تفسير الكتاب المقدّس،

الأب ابراهيم سعد،

“رسالة بولس الرّسول الثانيّة إلى أهل كورنثوس – الإصحاح السّادس” 

النّص الإنجيليّ:

“فَإذْ نحنُ عامِلُون مَعَهُ، نطلُبُ أنْ لا تقبَلُوا نعمة الله باطلاً. لأنَّه يقولُ: “في وقتٍ مقبول سَمِعْتُكَ، وفي يومِ خلاصٍ أَعَنْتُكَ”. هوَذا الآنَ وقتٌ مقبولٌ. هُوَذا الآنَ يومُ خلاصٍ. وَلَسْنا نَجعَلُ عَثَرةً في شيءٍ لِئلّا تُلامَ الخِدمَةُ. بل في كلِّ شيءٍ نُظهِرُ أَنفُسَنا كخُدّامِ الله: في صبرٍ كثيرٍ، في شدائدَ، في ضَروراتٍ، في ضِيقاتٍ، في ضَرباتٍ، في سُجونٍ، في اضطراباتٍ، في أَتعابٍ، في أَسْهارٍ، في أَصوامٍ، في طَهارةٍ، في عِلمٍ، في أَناةٍ، في لُطفٍ، في الرُّوحِ القُدُس، في محبَّةٍ بلا رِياءٍ، في كلامِ الحقِّ، في قُوّةِ اللهِ بسِلاحِ البِّرِ لليَمينِ وَلِليَسارِ. بِمجدٍ وَهَوانٍ، بِصيتٍ رديءِ وصِيتٍ حَسَنٍ. كَمُضِلِّينَ ونحنُ صادقونَ، كَمَجهولِين ونحنُ معرُفونَ، كَمائِتينَ وها نحن نحيا، كَمُؤدَّبينَ ونحنُ غَيرُ مَقتُولِينَ، كَحَزانى ونحنُ دائمًا فَرِحُونَ، كَفُقراءَ ونحنُ نُغني كثيرينَ، كَأَنْ لا شيءَ لنا ونحن نَملِكُ كلَّ شيءٍ. فَمُنا مفتوحٌ إليكُم أيّها الكورنثيّون. قَلبُنا متَّسِعٌ. لستُم مُتَضَيِّقينَ فينا بل مُتَضَيِّقينَ في أحشائِكم. فَجَزاءً لذلِك أقولُ كما لأَولادي: كونوا أنتم أيضًا مُتَّسِعينَ! لا تكونوا تحتَ نِيرٍ مع غيرِ المؤمنينَ، لأنّه أيَّةُ خلطةٍ للبرِّ والإثمِ؟ وأيَّةُ شَرِكَةٍ للنُّورِ مَعَ الظُّلمَةِ؟ وأيُّ اتِّفاق للمسيحِ مع بَلِيعال؟ وَأَيُّ نصيبٍ للمؤمنِ مع غير المؤمن؟ وأيّةُ موافقةٍ لهيكلِ الله مع الأوثان؟ فإنَّكم أنتم هيكلُ الله الحيّ، كما قال الله: “إنّي سأسكُنُ فيهم وأَسيرُ بينَهم، وأَكونُ لهم إلهًا، وهم يكونونَ لي شعبًا. لذلك اخرجوا مِن وَسَطِهم واعتَزِلوا، يقول الربُّ. ولا تمَسُّوا نَجِسًا فَأَقبَلَكم، وأَكونَ لكم أبًا، وأنتم تكونون لي بَنينَ وبناتٍ، يقولُ الربُّ، القادرُ على كلِّ شيءٍ”.

شرح النّص الإنجيليّ:

في هذا النّص، يشدّد بولس الرّسول على المؤمنين بعدم المزج بين أمور الله، وأمور الدُّنيا أي أمور الوثنيّين.كانت كورنثوس مدينة وثنيّة قَبْلَ أن تصلِها البشارة بواسطة بولس. وبعد أن سمِعَ أهلُها بالمسيح، آمن بعضهم، وأصبح مسيحيًّا، بينما بقيَ قسمٌ آخرُ منهم وثنيًّا. إنَّ المشكلة الّـتي يتحدَّث عنها بولس، في هذا الإصحاح، تكمن في مخالطة المسيحيّين الكورنثيّين للوثنيّين أبناء مدينتهم، لا على مستوى الصداقة والقُربى وحسب، إنّما أيضًا على مستوى العبادات والعادات الوثنيّة. إنّ اشتراك المؤمنين مع الوثنيّين في أمور العبادة تؤثِّر سلبًا على المسيرة الروحيّة لهؤلاء المؤمنين الجُدد بالمسيح. وفي هذا الإصحاح أيضًا، يشدِّد بولس على أنّ لا شيء يستطيع أن يقفَ حاجزًا في طريق وصول كلمة الله إلى الآخرين، لذا يُعدِّد بولس كلّ معاناته في أثناء مسيرته التبشيريّة، مؤكِّدًا أنّ كلّ تلك الصّعوبات لم تتمكّن من إيقافه عن متابعة مسيرته الرسوليّة. إنّ عبارة “سلاح البرّ لليمين ولليسار”، الّتي استعملها بولس، في هذا الإصحاح، تُتَرجَم في أماكنَ أخرى بعبارة “سلاح الهجوم وسلاح الدِّفاع”. إنّ سلاح الهجوم يستعمله المحارب كي يهجم على المعتدي ويقتله، أمّا سلاح الدِّفاع فيستعمله كي يدافع عن نفسه، ويردّ عنه كلّ أذى يتعرَّض له من قِبَل المعتدي. 

إنَّ بولس قد استخدم هذا التعبير “سلاح البرّ لليمين واليسار”، ليُخبر أهل كورنثوس أنّه يُجنِّد كلّ طاقاته في سبيل ثباتهم في الإيمان الصَّحيح. يبدأ هذا الإصحاح بعبارة “عاملون معه”، وقد تمّ توضيحُها في ترجماتٍ أخرى عبر استبدالها بعبارة “نحن مع عمل الله”، إذ لا يمكن للرّسل أن يكونوا في شراكةٍ مع الله في عمله لأنّ الرّسل ليسوا من طبيعة الله، فالشراكة تفترض أن يكون الشَريكَيْن مِن المستوى ذاته، وهذا لا ينطبق على الرّسل مع الله. إنّ الرّسل يؤيِّدون الله في ما يقوم به، وَيَسعُون إلى تفعيل عمله فيهم من خلال نقلهم البشارة للآخرين. إنّ بولس الرّسول يدعو أهل كورنثوس للاختيار ما بين السير وِفقَ مشيئة الله، وبين السَير وِفقَ مشيئة العالم، إذ لا يمكنهم الاستمرار في العيش على النّحو الّذي يعتمدونه: أحيانًا مع مشيئة الله، وأحيانًا أخرى مع مشيئة العالم.

إنّ المؤمنين، في عالمنا اليوم، يُشبِهون أهل كورنثوس، إذ إنّهم يريدون اتِّباع يسوع المسيح وتعاليمه مِن دون الامتناع عمّا لا يُرضيه. إنّ مشكلة مسيحيّي اليوم تكمن في ارتكابهم للأخطاء، مع القرار بالتوبة عنها لاحقًا. إنّ بولس يُحذِّرنا مِن العيش بهذه الطريقة لأنّه لا يجوز لنا المزج بين هيكل الله وهيكل الأوثان. لذا، سرد لنا بولس الرّسول، في القسم الأوّل من هذا الإصحاح، صفات المؤمن الـمُخلِص لكلمة الله، الّذي لا يتراجع عن إيمانه وعن مسيرته التبشيريّة بالمسيح على الرّغم من كلّ الاضطهادات، والضيّقات الّـتي تواجهه. إنّ مسيرة بولس الرّسول التبشيريّة، كما سائر الرّسل، لم تكن سهلة على الإطلاق، بل على العكس مِن ذلك تمامًا، فَقَدْ كلّفتهم اضطهاداتٍ وضيقات على شتّى أنواعها، كثمنٍ لإعلانهم البشارة بيسوع المسيح. إنّ الرّسل قد تعرَّضوا مرّات كثيرة إلى الإحباط واليأس في مسيرتهم التبشيريّة، عند عودة المؤمنين الجُدد بالمسيح إلى تصرّفاتهم الوثنيّة عند رحيل الرّسل عنهم للتبشير في مكانٍ آخر؛ ولكنّ الفرح والتعزيّة كانا يملآن قلوب الرّسل حين يشعرون بأنّهم يشاركون من خلال رسالتهم التبشيريّة اللهَ في عمله. إنّ فرح الرّسول في عمله التبشيريّ لا يأتيه من النّاس الّذين يبشِّرهم، إنّما مِن كلمة الله.

إنّ عودة المؤمنين الجُدد بالمسيح إلى تصرّفاتهم القديمة قد أدخلت بولس الرّسول في حالةٍ من الإحباط، لأنّ بولس الرّسول كان على قناعةٍ تامّةٍ أنّ المسيح آتٍ وأنّه لن يتأخّر في مجيئه، لذا كان يتصرّف وكأنّ الربَّ آتٍ قريبًا، أمّا هُم فكانوا يتصرّفون وكأنّ الربّ سيتأخّر في مجيئه. إنّنا، نحن المؤمنين اليوم، نتصرّف على مثال أهل كورنثوس، إذ نعتقد أنّ الربّ سيتأخّر في مجيئه، لذا نرتكب الأخطاء مقرِّرين التوبة عنها لاحقًا، فإنّه لو كُنّا مقتنعين حقًا أنَّ الربّ آتٍ عمّا قريب، لَكُنّا تَخَلَّينا عن أهوائنا ونزواتنا الأرضيّة. فمثلاً على المستوى البشريّ، حين يَجزِم المؤمنون أنّ الكاهن سيتأخّر عن موعد المحاضرة، فإنّهم سيتأخرّون في الحضور إلى قاعة الاجتماع؛ أمّا إن كانوا يَعلَمون أنَّ الكاهن سيأتي في الوقت المحدَّد، فإنّهم سيستعجلون في الحضور إلى قاعة الاجتماع كي لا يَفُوتُهم شيءٌ مِن تعليمه لهم. هذا على المستوى البشريّ، فكيف إن كان الأمر يتعلَّق بمجيء الربّ في مجده؟ لقد حاول شهود يهوه، مرَّاتٍ عديدة، معرفة زمن مجيء الربّ وفشلوا في ذلك، لأنّ الأمر متعلِّق بالربّ وحده دون سواه، فهو الّذي يقرِّر ساعة مجيئه. 

إنّنا نحن المؤمنين نُشابه شهود يهوه، في تحديد موعد مجيء الربّ، فهم يستعجلون حضوره، أمّا نحن فنؤخِّر مجيئه. إخوتي، لا يحقّ لأحدٍ أن يُحدِّد للربّ يوم مجيئه، لأنّه عندها، يُعطي الإنسان نفسه حقَّ الاسترخاء والاستسلام لأهوائه ومغريات هذا العالم، إذ في نظره سيتأخّر الربّ في مجيئه. على المؤمن أن يكون مستعدًّا على الدَّوام لمجيء الربّ، فتكون تصرّفاته وحياته منسجمة مع تعاليم الربّ. إنّ بولس يُخبر أهل كورنثوس، أنّ هذا اليوم هو يوم الخلاص، لذا عليهم الاستفادة مِن هذا الوقت، لا إضاعته في الانشغال بمحاولة معرفة يوم مجيء الربّ. إنّ بولس الرّسول منزعجٌ من تصرّفات أهل كورنثوس، لأنّها لا تعكس إيمانهم بالربّ يسوع، بل تُعبِّر عن انزعاجهم الداخليّ. إنّ بولس يدعو أهل كورنثوس إلى التحلّي بقلبٍ متَّسع على مثاله، فبولس يُعبِّر لهم عن اتِّساع قلبه من خلال رعايته الأبويّة واهتمامه بهم، إذ لا يمانع مِن تبشيرهم مرّة أخرى إن كان لذلك ضرورةٌ، وهذا ما يقصده بعبارة “فمُنا مفتوحٌ لكم”. 

إنّ بولس يستخدم في بعض الأحيان، صورة الأب مع أبنائه، مع الّذين يبشِّرهم كما هي الحال في هذا الإصحاح؛ كما يستخدم في أحيانٍ أخرى، صورة الأمّ الّتي تتحضّر للولادة بالمخاض، حين يقول للمؤمنين إنّه يتمخَّض بهم ليُتَصوَّر المسيح فيهم، فبالنسبة إليه، هو يلدهم للمسيح من خلال تبشيره إيّاهم. إنّ هذه العبارات الّتي يلجأ إليها بولس الرّسول تعبّر عن مدى حبّه للمسيح، وإخلاصه للبشارة، على الرّغم مِن كلّ الشّدائد الّتي يعاني منها كي يتمكّن من ولادة الّذين يبشِّرهم أبناءً للّه.

إنّ التبشير بكلمة الله يُشبه مخاض المرأة الحُبلى، فالتبشير كالولادة لا يتمّ بسهولة، فالمبشِّر يتعرَّض لصعوبات وضيقاتٍ كثيرة في أثناء نقله البشارة للآخرين، كما تتعرَّض الأمّ للآلام أثناء ولادتها. إنّ ألم الخطيئة الّذي يُعاني منه المؤمن حين ارتكابه لها، أقلّ وجعًا من الألم الّذي يتحمّله الرّسول في أثناء نقله البشارة للآخرين: فألم المؤمن عند ارتكابه الخطيئة هو ألم متعلِّقٌ به وحده، أمّا الألم الّذي يتعرَّض له الرّسول أثناء قيامه برسالته، فيطاله أوّلاً إذ يتألّم من عدم قبول الآخرين بالمسيح، ومن ثمّ يطال السامعين لهذا الرّسول، الّذين يرفضون التخلّي عن حياتهم القديمة نتيجة تعلُّقهم بأهوائهم ونزواتهم الأرضيّة، على الرّغم من اقتناعهم بالمسيح وتعاليمه. إنّ بعض المؤمنين يَضطَهِدون إخوتهم المبشِّرين بالمسيح، لأنّهم يرفضون التوبة عن مسيرتهم الخاطئة، والعودة إلى كلمة الله، لأنّ في ذلك تهديدًا لمصالحهم الخاصّة ولأهوائهم. 

إنّ يسوع هو الحقيقة، لذا على المؤمنين اتِّخاذه مَرجَعًا لهم في حياتهم وبخاصّة عند وقوع خلافات في ما بينهم. إنّ المؤمنين يتصرّفون كأنّ الربّ سيتأخّر في مجيئه، فيرتكبون الخطايا مع الوعد بالعودة عنها لاحقًا. ولكن ماذا لو جاء الربّ إليك بعد ارتكابك للخطيئة، وقبل أن تتمكّن من التوبة؟ استمرّ بولس في التبشير بكلمة الله على الرّغم من كلّ المشَّقات والأوجاع الّـتي تعرَّض لها في مسيرته الرّسوليّة. وهنا يُطرَح السؤال: هل كُنّا، نحن كمؤمنين بالمسيح، سنستمرّ في التبشير، إنْ تعرَّضنا لِمَا تعرَّض له بولس؟ إنّ بولس يُشجِّع أهل كورنثوس على تحمّل الصّعوبات والضِّيقات الّتي يتعرَّضون لها من جرّاء إيمانهم بالربّ يسوع، كما يدعوهم إلى عدم الحزن بل إلى الفرح لأنّ كلمة الله تنتشر بفضل احتمالهم لتلك الشَّدائد. إنّ ما عانى منه أهل كورنثوس، قد عانى منه أيضًا كلّ المبشِّرين: فالرّسل، على الرّغم من كلّ الضِّيقات الّتي عانوا منها في مسيرتهم التبشيريّة، تسلّحوا بكلمة الله الّـتي كانت تمنحهم فرحًا لا يزول. إنَّ المبشِّرين هم أغنياء بكلمة الله، ولكنّهم فقراء على مستوى الممتلكات الأرضيّة: إنّهم لا يملكون شيئًا في هذه الأرض، سوى رجائهم بالربّ يسوع وثقتهم أنّه سيُحقِّق كلّ وعوده لهم بمنحهم الحياة الأبديّة.

إنّ بولس يطلب من أهل كورنثوس ألّا يقبلوا بأن يكونوا تحت النِير مع غير المؤمين. إنّ النير هو عبارة عن عصا فيها بعض المسامير، توضع على ظهر البهائم أثناء فلاحتها للأرض، ويستخدمها الفلّاح لمنع بهائمه من الشُّرود عن أرض الفلاحة. لا يجوز للمؤمنين، حسب قول بولس الرّسول، الاختلاط مع غير المؤمنين، وخاصّة في أمور العبادة لأنّه من غير الممكن الرَّبط بين البرّ والإثم، بين النّور والظلمة. إنّ بولس يحذِّر أهل كورنثوس من الاستمرار في العيش على هذا المنوال، لأنّهم سيعتادون على الظلمة، وعندها سيكون مصيرهم الهلاك لا الخلاص. إنّ تصرّفات أهل كورنثوس تؤكِّد عدم قناعتهم باقتراب يوم مجيء الربّ، لذا يسمحون لأنفسهم بالاختلاط مع أبناء الظلمة. إنّ قبول المؤمنين بأمورٍ لا تتماشى مع إيمانهم، هو في الحقيقة مساومة على البرّ وبالتّالي قبول بالخطأ وتشريعه. إنّ المسيح لا يستطيع التعايش مع بليعال، أي الشِّرير، لأنّه لا يمكن للظلمة والنّور أن يلتقيا، فإمّا أن يكون هناك نور وإمّا ظلمة. إنّ بولس يذكِّر أهل كورنثوس بأنّهم هيكل الله الحيّ، ويحثِّهم على تصحيح مسارهم. إنّ بولس استشهد في كلامه مع الكورنثيّين بعبارة من العهد القديم حين قال إنّ الله سيسكن في وسطهم، وإنّ الله سيكون لهم إلهًا.

إنّ المشكلة الّتي يطرحها بولس في هذا الإصحاح، هي مخالطة المؤمنين لغير المؤمنين وخاصّة في أمور العبادة، وعودة المؤمنين إلى العادات الوثنيّة بعد قبولهم الإيمان بالمسيح. لم يقصد بولس بكلامه هذا، إنشاء عداوةٍ بين المؤمنين وغير المؤمنين، إنّما قصد بكلامه وجوب عدم مخالطة المؤمنين للوثّنيين في ما يختصّ بأمور العبادة فقط، لأنّها تؤدِّي إلى اكتسابهم عادات لا تَمُّت بصِلَة إلى الإيمان الّذي قَبِلوه. إنّ بولس يشجِّع المؤمنين من أهل كورنثوس على مساعدة الفقراء غير المؤمنين على المستوى الماديّ، من دون مخالطتهم على مستوى الإيمان. إنّ مخالطة المؤمنين لغير المؤمنين عبر التّاريخ أدّت إلى تَسرُّب الفكر الوثنيّ إلى فكر المؤمنين بدليل انتشار أمثالٍ شعبيّة بين المؤمنين لا تُجسِّد إيمانهم، فنسمعهم مثلاً يقولون عند تعرُّضهم للأذيّة من الآخرين: “إنْ لم تكن ذئبًا أكلتكَ الذِّئاب”. لقد عرضَ بولس على أهل كورنثوس، لائحة بالاضطهادات الّتي عانى منها جرّاء تبشيره بالمسيح، وبالنِّعَم الّتي نالها من الربّ، مِن دون أن تتمكّن الصُّعوبات مِن تغييره مِنَ الدّاخل. 

إنّ صراع المؤمنين لم يكن يومًا صراعًا مع لحمٍ ودمٍ بل مع أفكار شيطانيّة تدخل إلى أعماق الإنسان وتُغيِّره. في عالمنا اليوم، يمزج المؤمنون بين أمور الله وأمور الدُّنيا فيحوِّلون مثلاً عيدًا دينيًّا إلى عيدٍ وطنيٍّ على الرّغم من اختلاف وجهات النَّظر في شأن هذا العيد بين المؤمنين وغير المؤمنين. إخوتي، إنّ الله يدعونا إلى إطعام الجياع، زيارة المرضى، وما شابه ذلك من أعمال رحمة مع غير المؤمنين الفقراء، لكنّه لم يدعُنا يومًا إلى مشاركتهم ذهنيّاتهم القديمة. إنّ عدم اختلاط المؤمنين مع غير المؤمنين لا يعني أبدًا أنّ المؤمنين أبرار وأنّ الآخرين أشرار. على المؤمن أن يرفض كلّ ما يؤدّي إلى هلاك نفسه لأنَّ المسيح قد جاء من أجل خلاص النّفوس لا مِن أجل هلاكها. إنّ جميع البشر متساوون على المستوى الإنسانيّ، غير أنّهم لا يتساوون على المستوى الإيمانيّ. إنّ جميع البشر مثلاً يحتاجون إلى الطّعام الأرضيّ، وبالتّالي فإن جاع الإنسان أكان مؤمنًا أم لا، على المؤمن أن يُسارع إلى تلبية تلك الحاجة لأخيه في الإنسانيّة بِغَضّ النّظر إلى إيمانه. يستطيع المؤمن أن يساند أخاه الإنسان، مهما كان إيمانه، في الأمور المعيشيّة كالمطالبة بالتعليم والعمل، وتأمين الأمور الأساسيّة لحياتهما كالماء والكهرباء. ولكن لا يجوز للمؤمن مشاركة غير المؤمن في عباداته لأنّ في ذلك إشراكًا لله الحيّ مع آلهةٍ أخرى، وهذا يؤدِّي إلى هلاك نفس المؤمن.

كان المسيحيّون في أيّام بولس الرّسول، يُشاركون الوثنيِّين في أعيادهم، فيذهبون إلى هياكلهم حيث يقدِّمون الذبائح لآلهتهم. إنّ هذا الأمر هو في غاية الخطورة، إذ كان المؤمنون يستقدمون من هذه الاحتفالات عادات وثنيّة لا تعكس إيمانهم بالربّ يسوع ويُدخِلونها إلى حياتهم؛ لهذا السَّبب دعا بولس المؤمنين من أهل كورنثوس إلى مقاطعة الوثنيّين في الاحتفالات الدِّينيّة. إنّ بولس يدعو المؤمنين المتجذِّرين في إيمانهم إلى الابتعاد عن كلّ ما مِن شأنه أن يُشكِّك إخوتهم في الإيمان. 

فمثلاً، حين يُشارك المؤمنون في أعياد الوثنيّين، يأكل بعض المؤمنين من الطّعام المقدَّم لهم من الوثنيّين، إذ لا يعتبرون تناولهم له اشتراكًا في الإيمان مع غير المؤمنين، بل هو مجرَّد طعامٍ يساعدهم للاستمرار في العيش، فقناعتهم ثابتة أنّ لا إله إلاّ الله. غير أنّ هذا التصرّف مِن قِبَل بعض المؤمنين قد يشكِّك ضُعفاء النّفوس لذا مِن الـمُفضَّل عدم مشاركة المؤمنين المتمرِّسين في الإيمان في أعياد الوثنيّين، إذ إنّه خيرٌ للمؤمن الانقطاع عن تناول اللّحوم طول حياته إن كان تناوله لها يؤدِّي إلى هلاك نفوس إخوته المؤمنين. إذًا، على المؤمن المتعمِّق في إيمانه أن يهتمَّ بأخيه الضَّعيف بالإيمان، فلا يقوم بما يقتل الرّوح فيه بل يقوم بما يساعد أخاه على النّمو في الإيمان وإحياء الرّوح فيه.

على المؤمن عدم المساومة على الحقيقة، بقبوله الخطيئة، إذ لا يجوز له المزج بين الإثم والبرّ. على المؤمن رفض الخطيئة لا الخاطئ، وبالتّالي عليه احتضان الخاطئ ومحبّته، لا إدانته، فالمحبة تدفع بالخاطئ إلى التوبة، أمّا الإدانة فتدفعه إلى الانغماس أكثر فأكثر في الخطيئة، وابتعاده عن الله. إنّ الخاطئ يحتاج إلى الشُّعور بالمحبّة والمساندة من إخوته المؤمنين كي يتمكّن من العودة إلى الله وتصحيح مساره الخاطئ. إنّ المؤمن يُدرِك تمامًا أنَّ الله يُحبّه، وسيمنحه الغفران عندما يطلب المؤمن ذلك، لذا يجد المؤمن سهولةً في ارتكاب الأخطاء، لأنّه متأكِّدٌ أن الله سيغفر له كلّ زلّاته عندما يتوب عنها. إنّ تصرّف المؤمن هذا مع الله، يشكِّل إنعكاسًا لتربيته في الطّفولة، إذ في أغلب البيوت، يَعلَم الطِّفل أنَّ أهله يُحبّونه، لذا هو يستسهل القيام بالأخطاء، إذ لمجرَّد الاعتذار من والدَيه يَنسى أهله ما أساء به إليهم. على الطِّفل أن يتعلَّم منذ حداثة سنِّه، أن يدفع ثمن أخطائه، فلا يجد بعد ذلك سهولةً لارتكاب الأخطاء.

أراد الله أن يجعل من شعبه أبناءً وبناتٍ له، ولكنّ الشَّعب وجد صعوبةً في تصديق ذلك الأمر، فاستمرّ في التعامل مع الله على أنّه خالقٌ وديّان، لا على أنّه أبوه المحبّ والحنون. لذا اضطُرَّ الله إلى إرسال ابنه الوحيد يسوع المسيح إلى شعبه، ليعرِضَ عليهم من جديد البُنوّة المجانيّة لله، فقبل البعض منهم بتلك البُنوّة، فأصبحوا أبناءً لله. غير أنّ هؤلاء الأبناء، لا يكفُّون محاولة التفلُّت من تلك النّعمة، لاشتياقهم إلى الحالة الّـتي كانوا فيها قبل قبولهم بتلك البنوّة. وعندما ينجحون في العودة إلى حالتهم القديمة، يكتشفون عدم جدوى وجودهم من دون الله، فيعودون إليه، وهو يقبل توبتهم تلك ويسامحهم، ويقبلهم من جديد أبناءً له، لأنّه ملءُ الحبّ. إنّ تصرّف الله مع البشر يُعبّر عن جنون حبّه لهم، لا عن حكمةٍ منه. إنّ قداسة القدِّيسين والرّسل تكمن في فَهمِهم لمدى عمق محبّة الله لهم وقبولهم بها، لذا نجحوا في أن يكونوا أبناءً حقيقيّين لهم على مثال يسوع المسيح.

إنّ الأزمات الّـتي تُعاني منها الكنيسة والعالم، ناتجة عن عدم عيش المؤمنين لروحانيّة “صلاة الأبانا” الّتي علّمنا إيّاها الربّ يسوع حين تجسَّد في أرضنا. فالمؤمنون يتوجّهون إلى الله الآب بصلاة الأبانا، طالبين منه البقاء في سمائه، وعدم التدخُّل في حياتهم الخاصّة، فهم يريدون العيش حسب أهوائهم ورغباتهم الدُّنيويّة، الّتي تؤدِّي إلى هلاك نفوسهم. لم يُعلِّم الربّ يسوع تلاميذه صلوات متعدّدة، بل علَّمهم صلاة واحدة “صلاة الأبانا”، لأنّ جوهرها يستند على أن يكون المؤمن مُدرِكًا لحضور الله في حياته، فيتصرّف مع الآخرين مميِّزًا الأمور الّتي يمكنه الاشتراك فيها مع إخوته البشر، من الأمور الّتي لا يجوز له الاشتراك بها معهم لأنّها تـمُّس بإيمانه بالله. على المؤمن أن يميِّز بين الخطيئة والخاطئ، فيتجنّب الخطيئة قدر المستطاع، لأنّه لا يمكن للنّور أن يلتقي بالظُّلمة، ويُحبّ الخاطئ فتكون تلك المحبّة دافعًا له لترك طريقه المعوجّ والعودة إلى الله.

 إخوتي، يدعونا بولس الرّسول في هذا الإصحاح، إلى عدم الاشتراك في احتفالات غير المؤمنين، لأنّه مهما تعاظم شأن المؤمن على مستوى العلم والمعرفة، إلّا أنّ تلك العبادات الغريبة تبقى أكبر منه، ولكنّ الله يبقى أكبر من كلّ العبادات. لذا على المؤمن أن يتمسَّك بيد الله، كي يتمكّن من النّجاة منها، والوصول إلى برّ الأمان، أي إلى الخلاص، وبالتّالي إلى الحياة الأبديّة. فكلّما كان المؤمن متمسِّكًا بالله وقريبًا منه، كلّما نجح في تخطّي صعوبات هذه الحياة على الرّغم من شِّدتها، ولكن ما إن يُفلِت يد الله ويبتعد عنه حتّى يغرق في هموم هذه الحياة.
إنّ التمييز بين أمور الله وأمور الدُّنيا، يتطلّب رصانة وجِدِّية كبرى من المؤمن. يستطيع المؤمن أن يؤكِّد صحّة إيمانه بالله الحقيقيّ للآخرين من دون أن تكون له الحاجة إلى القصص الخرافيّة الّتي ينسجها، أو القصص الخارقة عن القدِّيسين. 

إنّ الصّلاة ليست عملاً سحريًّا، ولا هي مجرّد حركات طقسيّة خارجيّة فارغة من معناها. ها هو موسم الميلاد يقترب، وها هي زينَتُه تنتشر في الأسواق التِّجاريّة. إخوتي، إنّ شعورنا بفرح عيد الميلاد ليس مرتبطًا بالمظاهر الخارجيّة والتِّجاريّة للعيد، إنّما هو مرتبطٌ بإيماننا بالربّ يسوع. إنّ زينة الميلاد هي في غالبّيتها من صناعة غير المؤمنين إذ إنّها تأتينا من الصِّين ومن البُلدان المجاورة لها، ذات الغالبيّة الوثنيّة، أي أنَّ هؤلاء العمّال لا يتضرّعون إلى الله الحيّ أثناء صناعتهم لهذه الرّموز الدِّينيّة. وبالتّالي على المؤمن أن يتمتّع بالحكمة الكافية فيُدرِك كيفيّة استعماله تماثيل القدِّيسين وشخصيّات المغارة، حين يضعها في بيته. إخوتي، لقد حان الوقت كي يُدرِك الشَّعب المؤمن مسؤوليّته الإيمانيّة الحقيقيّة، فيرفض المصنوعات التِّجاريّة الّـتي تمسُّ جوهر إيمانه.

إخوتي، إنّ الفرق ساشعٌ بين التَّدين الفارغ من جوهر الإيمان، وبين الإيمان الحقيقيّ بالله. على المؤمن أن يكون على مثال الأنبياء في العهد القديم، فيكون صدًّا منيعًا بوجه الباطل، أَصَدر ذلك عن علمانيّ أم عن رجل دينٍ. إخوتي، إنّ القدِّيسين هم مؤمنون نجحوا في الوقوف بوجه الباطل لإعلان كلمة الحقّ دون خوفٍ أو مواربةٍ. إنّ يوحنّا المعمدان قد قُطِع رأسه، لأنّه رفض الخضوع للباطل، معلنًا كلمة الحقّ، قائلاً لهيرودس الملك إنّه مِن غير الجائز له الزّواج بامرأة أخيه. إنّ وجود يوحنّا في السِّجن، وبالتّالي عدم قدرته على التبشير بكلمة الحقّ، لم يكن كافيًا لإزالة الاضطراب، الّذي أحدثه يوحنّا، من قلب هيروديّا، بإعلانه لها كلمة الحقّ، لذا طلبَتْ إسكاته نهائيًا عبر قطع رأسه، معتقدةً أنّها بتلك الطريقة ستتمكّن من إسكات كلمة الحقّ. إخوتي، في هذا العالم، “هيروديا” كثُر، يطالبون بقطع الحقّ من أصوله علَّهم ينجحون في إسكاته كما أنّ هذا العالم مليء بالأباطرة الّذين ينجرُّون وراء “هيرودِّيا”، أي وراء الباطل، في سبيل تحقيق ملذَّاتهم ونزواتهم الأرضيّة الزّائلة، معتقدين أنّ الربّ سيتأخّر في مجيئه.

إنّ مؤمنين كُثُرًا يعتقدون أنّ الربّ يسوع سيتأخَّر في مجيئه، لذا يؤجِّلون التفكير في الموت، والاستعداد له. إخوتي، كُثُرٌ هم الأغنياء الّذين حاولوا إلغاء تلك السّاعة، ساعة الموت، من خلال ثرواتهم وممتلكاتهم ولكنّهم بالطَّبع فشلوا، لأنّ لا أحد يستطيع الهرب منها مهما عَظُمَ شأنه في هذه الأرض. إنّ أسلوب تفكيرنا، نحن المؤمنين، هو مزيج من التفكير اليهوديّ والتفكير الوثنيّ، بنفحةٍ مسيحيّة. إنّ أفكارنا المسيحيّة لا نستخدمها إلّا في أوقات الشِّدة، لا في أوقات الرّاحة والسّلام، ففي أوقات الـمِحنة، يُسارع المؤمن إلى الله، أمّا في أوقات الراحة فيلجأ إلى أفكاره اليهوديّة والوثنيّة. فمثلاً، حين يُصاب أحد المؤمنين بمرضٍ ما، يقول إنّها إصابةٌ بالعين من بعض الحاسدين، كما أنّ هناك عددًا هائلاً من المسيحيّين الّذين لا يتحرّكون من بيوتهم قبل سماعهم لأقوال المنجِّمين عن أبراجهم. إخوتي، إنّ أقوال هؤلاء الـمُسحاء الدّجالين لن تفيدنا أبدًا في مسيرتنا صوب القداسة، لذا فلنتخلَّ عن سماع أقوالهم، ولنُصغِ إلى الربّ وتعاليمه في الإنجيل المقدَّس لأنّ فيه وحده خلاصنا. إنّ إدماننا على سماع أقوال المنجِّمين لا يمكنه إلّا أن يُزعزع إيماننا بالربّ يسوع وإلى هلاكنا، لذا فإن أردنا التسلية، فلنلجأ إلى أمور سليمة من شأنها بُنيان الإنسان لا هدمه، كالرّياضة على أنواعها على سبيل المثال. إنّ وجوهنا تكشف للآخرين عن داخلنا، فإن كنّا مُدمين على أقوال المنجِّمين لا يمكن للمسيح أن يظهر على وجوهنا، فهو لا يظهر إلّا من خلال وجوه المؤمنين الّذين يتمسَّكون بكلمته وتعاليمه الواردة في الإنجيل. إنّ كلامي هذا لا يهدف إلى إحباطكم، بل إلى حثِّكم على التمسُّك أكثر فأكثر بـ”عمود الحقّ”، حسب تعبير مار بولس لتلميذه طيموتاوس، أي بيسوع المسيح وحده.

إنّ المسؤوليّة الّتي يُلقيها الربّ على عاتق المؤمنين كبيرةٌ جدًّا تُعبِّر عن مدى ثقته بنا، فمسؤوليّتنا لا تقتصر على تربية الأولاد تربيةً صالحة. إنّ المؤمن لن يتمكّن من إكتشاف مسؤوليّته الإنجيليّة الحقيقيّة إلّا من خلال رؤيته للتغيير في حياة الآخر، جرّاء سماعه عبارة أو كلمة من المؤمن، عندها سيُدرِك معنى كلام الربّ حين قال في المؤمنين به إنّهم نور العالم. إخوتي، لا يستهِن أحد منكم بحداثة سنِّه، فقد يتحوّل المؤمن إلى مشروع شهيدٍ حين يُعلِن كلمة الله للآخرين، كما عليه أن يكون شاهدًا لها طول حياته. إنّ الله يتبنّى كلّ مؤمن به، في يوم عماده، ويجعله ابنًا له، كما يجعله شريكًا له في تحقيق مشروعه الخلاصيّ للبشر. على كلّ مؤمن أن يعي تلك المسؤوليّة الّتي وَضَعها الله على عاتقه، فيسعى إلى تحقيقها عبر التبشير بالله أينما تواجد، وهنا يجب القول إنَّ نقل البشارة للآخرين لن يتمّ بسلامٍ أبدًا، بل إنّ هناك صعوباتٍ كثيرة واضطهادات سيتعرَّض لها الرّسول، فكثيرون سيسعون إلى إسكاته بمختلف الطرق لأنّهم يجدون في إعلانه لكلمة الحقّ عرقلةً لمصالحهم الخاصّة. إنّ الرّسول في أيّامنا هذه، لن يكون أفضل حالاً من بولس الرّسول، فكما تعرَّض بولس لشتّى أنواع الاضطهادات، كذلك سيتعرَّض الرّسول في أيّامنا، فيعاني من تشويه الصِّيت، من السَّجن، من التَّعب، ومن الضِّيق، ومن أمور أخرى كثيرة. إنّ بولس قد شوِّهت سمعته حين قيلت فيه الإشاعات، فاضطرَّ بولس إلى العمل في حياكة الخيام، كي لا تتعرّقل بسببه كلمة الإنجيل. 

إنّ عددًا كبيرًا من القدِّيسين قد تحمّلوا الآمهم بصمت، وتحدّوا الأوجاع راسمين على وجوهم الابتسامة، وقد خلقوا تغييرات جذريّة في نفوس جميع الّذين التقوا بهم في حياتهم الأرضيّة. فمثلاً إنّ سمعان العاموديّ عاش طوال حياته على العمود، ليتمكّن من مناجاة الله والتكلُّم معه، مبتعدًا بتلك الطريقة عن ضجيج البشر الّذين كانوا يقصدونه للاسترشاد وطلب المعونة. إنّ هذا القدِّيس لم يبحث يومًا عن المجد الأرضيّ أي عن تصفيق المؤمنين له، بل كان هدفه في هذه الحياة، أن يعبّر بوجوده مع المؤمنين عن وجود الله في هذه حياته. عسى أن نكون على مثال هؤلاء القدِّيسين ساعين لتحقيق مجد الله، لا مجدنا الأرضيّ من خلال كلّ أعمالنا. آمين.

ملاحظة: دُوِّن الشرح بأمانةٍ مِن قِبَلِنا.

Instagram
Copy link
URL has been copied successfully!
WhatsApp