموات وأعضاءكم آلات برّ لله فإنّ الخطيّة لن تسودكم، لأنّكم لستم تحت الناموس بل تحت النعمة فماذا إذًا؟ أنخطئ لأنّنا لسنا تحت النّاموس بل تحت النّعمة؟ حاشا ألستم تعلمون أنّ الّذي تقدّمون ذواتكم له عبيدًا للطّاعة، أنتم عبيد للّذي تطيعونه: إمّا للخطيّة للموت أو للطّاعة للبرّ. فشكرًا لله أنّكم كنتم عبيدًا للخطيّة، ولكنّكم أطعتم من القلب صورة التّعليم الّتي تسلمتموها وإذ أعتقتم من الخطية صرتم عبيدًا للبرّ، أتكلّم إنسانيًّا من أجل ضعف جسدكم. لأنّه كما قدّمتم أعضاءكم عبيدًا للنّجاسة والإثم للإثم، هكذا الآن قدموا أعضاءكم عبيدّا للبرّ للقداسة لأنّكم لما كنتم عبيد الخطيّة، كنتم أحرارًا من البرّ فأيّ ثمر كان لكم حينئذٍ من الأمور الّتي تستحون بها الآن؟ لأنّ نهاية تلك الأمور هي الموت وأمّا الآن إذ أعتقتم من الخطيّة، وصرتم عبيدًا لله، فلكم ثمركم للقداسة، والنّهاية حياة أبديّة لأنّ أجرة الخطيّة هي موت، وأما هبة الله فهي حياة أبديّة بالمسيح يسوع ربّنا”.
شرح النّص الإنجيليّ:
قبل البدء بالإصحاح السّادس، سنكمل القسم الأخير من الإصحاح الخامس، فقد كثُرت الخطيئة بكثرة الأشخاص، وحين تكثُر الخطيئة تكثُر النّعمة، فتصبح بذلك الخطيئة إيجابيّة. فمبدأ النّاموس هو تطبيق القانون عندما تهيمن الخطيئة وينقص الحبّ. إذًا وُجِدَ القانون بسبب النّقص في الحبّ، والقانون يفضح من يخالف النّاموس. ويتدخّل الله في النّعمة ليزيدها، ونتحرّر بذلك من الخطيئة. يرينا النّاموس الخطيئة ولكنّه لا يحرّرنا منها، إنّما الذّي يحرّرنا منها هو حبّ الله لنا بالنّعمة في الإنجيل.
فما هي النّعمة؟ هي إعلان من الله أنّنا مواطنون في الملكوت السّماويّ، وقد أعطانا هويّة يسوع المسيح، أَفَهِمناها أو قبلناها أو آمنّا بها، أم لم نفعل، ولا شيء يُبطِلُها، أو يجعل من الإنسان خارج الملكوت. فإذا تمرّد الابن على أبيه، بقيَ الأب يعترف بابنه رغم تمرّده. فالآب السّماويّ لا يمكنه أن ينكر ابنه بل يقترب منه أكثر فأكثر كلّما أخطأ. فالمحبّة هي الانتباه للآخر وتلبية حاجاته وليس فقط رغباته، فنحن نريد من الله أن يحبّنا بمعنى أن يحقّق لنا رغباتنا، أمّا الله فيحبّنا لكي ينفّذ لنا حاجاتنا، والفرق بين الحاجة والرّغبة كبير جدًّا.
أنبقى في الخطيئة لتكثُر النّعمة؟ حاشا! نحن الّذين متنا عن الخطيئة، كيف نعيش بعد فيها؟ حين نقول متنا عن الخطيئة أي قطعنا العلاقة معها وتبرّرنا بها كما كانت الحال على الصّليب. فموت المسيح كان رفضًا لإقامة أيّة علاقة خارج الله. أن تعتمد إذًا بيسوع المسيح، يعني أنّك تتبنّى مفهوم موته ومنطقه، إذ لا يمكننا أن نبشّر بكلمة الله وبفحواها أي الصّليب من دون التكّلّم عن منطق الصّليب الّذي هو جهالة عند النّاس، لأنّ الحبّ هو الّذي أدّى إلى الصّليب. اقتنع اليهود ورؤساؤهم والكتبة والفرّيسيون أنّ المسيح هو المنتظر، لذلك قتلوه وهو كان مدركاً لذلك، وبالرّغم من ذلك، طلب من الله أن يغفر لهم ما يفعلونه لكي يبرّرَهم. فالمحبّة تستر جمًّا من الخطيئة. هذا هو منطق الصّليب الذّي لا يمكن أن ينصّه ناموس أو قانون أو فتوى. فيجب أن نأخذ موت المسيح كمنطقٍ ونهجٍ لحياتنا.
في الإصحاح السّادس يفسّر لك بولس أنّ عينيّ الإنسان التُرابيّتين اللّتين كانتا بعيدتين عن المسيح، وتريان كلّ شيء حتّى الله من تراب، ستصبحان بعد المعموديّة عينيْن جديدتيْن.
يقول بولس الرّسول: “حتّى إذا صرنا متّحدين معه بشبه موته”، هذا ليؤكّد لنا أنّنا لا يمكننا أن نتّحد معه بموته، لأنّ هذا المنطق صعب علينا، فقد تبنّى فقط منطق الحبّ الّذي يؤدّي إلى دفع الثّمن، ونصبح حقيقةً بقيامته بسبب موت المسيح على الصّليب ونسلك بهذا المنطق فرح القيامة.
يقول نيتشي (فيلسوف ألمانيّ)، إنّ المسيحيّين لا يفرحون، لأنّ الله مات عندهم ولم يقم، فلو كان بالحقيقة قد قام، لكانوا اليوم فرِحين، فهم يفرحون بما يناسبهم في هذه الدّنيا فقط، حتّى ولو كان هذا الفرح خارج الله. فما هو دور المسيح في حياتي؟ كيف تسلك في حياةٍ جديدةٍ قبل المسيح وبعده؟ ماذا يغيّر المسيح فيك يا إنسان؟
لم يقتنع الإنسان بعد بعمل المسيح على الصّليب، ولم يتبنَّ هذا المنطق، لأنّ المسيح بصلبه، يطلب منك تغيير الإنسان القديم الّذي يسكنك، وهنا يدخل الإنسان بفهمٍ خاطئٍ، ويحسب نفسه في العبوديّة. كما يقول لنا المسيح في إنجيل يوحنا: “أنا لا أدعوكم عبيدًا بل أحبّاء. فهناك ثلاث مراحل للعلاقة مع الله: علاقة العبد – علاقة الأجير– علاقة الابن.
وتبدأ علاقتك به كعبدٍ وهو سيّدك، وهذه العلاقة مبنيّةٌ على الخوف. وسرعان ما تتبدّل لتصبح أجيرًا وهو ربّ العمل، وإطار هذه العلاقة هو المصلحة. ثمّ تنمو بعدها علاقتك بالله لتنتقل إلى علاقة ابنٍ بأبٍ، ويكون إطارها الحبّ. هذه هي درجات علاقة الإنسان بربّه. وتستغرق منّا المرحلة الأولى وقتًا طويلًا، ونعبر المرحلة الثّانية في وقتٍ قليل وصولاً للشّوق إلى المرحلة الثّالثة.
لم يقتنع الإنسان بعد بعمل المسيح على الصّليب، ولم يتبنَّ هذا المنطق، لأنّ المسيح بصلبه، يطلب منك تغيير الإنسان القديم الّذي يسكنك، وهنا يدخل الإنسان بفهمٍ خاطئٍ، ويحسب نفسه في العبوديّة. كما يقول لنا المسيح في إنجيل يوحنا: “أنا لا أدعوكم عبيدًا بل أحبّاء. فهناك ثلاث مراحل للعلاقة مع الله: علاقة العبد – علاقة الأجير– علاقة الابن.
وتبدأ علاقتك به كعبدٍ وهو سيّدك، وهذه العلاقة مبنيّةٌ على الخوف. وسرعان ما تتبدّل لتصبح أجيرًا وهو ربّ العمل، وإطار هذه العلاقة هو المصلحة. ثمّ تنمو بعدها علاقتك بالله لتنتقل إلى علاقة ابنٍ بأبٍ، ويكون إطارها الحبّ. هذه هي درجات علاقة الإنسان بربّه. وتستغرق منّا المرحلة الأولى وقتًا طويلًا، ونعبر المرحلة الثّانية في وقتٍ قليل وصولاً للشّوق إلى المرحلة الثّالثة.
لقد حرّرنا المسيح من الخطيئة على الصّليب. إذًا إنسانُك العتيق صُلب ومات، والآن هناك الإنسان الجديد: يسوع المسيح، وهي صورة الحبّ بين الابن والآب. تجد في كلّ الأديان أنّ الله هو سيّدٌ عليك إلاّ في الدّين المسيحيّ، فالله عبدٌ لك. تصرّف معه كأنّه عبدٌ لك، فهو راضٍ، لكن لا تنسَ أن تتصرّف معه كحبيب، ولا تتصرّف معه كأنّه غير موجود. فإن كنّا مُتنا مع المسيح، آمنّا أنّنا سنحيا معه. وهنا يكمن انتظار الإنسان إذ يخلق الله فيك الرّجاء، والرّجاء يخلق فيك الصّبر، عالماً بأنّ المسيح بعدما أقيم من بين الأموات، لا يموت مجدّدًا ولا يسود عليه الموت من بعد، فلا سلطان للموت بعده، لأنّ الموت الّذي ماته، كان من أجل الخطيئة ومرّةً واحدةً، والحياة الّتي يحياها فللّه يحياها أيضًا. كذلك أنتم أيضًا احسبوا أنفسكم أمواتًا عن الخطيئة ولكن أحياء لله بالمسيح يسوع ربّنا. إنّ السِّرّ الدّائم هو الحبّ، وهذا هو منطق المسيح المصلوب الّذي مات من أجلك، وأنت بالمعموديّة تتبنّى هذا المنطق.
إنّ الانضباط بسبب الحبّ هو أقوى من الانضباط بسبب القانون والطّاعة. نحن نشكر الله أنّكم كنتم عبيدًا للخطيئة، وأطعتم من صميم القلب صورة التّعليم الّتي تسلّمتموها، لذلك لا يمكنك أن تكون حرًّا بل محرّرًا، لأنّ من يُحبّ، يعبُد الّذي يحبّه. من هنا لكم ثمر: ثمرة القداسة ونهاية حياة أبديّة، لأنّ أجرة الخطيئة هي الموت، أمّا هبة الله فهي الحياة الأبديّة بالمسيح يسوع. والجواب الوحيد عن الحبّ الإلهي هو التّوبة الصّادقة، ولكن ليس ليحبّك الله، فهو بتوبتك أو بدونها يحبّك ويراك ابنًا له.
انتبهوا للفرح الّذي زرعه فيكم حبّ الله، فلا تضيّعوا سنين حياتكم في الكره متناسين أنّ الله لم يستثنِ أحدًا في حبّه، فالنّاس استثنَتْ نفسها. فأين نذهب وكلمةُ الحياة عندَكَ يا ربّ.
ملاحظة: دُوّنَ الشرح بأمانةٍ من قبلنا.