“عيد ارتفاع الصّليب المقدّس”
بقلم سيادة المطران بولس الصيّاح،
الصّليب عَلامة انتِصار يَسوع المسيح على أكبَر عدوٍّ للإنسان الذي هو الموت، لذلك يُكرِّم المؤمِنون الصّليب ويَرسمون إشارتَه على وجوهِهم مراتٍ عديدةً كلّ يوم.
وعِيد الرّابع عشَر من أيلول هو ذِكرى لأكثَر مِن حَدثٍ ارتبَط بِكنيسة القيامة، حَيث ارتفَع المسيح على الصّليب فحوّله من خَشبة عارٍ وموتٍ إلى “ينبوعٍ لِلحياة، وجِسرٍ فوق الموت” كما قال مار افرام السِريانيّ.
– الذِّكرى الأولى لِعِيد ارتِفاع الصّليب، هي تَدشِين كنيسة القيامة في 13 أيلول، لَيلة العِيد، سنة 335.
– الذِّكرى الثّانية، هي ذِكرى ظهور الصّليب لِلمَلك قسطنطين (306 – 337)، محاطًا بِكتابة بارزة في حرفٍ من نور “بهذه العلامة تَنتَصِر” فانتصَرَ وآمَن.
– الذِكرى الثّالثة، هي ذِكرى إيفاد الملِك قسطنطين والدتَه على رأس وفدٍ الى القُدس لِلبَحث عن عُود الصّليب. وبعد التّنقِيب وجَدَت البَعثة ثلاثة صُلبان. ولكي يَتمكّنوا مِن تعرُّف صليب يَسوع، جاؤوا الى مكاريوس أسقُف المدينة +331. وتزامن قدومُهم مع تشييع مَيتٍ، فأوقَف الأسقف المشيِّعِين ووَضَع كلاًّ من الصّلبان على الجثمان، وعندما لمسَه أحدُها قام الميْت حيًّا، فتَيقّنوا أنّ ذاك هو صليب يَسوع.
– الذِكرى الرّابعة، هي احتِلال الفُرس لِكنيسة القيامة سنة 614 فأسَروا البطريرك وعدداً كبيرًا مِن المسيحيّين وأخَذوا مَعهم عود الصّليب. ولما انتَصَر الأمبراطور هرقليوس على الفُرس، أطلَق الأَسرى ثم ارتدى ثيابَه الملكِيّة وحمَل الصّليب عائدًا به إلى كنيسة القيامة، وكان ذلك في 14 أيلول، سنة 628. ولما بلَغ طريقَ الجلجلة تَوقف فجأةً ولم يَعُد بِإمكانه أنْ يَتحرّكَ، فَجاء البطريرك وطلَبَ إليه أنْ يخلعَ حُلّة الملِك والتّاج المرصَّع. آنذاك تابَع طريقَه نحو الجلجلة، داخِل كنيسة القيامة، وأعاد الصّليب إلى مَكانه.
يُعرِب القدّيس يوحنّا فَمِ الذَّهب عن مَعنى عِيد الصّليب بِالعبارات التّالية: “ربُّنا على الصّليب ونحن في عِيدٍ، حتى تعلَموا أنّ الصّليب عِيدٌ واحتفالٌ روحيّ. كان الصّليب قديماً يُشير إلى العِقاب، واليَوم أصبَح عُنوانَ فَخار. كان رَمزاً لِلهَلاك، فَصارَ مَبدَأ الخلاص. كنّا في نَظر الله أعداءً غُرباءَ بُعَداء، فأعادَنا الصّليب أصدقاءَ لله، وقرَّبَنا إليه. فالصّليب هَادِم العَداوة وعُربون السّلام وكَنزُ كلِّ خير”.
وهذه دَعوَة يَسوع لنا ولِلجُموع: “مَن أراد أنْ يَتبَعني فَليُنْكِر نفسَه ويحمِل صليبَه كلّ يومٍ ويَتبَعني.”( لو 23:9).