“عبور وقيامة”
بقلم الخوري جورج نخّول، خوري رعيّة مار أفرام – كفردبيان،
ما أشبَهَ اليومَ بالأمس!
في أورشليمَ صَخبٌ وضجيج لأنَّ يسوع الناصري عُلِّقَ على صليبٍ،
وفي بيروتَ صُراخٌ وأنينٌ لأنَّ المدينة فُجِّرَت بشيبِها وشبابِها.
في القُدْسِ شُقَّ حِجابُ الهيكلِ وفُتِحَتِ القبور وظهرَ الراقدون، لأنَّ ابنَ اللهِ قُتِلَ،
وفي لبنانَ هوى الأرز وتزَعزَعَت أعمدةُ الكنائس، لأنَّ المواطن البريء ذُبِحَ من الوريدِ إلى الوريد.
الواقع مؤلِمٌ!
أجسامٌ شوّهتها النّيران، وجوهٌ فَقَدَت جمالها، عيونٌ انطفأ نورها، أجسادٌ بُتِرَت أطرافها، عائلاتٌ شُرِّدَت من بيوتها، ساحاتٌ فَرغَت من أطفالها… ولم يبقَ سوى الصّمت المرير كَسيِّدٍ مطلَقٍ على المكان والزّمان.
بالأمسِ بَكَت المريمات وناحَ الرسل على معلِّمٍ فُقِدَ وإِلَهٍ عُذِّبَ حتّى الموت، لأنَّهُ أحبَّ الإنسان،
واليوم حضنَ الترابُ أجسادَ آباءٍ وأُمّهاتٍ وشبّانٍ وأطفالٍ وشيوخٍ ذنبهم الوحيد، أنَّهُم آمنوا بالوطن “الرِّسالة”.
لكن، وبالرّغم من الفارق الزمني والمكاني بين الحدثَيْن، يبقى المعنى ذاته…
هُناكَ صُلِبَ “ابنُ الإنسان”، وهنا قُتِلَ “الإنسان”،
هُناكَ قامَ “ابنُ الإنسان” من القبرِ بعدَ ثلاثة أيّامٍ،
وهنا يُحاولُ “الإنسان” أن ينهضَ مع القائِمِ من القبرَ صوبَ القيامة.
نعم! فالمسيحُ الّذي “أخلى ذاته آخِذًا صورةَ عبد صائرًا في شبهِ النّاس” كما تقول الرّسالة إلى فيليبّي (7:2)، قد حَملَ في شخصِهِ كلّ الآم البشريّة وأوجاعها وأحزانها منذ بدء التّاريخ حتّى يومنا. وبالتّالي لا خوفَ بعدَ الآن من موتٍ أو اضطهادٍ أَو تعذيبٍ أو مرضٍ أو إعاقة، لأنَّ ابنَ الله حوَّلَ بشخصه الظّلمة إلى نورٍ والموت إلى قيامة، معلِّمًا: “أنا هوَ القيامة والحياة، من آمنَ بي وإِنْ ماتَ فسيحيا” (يوحنّا 25:11).
أحبّائي،
يُخبِرُنا الإنجيلي لوقا عن خيبةِ أمل تلميذَيْ عمّاوس بعدَ حدثِ صلبِ يسوع ظنًّا منهما أنَّ مشروع الخلاص قد انتهى بالصّليب. لكنَّهما عادا وأدركا حقيقةَ التجسُّدِ والفداءِ والقيامة عندما كسرَ “هذا الغريب” الخبز معهما “فانفتحت أعينهما وعرفاه فغاب عنهما” (لوقا 31:24). واليوم وسط ضيق الأيّام وصعوباتها، يعود يسوع ويدعونا مجدَّدًا إلى المائدةِ الإفخارستيّة حيثُ نَعبرُ معه من فصحٍ إلى فصحٍ، ومن حالةٍ إلى حالة. ففي القدّاس نعيشُ بطريقةٍ رمزيّة حدثَ الخلاص الّذي أتمَّه يسوع منذ ألفَيْ سنةٍ، فنتغذّى من كلمته المحيية في الإنجيل ومن جسده الغافر في الذّبيحة غير الدمويّة، ونصيرُ يومًا بعدَ يومٍ قياميينَ، لا نخافُ المرض والموت.
إخوتي،
بالرّغم من غبار الدمار ورائحة القتل نحنُ مدعوون لِتَخطّي ليل الانفجار وللعبور صوبَ النّور. لن نصِل إلى هذه الحالة، إِنْ لم نَعُدْ إلى تعاليمِ يسوع وإلى وليمته القربانيّة، حيثُ تَطمئّن قلوبنا وتَهدأ نفوسنا، وحيثُ نقوى على التجربة والإعاقة ونَلتقي بأحبَّاء رحلوا عنّا. أمّا صلاتي وإيّاكم فتبقى لسيِّد الحياة بأن يمكُثَ معنا، “فقد حانَ المساء، ومالَ النّهار” (لوقا 29:24)، سائلينَه الشِّفاء للجرحى، والتعزيةَ للمحزونيِن، والصبرَ للمعوّقِين، والرّحمة للموتى. آمين.