عيد اِنتقال السيّدة مريم العذراء
بقلم المونسنيور أنطوان مخائيل، رئيس إكليريكية مار أنطون البادواني –كرم سدة.
يُعلِّمنا عيدُ انتقالِ السيِّدة أو نِياح السيِّدة أنَّ حياةَ مريمَ العذراء هي حياةٌ مكتوبةٌ كُلِيًّا في حياة المسيح. فَفيها تَجلّى، بِشَكلٍ مُسبَقٍ، ما حقّقَه الربُّ لنا بِقيامتِه من بين الأموات: الاِنتصارُ على الخطيئة وعلى الموت. في مريمَ الـمُنتقِلة، يتحقّقُ تَصميمُ الله على البَشر، وتَظهرُ قِيمةُ الإنسانِ وكرامَتِه. في مريمَ القائمةِ مع المسيح، نَجِد علامةً مَلموسةً للرَّجاء الممنوحِ لنا وَلِلبَشريّة بِأسرِها، لِأنّها تُوضِح لنا غايةَ مسيرتِنا الأرضيّة، وتُغذّي إيمانَنا بِقيامتِنا الشخصيّة والجَماعيّة. في مريمَ الممجَّدة، نَجِد صورةَ الكنيسة وباكورتَها، ومَعها تَبلغُ الكنيسةُ غايتَها وراحتَها وكمالَها.
في وَجهِ مريمَ السّماويّة، نَلمسُ ثَمرةَ القداسة، وبِالتّالي ثمرةَ عملَ الرّوح القُدس فينا، إذا ما قَبِلناه بِحُريّةٍ وبِمطواعيّة القلب. يقول المـَجمَع الفاتيكاني الثّاني: “في مريمَ، ترى الكنيسة بإعجابٍ وإعظامٍ ثمرةَ الفداء السّامِية، وتَتأمّل بِغِبطةٍ، كما في صورةٍ نَقيّةٍ جدًّا، ما تَشتَهي وتَأمُل أنْ تُحقِّقه في كامِل ذاتِها” (دستور في الليتورجيا: 103).
اِنتقالُ مريمَ إلى السّماء، لم يَفصِلها عن جماعة المؤمِنِين، فهي ما زالتْ وسَتَبقى تَلعبُ دَوْرَ الأمّ والوَسيطة والـمُحامِية والشّفيعة، المُنتبهة إلى “احتِياجات” أبنائها، كما تُردَّد الصَّلاة المريميّة الأقدم “في ظلِّ حمايتِك”، والحاضِرة في مَسِيرة شعب الله في الزّمن، كما يُنشَد زيّاحُ العذراء: “وإنْ كانَ جِسمُكِ بَعيدًا منّا… صَلواتُكِ هي تَصحَبُنا”. لِنُوكِل ذَواتنا وعِيالَنا ومُجتَمعَنا ووَطنَنا والعالَم كُلَّه لِعِناية هذه الأُمّ المباركَة وحنانِها، وعطفِها الّذي لم تَبخُل به على كلّ مَن سأَلها وَالتَمَسَ شفاعتَها الـمُستَجابَة لَدى ابنِها.