“عيد الدّنح”
عِظة للأب فاروق زغيب، خادم كنيسة مار الياس الحيّ – العقيبة.
باسم الآب والابن والرّوح القدس، الإله الواحد، آمين
الله معكم إخوتي الأحبّاء، في هذا العيد المبارك، أتوجّه بالمعايدة القلبيّة سائلاً الله أن يكون هذا العيد عيدًا مباركًا لكم ولعائلاتكم، مُتَمَنِيًا أن يبقى الربّ يسوع المسيح هو “الدائم دائم” في قلوبكم.
إنّ “عيد الدِنح”، أو كما هو معروف شعبيًّا بــــ”عيد الغطاس”، يحمل في هاتين العبارتَين اللّتين تدلّان عليه، مَعنَيَيْنِ أساسيّين، هما جوهر دعوتنا المسيحيّة. إنّ عبارة “الدِّنح”، هي عبارة سريانيّة الأصل “دِنْحُو”، وتعني الظّهور الإلهيّ، وهذا ما حَدَثَ فِعلاً في يوم معموديّة يسوع، إذ اعتلن لنا الثّالوث الأقدس: الآب في الصَوت الّذي سُمِع من السَّماء، الابن في يسوع المسيح الإنسان الّذي نال العِماد على يد يوحنّا المعمدان، والرُّوح القدس في الحمامة الّتي ظهرت فوق رأس يسوع. إذًا، في ظهوره ثالوثًا على نهر الأردنّ، أراد الله القول للبشريّة جمعاء، إنّه منبع الحياة وهو منبع المحبّة المطلقة. ولذلك، فإنّ معموديّة يسوع على نهر الأردنّ تدفعنا إلى التفكير مجدّدًا في معموديّتنا نحن، الّتي منَحنا الثّالوث الأقدس من خلالها كلّ طاقة الحياة.
إنّ عيد الدِّنح، يُسمّى أيضًا عيد الغطاس، وهذه العبارة تدلّ على معنى هذا العيد، إذ فيه غطس الربّ في مياه نهر الأردنّ، مُقتبلاً المعموديّة على يد يوحنّا المعمدان. بنزوله في مياه الأردنّ وصعوده منها، شرح لنا الربُّ يسوع كلّ مفهوم الموت والقيامة؛ إنّ غَطْسَ يسوع في المياه، يرمز إلى موت الإنسان، أمّا صُعوده منها، فهو يرمز إلى الحياة الجديدة الّـتي ينالها الإنسان في المعموديّة.
إنّ معموديّة يسوع كانت إعلان لبداية رسالته التبشيريّة، ولكنّها كانت أيضًا إعلانًا عن الهَدف الّذي يصبو إليه من خلال تلك الرِّسالة، ألا وهو موته على الصَّليب في سبيل إعطاء الحياة الجديدة للإنسان.
إذًا، منذ بداية رسالته التبشيريّة في المعموديّة، عَكَسَ لنا الربُّ يسوع صورةَ الصَّليب والقيامة: ففي صَلبه، نال الربّ يسوع معموديّة الدَّم، ولكنّه انتصر على الموت بقيامته، مُعطِيًا إيّانا الحياة الجديدة. في هذا العيد المبارك، على كلّ مؤمِنٍ أن يتذكَّر معموديَّته، فيتذكَّر أنّه في هذا اليوم أعلن ارتباطه بالمسيح والاتِّحاد به، فيُدرِك أنّ عليه المحافظة على اتِّحاده بيسوع، على الرُّغم من كلّ صعوبات الحياة ومشاكِلها. إنّ هذا العيد، عيد الدِّنح، يدعونا إلى تجديد مفاعيل معموديّتنا، وإلى تجديد اتِّحادنا بالمسيح، من خلال التخلِّي عن إنساننا القديم الخاطئ، كي نتمكَّن من الحصول على الحياة الجديدة في المسيح يسوع. في المعموديّة، يتخلَّى الإنسان عن آدم القديم، عن إنسانه القديم المرتبط بالخطيئة ومفاعيلها، ليُصبح إنسانًا جديدًا على مِثال آدم الجديد، يعيش في حالة البرارة والطهارة والقداسة. إنَّ هذا العيد يدعونا إلى وقفةٍ مع الذّات، من أجل الاختيار ما بين الاستمرار في العيش في حالة الخطيئة، وما بين الحصول على حالة النِّعمة المرتبطة بقبولِنا للمسيح في حياتنا. والقرار مرتبطٌ فقط بالإنسان الّذي يتوجّب عليه الاختيار بين هاتين الحالَتين.
إخوتي، أتيتم اليوم إلى الكنيسة، وبأيديكم عبواتُ مياهٍ، أحضرتموها معكم كي تتقدَّس في هذا اليوم المبارك، فتأخذوها إلى بيوتكم وتتباركوا منها. إنّ هذه المياه المباركة لا تُستعمَل، من أجل إبعاد الحشرات عن البيوت الّتي تُرشّ بها وحسب، بل هي تُستَعمل لتُبارك البيوت، فتتمكَّن تلك من إعلان ارتباطها مجدَّدًا بالمسيح، على مستوى فرديّ، وعلى مستوى عائلي. في يوم عِمادِنا، نِلنا الرُّوح القدس، الّذي جَعلَنا مُسحاء جُدد لهذا العالم، أي أنّه علينا إعلان بشارة الإنجيل من داخل بيوتنا إلى العالم كلِّه، فتكون عائلاتنا انعكاسًا لصورة المسيح في هذا العالم. إنّ مجتمعنا لن يصطلِح إلّا من خلال إعلاننا كعائلاتٍ، ارتباطنا بالمسيح، ساهِرين على إظهار صورة المسيح في هذا العالم من خلالِنا.
في الختام، نسأل الله أن يُفيض علينا بركاته وخيراته من خلال هذه المياه الّتي تُرَشُّ علينا، فنتحوَّل من جديد إلى مسحاء جُدد لهذا العالم. آمين.
ملاحظة: دُوِّنت العظة بأمانةٍ من قِبلنا.