تفسير الكتاب المقدّس،
الأب ابراهيم سعد،
“سِفر رؤيا القدّيس يوحنّا – الإصحاح السّادس عشر”
النّص الإنجيليّ:
“وسَمِعْتُ صَوتًا عَظيمًا مِن الهَيْكَلِ قائلًا للسَّبعَةِ المَلائكَةِ: «امْضوا واسْكُبوا جاماتِ غَضَبِ اللهِ على الأرضِ». فَمَضى الأَوَّلُ وَسَكَبَ جامَهُ على الأرضِ، فَحَدَثَتْ دَمامِلُ خَبيثَةٌ وَرَدِيئةٌ على النَّاسِ الَّذينَ بِهِم سِمَةُ الوَحْشِ وَالَّذينَ يَسْجُدونَ لِصُورَتِهِ. ثُمَّ سَكَبَ المَلاكُ الثّانِي جامَهُ على البَحْرِ، فَصارَ دَمًا كَدَمِ مَيِّتٍ. وَكُلُّ نَفْسٍ حَيَّةٍ ماتَتْ في البَحْرِ. ثُمَّ سَكَبَ المَلاكُ الثّالِثُ جامَهُ على الأنهارِ وَعلى يَنابِيعِ المِياهِ، فَصارَتْ دَمًا. وَسَمِعْتُ مَلاكَ المِياهِ يَقولُ: «عادِلٌ أَنتَ أَيُّها الكائِنُ وَالَّذِي كانَ وَالَّذي يَكونُ، لأَنَّكَ حَكَمْتَ هكَذا. لأنَّهُمْ سَفَكوا دَمَ قِدِّيسِينَ وَأَنبياءَ، فَأَعْطَيْتَهُم دَمًا لِيَشْرَبوا. لأَنَّهُمْ مُستَحِقُّونَ!» وَسَمِعْتُ آخَرَ مِن المَذبَحِ قائلًا: «نَعَمْ أيُّها الرَّبُّ الإِلهُ القادِرُ على كُلِّ شَيءٍ! حَقٌ وَعادِلَةٌ هِيَ أَحْكامُكَ». ثُمَّ سَكَبَ المَلاكُ الرَّابعُ جامَهُ على الشَّمْسِ، فَأُعْطِيَتْ أَنْ تُحْرِقَ النّاسَ بِنارٍ، فَاحْتَرَقَ النّاسُ احْتِراقًا عَظيمًا، وَجَدَّفُوا على اسْمِ اللهِ الَّذِي لَهُ سُلْطانٌ على هذِهِ الضَّرَباتِ، وَلَمْ يَتُوبوا لِيُعْطُوهُ مَجْدًا. ثُمَّ سَكَبَ المَلاكُ الخامِسُ جامَهُ على عَرْشِ الوَحْشِ، فَصارَتْ مَمْلَكَتُهُ مُظْلِمَةً. وَكانوا يَعَضُّونَ على أَلْسِنَتِهِمْ مِنَ الوَجَعِ. وَجَدَّفوا على إلهِ السَّماءِ مِنْ أَوجاعِهِم وَمِن قُروحِهِم، وَلَمْ يَتُوبوا عَن أَعْمالِهِم. ثُمَّ سَكَبَ المَلاكُ السّادِسُ جامَهُ على النَّهْرِ الكَبيرِ الفُراتِ، فَنَشِفَ ماؤُهُ لِكَي يُعَدَّ طَرِيقُ المُلوكِ الَّذينَ مِنْ مَشرِقِ الشَّمْسِ.
وَرأَيْتُ مِنْ فَمِ التِّنِّينِ، وَمِنْ فَمِ الوَحْشِ، وَمِنْ فَمِ النَّبِيِّ الكَذَّابِ، ثَلاثَةَ أَرْواحٍ نَجِسَةٍ شِبْهَ ضَفادِعَ، فإنَّهُمْ أَرْواحُ شَياطِينَ صانِعَةٌ آياتٍ، تَخْرُجُ على مُلوكِ العالَمِ وَكُلِّ المَسكونَةِ، لِتَجمَعَهُم لِقِتالِ ذلك اليَومِ العَظيمِ، يَومِ اللهِ القادِرِ على كُلِّ شَيءٍ. «ها أنا آتِي كَلِصٍّ! طوبى لِمَنْ يَسْهَرُ وَيَحْفَظُ ثِيابَهُ لِئَلّا يَمشيَ عُرْيانًا فَيَرَوْا عُرْيَتَهُ». فَجَمَعَهُم إلى المَوضِعِ الَّذي يُدْعَى بِالعِبْرانِيَّةِ «هَرْمَجَدُّونَ». ثُمَّ سَكبَ المَلاكُ السَّابعُ جامَهُ على الهَواءِ، فَخَرَجَ صَوْتٌ عَظيمٌ مِنْ هَيْكَلِ السَّماءِ مِن العرْشِ قائلًا: «قَدْ تَمَّ!» فَحَدَثَتْ أَصْواتٌ وَرُعودٌ وَبُروقٌ. وَحَدَثَتْ زَلزَلَةٌ عَظيمَةٌ، لَمْ يَحْدُثْ مِثْلُها مُنْذُ صارَ النَّاسُ على الأرْضِ، زَلْزَلَةٌ بِمِقْدارِها عَظيمَةٌ هكَذَا. وَصارَتِ المَدينَةُ العَظيمَةُ ثَلاثَةَ أَقسامٍ، وَمُدُنُ الأُمَمِ سَقَطَتْ، وَبابِلُ العَظيمَةُ ذُكِرَتْ أمامَ اللهِ لِيُعْطِيَهَا كَأسَ خَمْرِ سَخَطِ غَضَبِهِ. وَكُلُّ جَزيرَةٍ هَرَبَتْ، وَجِبالٌ لَمْ تُوجَدْ. وَبَرَدٌ عَظيمٌ، نَحْوُ ثِقَلِ وَزْنَةٍ، نَزَلَ مِن السَّماءِ على النَّاسِ. فَجَدَّفَ النَّاسُ على اللهِ مِنْ ضَرْبَةِ البَرَدِ، لأَنَّ ضَرْبَتَهُ عَظيمَةٌ جِدًّا”.
شرح النّص الإنجيليّ:
في هذا الإصحاح، نَجِد بدايةَ تحوُّلاتٍ كُبرى في سِفر الرُّؤيا: فَيُخبرنا كاتب هذا السِّفر عن قوّة المعركة النِّهائيّة الّتي سَيقودها الله ضِدَّ الشِّرير وأتْباعِه، إذ يقول لنا إنَّ الله قد ألقى غضَبه على الجميع مُبتَدئًا بالأرض، ثمّ بالبحر وبعدها بالأنهار. إنّ الأرض ترمز إلى اليَهود الّذين رفَضوا المسيح فَحاربوا المسيحيِّين، أمّا البَحر فَيَرمز إلى الوثنيِّين أي الأُمَم. إنّ الأنهار ترمز إلى المسيحيِّين الّذين ارتَدّوا عن الإيمان بالمسيح عند تعرُّضهم للتَّرغيب والتَّرهيب مِن قِبَل الامبراطور، فَخضعوا لإلهِه الوثنيّ، فكان سقوط هؤلاء المسيحيّين سببًا في سقوط مؤمنِين آخَرين في فخّ الامبراطور، مُتَّخذين موقِفَ العدوّ أي موقف التِّنين، موقِفَ الوحش، موقف النبيّ الكذَاب. كان غضَب الله الرّابع على الشَّمس، وهنا نتذكَّر قصَّة الخَلق إذ يُخبرنا كاتب سِفر التَّكوين أنَّ الله قد خَلَق النُّور في اليوم الأوَّل أمّا الشَّمس فقد خَلقَها الله في اليوم الرَّابع، مَع العِلم أنَّ الشَّمس هي الّتي تُعطي النُّور.
إنّ هذا الفَرق في التَّوقيت بين خَلق النُّور وخَلقِ الشَّمس يُشير إلى أنّ النُّور الحقيقيّ لا يَنبع من الشَّمس إنّما من الله. كانت الشّمس إحدى آلهة الوثنيّين، أي أنَّ هؤلاء كانوا يَعبدونها، أمّا بالنِّسبة إلى كاتب سِفر التَّكوين فهو لا يعترف بوجود أي إله إلّا الله الحيّ، لذا اعتبرَ الكاتبُ الشَّمسَ مُجرَّد زينَةٍ فَلَكِيّة، فَلَمْ يُسمِّها باسْمِها بل أشار إليها بالقول “النَّير الأكبر”، ممّا يعني أنّه لَم يُعطِها أيّةَ قيمةٍ، فَذِكرُ الاسم هو دلالةٌ على الحضور والقيمة. إذًا، في هذا الإصحاح، أراد كاتب سِفر الرّؤيا أن يقول لنا إنَّ الخَلق القديم سيَنتهي في اليوم الأخير، لأنَّ الله سيقوم بِعَمليّة خَلقٍ جديدة، لذلك يُخيرنا في هذا السِّفر عن مدينة الله، أورشليم السَّماويّة النّازلة من السَّماء، وبالتّالي، سَيَكون هناكَ مركزٌ جديدٌ لحضور الله، وعرش الله سَيَمتَدُّ مِنَ السَّماء إلى الأرض. في سِفر التَّكوين، نلاحظ أنَّ الله قد خَلَقَ البحار والأنهار في يوم واحدٍ، أمّا في هذا الإصحاح، فنلاحظ أنَّ البحار نالت ضَربةً من الله، مُنفصلةٍ عن ضربة الأنهار.
“وَسَمِعْتُ صَوتًا عَظيمًا مِنَ الهَيكَلِ قائلًا للسَّبعَةِ المَلائِكَةِ: . إنَّ عبارة “دمامِل” تعني القُروح، وهي تُذِّكرنا بإحدى الضَّرباتِ العَشر الّتي أنزلها الله بِفرعون، في العهد القديم؛ «امْضوا وَاسْكُبوا جاماتِ غَضَبِ اللهِ على الأرضِ». فَمَضى الأَوَّلُ وَسَكَبَ جامَهُ عَلَى الأرضِ، فَحَدَثَتْ دَمامِلُ خَبِيثَةٌ وَرَدِيئةٌ على النَّاسِ الَّذينَ بِهِم سِمَةُ الوَحْشِ وَالَّذينَ يَسْجُدونَ لِصُورَتِهِ”كما تُذكِّرنا بِـمَثل لِعازَر والغنيّ، إذ يقول لنا الإنجيليّ: “كانت الكلاب تأتي وتَلحس قروح لِعازر” (لو 16: 21)، والقُروح هي مَرضٌ لا شِفاءَ منه. في الإصحاحات الماضية مِن سِفر الرُّؤيا، ذَكرَ لنا كاتب هذا السِّفر عباراتٍ تُشير إلى أعدادٍ ناقصةٍ لا كاملة، على سبيل الـمِثال: ثلاث سنوات ونِصفَ السَّنة، أو ثُلث الزّمَن، وكان المقصود فيها أنّ الزَّمان لَم ينتهِ بَعد، وبالتّالي لا يزال بإمكان الإنسان التَّوبة والعودة إلى الله قَبْل اليوم الأخير؛ أمّا في هذا الإصحاح، فيُخبرنا الكاتب أنَّ هذا الزّمان قد انتهى، إذ بدأ الربُّ معركته الأخيرة مع الشِّرير مِن خلال هذه الضَّربات، وبالتّالي لم يَعد هناك مِن فرصةٍ للتَّوبة.
عادةً، عند مواجهتِهم للمصائب، يَعمَدُ المؤمنِون إلى التّوبة إلى الله؛ أمّا في هذا السِّفر، فنلاحظ أنّ المؤمِنِين الّذين يتبَعون الوحش، لم يتوبوا إلى الله على الرُّغم مِن الضَّربات الّتي وجَّهها الله إلى الأرض والبحر والأنهار. إنَّ “هرمَجِدُّون” هي اسم مَعركةٍ حَصلت في التَّاريخ، وكانت معركَةً عظيمةً جدًّا إذ تكلَّم عنها الكِتاب المقدَّس في العَهد القديم. إنّ عبارة “هَرمَجِدُّون” هي عبارة عِبريّة مؤلَّفةٌ من عِبارَتين، هما “هار” وتعني الجَبل، و”مَجِدُّو” وهي مدينةٌ في فَلسطِين. إنّ هذه المعركة وَقعت في القديم في مدينة مَجدُّو، وهي عبارةٌ عن سَهلٍ بين جَبَلين، وبالتّالي عندما كانت تتعارَك الجيوش فيها، لَم يكن هناك مِن مَفرٍّ للجيوش سوى الانتصار على العَدُّو أو الموت في ساحة المعركة.
هكذا ستَكون حرب الله النِّهائيّة مع الشِّرير، إذ سَينتَصر الربُّ وسَيُبادُ الشِّرير من دون رَحمةٍ. إنّ الكلام عن الدَمامل، في هذا الإصحاح، تُذكِّرنا بِضَربات الله لِفِرعون، الّتي أثمرَت خلاصًا لِشَعب الله؛ كذلك أيضًا بَعد هذه الضَّربات الّتي سَيَشُنُّها الله في معركته النِهائيّة ضدَّ الشِّرير، سَيَنالُ المؤمنون بالله، الّذين ثَبَتوا في إيمانهم بالربّ حتّى اليوم الأخير، الخلاصَ.
“ثُمَّ سَكَبَ المَلاكُ الرَّابعُ جامَهُ على الشَّمْسِ، فَأُعْطِيَتْ أَنْ تُحْرِقَ النَّاسَ بِنارٍ، فَاحْتَرَقَ النَّاسُ احْتِراقًا عَظيمًا، وَجَدَّفوا على اسْمِ اللهِ الَّذي لَهُ سُلْطانٌ على هذه الضَّرَباتِ، وَلَمْ يَتوبوا لِيُعْطوهُ مَجْدًا”. في هذه الضَّربة الرّابعة، نلاحظ أنّ الشَّمس تَحرُق النَّاس، وَهُمْ بدَلَ أن يتوبوا استمَرُّوا في تَجديفهم على اسْم الله. في الكِتاب المقدَّس، التَّجديف لا يَعني فقط عدم عبادة الربّ، إنّما يَعني عداوة الإنسان لله. عند التَّجديف على اسمْ الله، يَكون هَدَفُ الإنسان زَعزعَة مَلكيّة الله. وهنا يحضر إلى أذهاننا المزمور 93، والّذي يَقول: “الربُّ قد مَلَك، والجَلال قد لَبِسَ. لَبِسَ الربُّ القوَّة وتَمنطَقَ بها. لأنّه ثبَّتَ الـمَسكونة فلَن تتزَعزع”.
مِن خلال هذا المزمور، نكتَشف أنَّ الشِّرير لن يُوفِّر محاولةً لِزَعزعة المسكونة، ولكنّه سيَفشَل في ذلك لأنّ الربَّ قد ثَبَّت المسكونة. يقول لنا صاحب المزمور: “إنّ الربَّ قد مَلَكَ”، ولا يَقولُ لنا إنّ الربَّ هو مَلِكٌ، لأنّ الـمَلِك قد تنتهي مُلوكيَّته في أيّة لَحظة، أمّا الربُّ فهو مَلِكٌ دائمٌ إذ إنّه يُفعِّل مُلوكيَّته باستمرارٍ. عادةً عندما يَذهب الـمَلك إلى الحرب يرتدي لِباسًا عسكريًا، أمّا الربُّ فقَد لَبِسَ الجلال. في الحرب، يرتدي الـمَلِك زنارًا لِتَثبيت ثيابه العسكريّة على جسده، فلا تتمكَّن سُيوفَ العَدوّ مِن اختراق جسده وَقَتلِه؛ أمّا الربُّ في معركته مع الشِّرير، فقَدْ تزنَّر بالقوّة.
إنّ الربَّ قد ثَبَّتَ المسكونة منذ البدء، أي قَبلَ أن تَظهر عداوة الشِّرير وأتباعه لله. إنّ كلَّ مَلكيّة تفترِض وجودَ أعداءٍ للمَلِك يُحاربونه كما تفترِض انتصارَ الـمَلك على أعدائه، وبالتّالي فإنّ الحرب بين الـمَلِك وأعدائه هي معركةٌ مستمرَّة، وهذا ما سَيحصُل أيضًا مع الربّ، الّذي يَخوض معركتَه النِّهائيّة مع الشِّرير والّتي سيَنتصِرُ فيها. في هذا المزمور، نجدُ تكرارًا ثلاثيًا لِعبارة “رَفَعَت الأنهار عَجيجها”. إنّ الأنهار لا مَوج لها كما للبَحر، ولكنَّ عبارة “عجيج” تدلُّ على صوت مياه الأنهار عندما تَضربُ هذه الأخيرة الصُّخور. في القديم، كانت الـمُدن تُبنى على أعمدةٍ، وكان الـمَلِكُ يَسهَر كي تبقى هذه الأعمدة قويّة، لأنَّ سقوطها يعني سُقوط مَلَكيّته، وبالتّالي سقوط إلهه الوثنيّ. مقابل هذا الاستعمال الثلاثيّ لعبارة “رَفَعت”، نلاحظ ذِكْرٌ ثلاثيّ لعبارة “ثابتةٌ”، وذلك لِتَأكيد انتصار الربّ في معرَكته مع الشَّرير.
إنّ أنبياء العهد القديم قد تكلَّموا عن مَلكيّة الله، وهذه الملكيّة تفترض وجودَ أعداءٍ لله، وشَعبًا خاضعًا لله، وبالتّالي حصول هذا الشَّعب على الحماية من الله. عندما توقَّف الشَّعبُ عن حِفظ وصايا الله، بَقي الله هو الـمَلك والإله ولكنَّ الشَّعبَ قد تحوَّلَ إلى عَدوٍّ لله، وبالتَّالي أصبحَ هناك ضرورة، بالنِّسبة إلى الله، لِشَنِّ حربٍ على أعدائه والانتصار عليهم.
وفي هذا الإطار، نتذكَّر كلام الله لإرميا النبيّ: “هاءنذا أجعلُكَ مدينةً حصينةً” (إرميا 1: 18). إنّ الله قد جَعل إرميا مدينة عَظيمة، على الرُّغم من أنَّ هذا الأخير يسكن في أورشليم، الّتي تحوَّل سُكّانها إلى أعداء الله. إنّ الله قد استبدل مدينته المقدَّسة، أورشليم، بإرميا النبيّ الّذي أصبح مدينة الله العَظيمة، إذ إنَّ هذا النبيّ قد حَمَل كلمة الله للشّعب الـمُحيط به، أي أهل أورشليم. إنَّ هيكلَ أورشليم لَم يَعُد مسكنًا لله، بل أصبح مركزَ عداوةٍ لله، لأنّ الشَّعب تحوَّل إلى عَدُوٍّ لله، لذا قرَّر الله هَدم هذا الهيكل. بحسب الذهنيّة اليهوديّة القديمة، إنّ الله يسكن في الهيكل، وبالتّالي مع خراب الهيكل، تنتهي العبادة.
ولكنَّ الربَّ أراد أن يُفهِم الشَّعب من خلال كلامه مع إرميا عن خراب الهيكل، أنّه إلهٌ متحرِّرٌ مِن المكان والزَّمان، فهو إلهٌ حَدَث، إذ يُعلِن عن حُضوره وَسطَ شَعبه من خلال الحَدث الّذي يقوم به. إذًا، إنّ الأمْكِنة تعكس صورة الآلهة الوَثنيّة: ففي القديم، كان لِكلِّ مدينةٍ إلهها الخاصّ بها، فعلى سبيل الـمِثال، كان لأَثِينا إلهةٌ يخضع لها أهل أثينا، وهذه الإلهة غير معروفة من بقيّة الـمُدن اليونانيّة، إلّا إذا قادت أثينا حربًا على الشُّعوب الأخرى وأخضعتها لها، فَتُصبِح إلهةُ أثينا، إلهةُ الشُّعوب الـمُنهَزِمة في الحرب.
“وَسَمِعْتُ مَلاكَ المِياهِ يَقولُ: «عادِلٌ أَنتَ أيُّها الكائِنُ وَالَّذي كانَ وَالَّذي يَكُونُ، لأنَّكَ حَكَمْتَ هكَذا. لأَنَّهُمْ سَفَكُوا دَمَ قِدِّيسِينَ وَأَنبِياءَ، فَأَعْطَيْتَهُم دَمًا لِيَشرَبُوا. لأَنَّهُمْ مُسْتَحِقُّونَ!» في هذا الإصحاح، يُخبرنا كاتب هذا السِّفر أنّ الله قادرٌ على كلِّ شيء، فَعِبارة “الكائن”، تعني أنّ هذا الكائن والمقصود به الله، هو موجودٌ منذ الدُّهور، وهو “الّذي يَكون”، أي الباقي إلى دَهر ِالدُّهور.
إنّ الله سيَقود معرَكته الأخيرة ضِدَّ الأرض والبَحر والأنهار، أي أنّه سَيَقود المعركة ضدَّ جماعة التِّنِّين والوحش والنَبيّ الكَذَّاب. إذًا، إنَّ الله سيَقود معرَكته على كُلِّ الّذين ينطِقون بِكلامٍ مخالفٍ لتعاليمه المقدَّسة، فكلُّ كلامٍ لا ينبثق من تعاليم الله هو كلامٌ شيطانيّ. إنّ الكِتاب المقدَّس، في أسفاره المتعدِّدة، يُخبرنا أنَّ الله كلمة ستَنتَشِر في المسكونة كُلِّها: فعلى سبيل الـمِثال، نقرأ في سِفر أعمال الرُّسل أنَّ “كلمة الله كانت تنمو وتَزيد” (أع 12: 24). إنَّ المؤمن لا يستطيع أن يَربحَ معركته مع الشِّرير إذا استخدم سلاح الشِّرير فهو عندئذٍ سيُصبح شريرًا أيضًا، وبالتّالي عليه أن يستخدم سلاح الله، الّذي يُخبرنا عنه بولس الرَّسول في رسائله، وهو سيفُ الرُّوح، أي كلمة الله، ودِرع الإيمان وخوذة الخلاص.
إذًا، لا يستطيع المؤمن أن يَربح معركته مع الشِّرير إلّا إذا كان ممتلئًا من كلمة الله، أي بمعنى آخر، إذا كانت كلمة الله هي الّتي تمتلِكه، لأنّ الإنسان لا يستطيع أن يَمتلِك كلمة الله. على المؤمن أن يسعى إلى المحافظة على كلمة الله بَعيدةً عن كلِّ فسادٍ، حتّى يومِه الأخير، أي حتّى يومِ مماته على هذه الأرض؛ أكان هذا الفسادُ ناتجًا عن أعمال الإنسان الشِّريرة أو عن أعمال الآخَرين القائمة على محاولات إخضاعه للآلهة الوثنيّة من خلال التَّرهيب والتَّرغيب. إذًا، في هذا الإصحاح، يُقدِّم لنا كاتب هذا السِّفر، يوحنّا الرَّسول، صُورةً مزَخَّمة عن الحرب الأخيرة التّي سيَقودها الربُّ ضِدَّ أعدائه، كي يَحُثَّ المؤمِنِين على الثَّبات في إيمانهم بالربّ، فيَكونوا مُخلِصِين له، مهما حَدَث من أعمالٍ رَهيبةٍ حولهم، كتَحوُّل مياه البِحار والأنهار إلى دَم، واحتراق النَّاس بالشَّمس، وسِواها من الأمور الّتي ذَكرها كاتب هذا السِّفر.
عندما يَحمل المؤمنُ الإنجيل للآخَرين ويَموت بسبب إعلانه لِكلمة الله، يُصبح هو الإنجيل، و”الشَّهادة” الحقيقيّة للإنجيل بِفعل استشهاده في سبيل إيمانه بالربّ. وهذا ما يُبرِّر احتفال الكنيسة الأولى بالذبيحة الإلهيّة على مدافن الشُّهداء إذ كانوا في حياتهم أناجيل وشهاداتٍ حيّة لِكلمة الله وهذا ما أدَّى إلى استشهادِهم. إنَّ القداسة مبنيّة على فَهمِ الإنسان لإيمانه بالربّ لا على رؤيته للأعاجيب، وتَصديق كُلِّ ما يُروى له من أعمالٍ خارقة. للأسف، هناك فراغٌ عند البعض في فَهْم الإنجيل، إذ يُعبِّرون عن إيمانهم بالربّ من خلال تُقَويّات فارغةٍ من مِعناها، فأصبح الّذين يَحملون اسم الله فارغًا هُم أعداء الّذين يَحملون اسم الله حقيقةً.
إذًا، إنَّ العَدُوَّ يتغيَّر في كلِّ لحظة، أَكُنَّا في زمن سِفر الرُّؤيا أو لا، أكُنَّا في زمن وجود وباءٍ أو لا، أَكُنّا فقراء أو أَكَّنا في مجتمع تسوده الحرب أو لا. بِمعنى آخَر، إنَّ المؤمن الّذي يعيش حقيقةً إيمانه ويسعى في حياته إلى الشَّهادة للمسيح، سيَكون في حالة عداوةٍ دائمةٍ مع الّذين يَرفضون كلمة الله، لأنّ كلمة الله ستُبكِّت هؤلاء على خطاياهم، فيَلجأون إلى محاربة المؤمنِين الصَّادقين بالتُّقويّات الفارغة مِن معناها. وهنا نقول: ما نَفعُ دِماء الشَّهداء الّتي سُفكت دِفاعًا عن إيمانهم بالربّ، ما دُمنا لا نزال متمسِّكين بالأعمال التقوية الفارغة كالقيام بالنُّذورات إلى القدّيسِين كَنَوعٍ من الرَّشوة لهم لِحثِّهم على الاستجابة لِطِلباتنا؟ أنْ يكون إيمانُنا بَسيطًا فهذا يعني أن يكون إيماننا مِثل حَبَّة الخردَل: في الإنجيل، أعطانا الربُّ مَثل حبَّة الخردَل، الّتي هي أصغر الحبوب، ولكن طَعمها مُرٌّ جدًا.
وهذا يعني أنَّ المؤمن الصّادق في إيمانه وفي عيشه لكلمة الله لا بُدَّ له من أن يواجه المرارة عندما يثبت في أمانته لكلمة الله وفي إخلاصه للربّ. في هذا الإطار، نتذكَّر قول الله: “هكذا تكون كَلِمتي الّتي تَخرُج من فَمي. لا تَرجِعُ إليّ فارغة بل تَعمَلُ ما سُرِرتُ به وتَنجحُ في ما أرسلتها لَه” (إشعيا 55: 11). وبالتّالي، إن كُنّا حقًّا مؤمنِين بالربّ، نَعيش بِصدِقٍ كلمة الله في حياتنا، فلا بُدَّ للعالَم من حَولِنا أن يتغيّر، وإلّا كانت شهَادتُنا باطلة، إذ لا بُدَّ لِكَلمة الله الّتي نعيشها في حياتنا من أن تَفعل فِعلها في حياة الآخَرين إن كُنّا أُمناء لِتلك الكلمة الإلهيّة. إخوتي، إنْ لَم نتمكَّن من تَغيير العالَم من حَولِنا، فَعلينا ألّا نسمَح للعالَم أن يُغيِّرنا. إنّ العالَم يَخضع لسُلطة الشّرير، ولكن علينا نحن المؤمنون بالربّ، عدم الخضوع له، فنكون إذ ذاك بدأنا بِتَغيير العالَم من حولِنا بِعَدم الخضوع للشَّر.
إنَّ سفر الرؤيا ليس مجرَّد قصّة: فهو يتكلَّم على كلِّ مؤمنٍ يعيش تحت الضِّيق، لذا علينا نحن المؤمنون أن نُصوَّر سِفر الرُّؤيا في أذهاننا، كي نتمكَّن من اتِّخاذ القرار المناسِب في كلَّ لَحظةٍ من حياتنا، نتعرَّض فيها للضُّغوطات فلا نسقط في أفخاخ الشِّرير بل نبقى مُخلِصِين لإيماننا بالربّ. إليكم مِثالٌ على ذلك: إنَّ التِّنِّين والوحش والنبيّ الكذَاب لا يتوقَّفون لَحظةً عن تكثيف محاولاتهم لإبعاد المؤمنِين عن الله؛ وهنا يُطرَح السُّؤال على كلِّ واحدٍ منّا: ما هو قرارُنا عند مواجهتنا لهذا التحدِّي؟ أنتخلّى عن الله لاتِّباع الشِّرير، أم نتخلَّى عن الشِّرير للاستمرار في مسيرة اتِّباعنا لله؟
وبالتّالي، على المؤمن التنبُّه جيِّدًا كي لا يَمزِج بين العِبادَتين، كي لا يتفاجأ بمجيء يومِه الأخير أي الموت، قبل إعلان توبَته، فيَخسَر فُرصةَ وجوده في الـمَلكوت. في هذا الإصحاح، يقوم الكاتب بإدخالِنا إلى اليوم الأخير، مِن خلال إخبارنا عن انتصار الربّ في معركته القويّة ضدَّ الشّرير، إذ إنَّه لَن يرحَم من حاول إبعاد المؤمنِين به عن العِبادة الحقّة. إنَّ كلمة الله هي الجَبل الّذي على المؤمن الوقوف عليه كي لا يتزعزع. في هذا الإطار، نتذكَّر قول الربِّ لتلاميذه: “لو كان لكم إيمانٌ مِثلَ حبَّة خَردَل، لَكُنتم تقولون لهذا الجَبل، انتقل من هنا إلى هناك فيَنتَقل، ولا يكونُ شيءٌ غير مُمكِنٍ لَديكم” (متى 17: 20). في الكِتاب المقدَّس، الجَبل هو مكانُ ظُهور الله، وبالتّالي فإنَّ الـمَقصود بهذا الكلام ليس قيام المؤمن بالأعمال الخارقة، إنّما قُدرتُه على نَقلِ كلمة الله من مكانٍ إلى آخر، بِفَضل عيشِه لهذه الكلمة، فتَنتَشر بين البشر. بِمعنى آخَر، أينما تواجد المؤمن، ستَكون كلمة الله مَعه، فيؤمِن بها الكَثيرون.
إنّ كلمة الله تنمو بسرعة من خلال عيش المؤمِن لها، تنمو بطريقةٍ لا يستطيع المؤمن إدراكها: فَحِين ينطق المؤمن أمام مجموعةٍ من البَشر بكلمة الله، قد تؤثِّر هذه الكلمة في أحدهم فتَدخل إلى قَلبه وتَدفعه إلى تَغيير مسار حياته، فيتَوب إلى الله. إنّ الربَّ يسوع هو الوحيد الّذي تمكَّن من الانتباه لِطَلب المرأة الكِنعانيّة النَّابع من القلب، فاستجاب لها قائلاً: “عَظيمٌ إيمانُك يا امرأة” (متّى 15: 28). إنّ يسوع المسيح هو العالِم بِكُلِّ شيء، وقد اندهَش عند إيمانِ أُناسٍ لم يكن يَتوقَّع منهم إعلان إيمانهم به؛ ونحن لا نزال للأسف، ننتظر حصول أعاجيب هنا وهناك، غير آبِهين للأعاجيب الّتي تَحصل في حياةِ مَن هُم حَولَنا.
“فَاحتَرَقَ النَّاسُ احتِراقًا عَظيمًا، وَجَدَّفوا على اسْمِ اللهِ الَّذِي لَهُ سُلْطانٌ على هذه الضَّرَباتِ، وَلَمْ يَتوبوا لِيُعْطُوهُ مَجْدًا”. يَحُثُّ كاتب هذا السِّفر المؤمنِين على عدم الخَوف من الاضطهاد الّذي يتعرَّضون له، لأنَّ الربَّ سينتَصر على كلِّ أشكال الشَّر في مَعرَكته الأخيرة، وهنا يُخبرهم عن احتراق البِدَع الشِّريرة في اليوم الأخير.
“ثُمَّ سَكَبَ المَلاكُ السَّادِسُ جامَهُ على النَّهرِ الكَبيرِ الفُراتِ، فَنَشِفَ ماؤُهُ لِكَي يُعَدَّ طَرِيقُ المُلوكِ الَّذينَ مِن مَشرِقِ الشَّمْسِ”. إنَّ نهر الفرات يُذكِّرنا بمَدينة بابل الّتي تَقع هي أيضا في العِراق. وبالتّالي، أراد الكاتب أن يُذكِّر المؤمنِين بِمَصير مدينة بابل الّتي قرَّرت الاستغناء عن الله وبِناء بُرجٍ عالٍ، تعبيرًا عن رَفضها لله، فَبَلبَل الله ألسِنَتَهم فَعَجزوا عن إكمال هذا البُرج. كان شَعبُ مدينةِ بابل شَعبًا موَحَّدًا، ولكنَّ الله بلبَل ألسِنَتهم حين تَحوَّلوا إلى أعداءٍ له، أمّا في العَنصرة، فقد وَحَّدَ الله شَعوبًا متعدِّدَة اللُّغات بِلُغَةِ الإنجيل، فتمكَّنوا من فَهم كلمة الله الّتي أعلنَها بطرس في يوم العَنَصرة. إنّ نَهر الفرات يَرمز إلى مدينة بابل في العَهد القديم، وفي زمن سِفر الرُّؤيا يرمز إلى امبراطوريّة روما وإلهها.
“وَرأَيتُ مِنْ فَمِ التِّنِّينِ، وَمِنْ فَمِ الوَحْشِ، وَمِنْ فَمِ النَّبِيِّ الْكَذَّابِ، ثَلاثَةَ أَرْواحٍ نَجِسَةٍ شِبْهَ ضَفادِعَ، فإنَّهُم أَرْواحُ شَياطينَ صانِعَةٌ آياتٍ، تَخْرُجُ على مُلوكِ العالَمِ وَكُلِّ المَسْكونَةِ، لِتَجمَعَهُمْ لِقِتالِ ذلك اليَومِ العَظيمِ، يَومِ اللهِ القادِرِ على كُلِّ شَيءٍ”. في مقابل الثّالوث القدُّوس، الّذي اعتلَن لنا في العهد الجديد مع يسوع المسيح، يُخبرنا يوحنّا الرَّسول عن وجود ثالوثٍ أسوَد، مؤلَفٍ من التِّنِّين والوَحش والنبيِّ الكذَابِ. إنَّ التِّنِّين هو الإله الوَثنيّ، والوحش هو الامبراطور الّذي يَعبد هذا الإله، والنبيّ الكذّاب هو كلُّ إنسانٍ يُسوِّق لهذا التَّعليم الخاطِئ.
إنّ الضِّفدَع، في البيئة اليهوديّة والأدب اليهوديّ، هو حيوانٌ نَجِس. إنّ هذه الأرواح الشِّريرة تقوم بأعمالٍ خارقة، وبالتّالي على المؤمن الانتباه لأنَّ ليسَ كُلُّ عَملٍ خارقٍ يراه يُشير فِعلاً إلى عَملٍ مِن عند الله. إنّ الشِّرير يستخدم كلّ الطُرق لِيَحُثَّ المسكونة على القتال ضِّد الله. إنَّ الكاتب استعمل عبارة “الله القادر على كُلِّ شيء”، للدّلالة على أنَّ الله هو الّذي سيَربح الحرب الأخيرة ضِّدَّ الشّرير وسيَقضي عليه.
«ها أنا آتي كَلِصٍّ! طوبى لِمَنْ يَسْهَرُ وَيَحفَظُ ثِيابَهُ لِئَلاَّ يَمْشيَ عُرْيَانًا فَيَرَوْا عُرْيَتَهُ». فَجَمَعَهُمْ إلى المَوضِعِ الَّذي يُدعَى بِالعِبْرَانِيَّةِ «هَرْمَجَدُّونَ». إنّ الله سيأتي كَلِصٍّ أي أنَّه سَيأتي على غفلةٍ من دون إنذار، ممّا يعني أنّه على المؤمن البقاء متيِّقظًا لِحضور الله. إنّ كلمة “طوبى” تعني الـمَغبوط. عندما يتعمَّد الإنسان، يُلبِسونه ثيابًا جديدةً، وبالتّالي، فإنّ عبارة “يَحفَط ثيابه”، تُشير إلى ضرورة سَعي المؤمن إلى المحافظة على قداسته، الّتي نالها منذ معموديّته، وإلى تَفعيلها، كي لا يَخسَرها، كما حَدَث مع آدم، الّذي اكتشَف أنّه عُريان عندما خالفَ أوامِر الله، وهذا ما تُذكِّرنا به عبارة: “يَمشيَ عُرْيَانًا فَيَرَوْا عُرْيَتَهُ”.
“ثُمَّ سَكَبَ المَلاكُ السَّابعُ جامَهُ على الهَواءِ، فَخَرَجَ صَوتٌ عَظيمٌ مِنْ هَيْكَلِ السَّماءِ مِنَ العَرْشِ قائلًا: «قَدْ تَمَّ!» فَحَدَثَتْ أَصْواتٌ وَرُعودٌ وَبُروقٌ. وَحَدَثَتْ زَلْزَلَةٌ عَظيمَةٌ، لَمْ يَحْدُثْ مِثْلُها مُنْذُ صارَ النَّاسُ على الأرضِ، زَلْزَلَةٌ بِمِقْدارِها عَظيمَةٌ هكَذَا. وَصارَتِ المَدينَةُ العَظيمَةُ ثَلاثَةَ أَقْسَامٍ، وَمُدُنُ الأُمَمِ سَقَطَتْ، وَبابِلُ العَظيمَةُ ذُكِرَتْ أمامَ اللهِ لِيُعْطِيَها كَأسَ خَمْرِ سَخَطِ غَضَبِهِ. وَكُلُّ جَزيرَةٍ هَرَبَتْ، وَجِبَالٌ لَمْ تُوجَدْ. وَبَرَدٌ عَظيمٌ، نَحْوُ ثِقَلِ وَزْنَةٍ، نَزَلَ مِنَ السَّماءِ على النَّاسِ. فَجَدَّفَ النَّاسُ على اللهِ مِنْ ضَربَةِ البَرَدِ، لأَنَّ ضَربَتَهُ عَظيمَةٌ جِدًّا”.
إنّ الصُّوَر الّتي استَعملها الكاتب كالزّلزلة والبروق، تُشير إلى الـمَعركة الأخيرة الّتي سيَقودها الله ضِدَّ الشِّرير والّتي سيَنتصر فيها على كُلّ قِوى الشِّرير. إنَّ ضربة البَرَد تُذكِّرنا بإحدى ضربات الله على فِرعون. فعلى الرُّغم من المعركة الّتي دارت بين الشِّرير وقِواتِّه من جهة، والله وكلّ قوّاته من جهةٍ أخرى، وانتصار الربِّ فيها؛ نلاحظ للأسف، أنّ بعض النَّاس استمرُّوا في التَّجديف على الله بَدلَ أن يَتوبوا، وهذا يُشير إلى أنَّه مهما فَعَل الله، فبَعض النَّاس سيستَمرُّون في تفضيل الشَّر على الله، ولذا سيقوم الله بإبادتهم جميعًا في اليوم الأخير. وهذا ما سيستفيض الكاتب في شَرحِه لنا في الإصحاحات القادمة.
ملاحظة: دوِّن الشرح بأمانةٍ مِن قِبَلِنا،