“عيد الظهور الإلهي: موت وحياة”

بقلم  الخوري يوحنّا – فؤاد فَهد،

عيد الدّنح (مِن كلمة دِنحُا السّريانية)، أو عيد الظهور الإلهيّ، هو الزّمن الّذي نَتَعَرّف فيه إلى عَظمة الإله الـمُثَلَّث الأقانيم: الآب والابن والرُّوح القدُس. في اللّيتورجيَّة البيزنطيّة، نَجِد في طروبارية عيد الظّهور الإلهيّ الكَلِمات التَّالية: “باعتمادك يا ربّ في نهر الأردن ظَهَرَت السّجدة للثالوث، لأنَّ صوت الآب تَقدَم لكَ بالشّهادة، مُسمِّيًا إيّاك ابنًا محبوبًا، والرّوح بهيئةِ حمامةٍ يؤيِّد حقيقةَ الكَلِمة، فيا مَن ظهرتَ وأنرتَ العالَم أيّها المسيح الإله المجد لكَ”. ماذا يعني هذا الكلام؟

يقول يوحنّا في رسالتِهِ الأولى: “اللهُ مَحبَّة، فمَن يَثبُت في الـمَحبَّة، يَثبُتُ في الله، واللهُ فيه” (1يو4: 16). فاللهُ الّذي هو كاملٌ، هو مَحبَّة كامِلة! والـمَحبَّة الكامِلة تَفتَرض وُجود عناصِرَ ثلاثة:

 – الـمُحِبّ: الّذي هو مَصدَر الحـُبّ.

– الـمَحبوب: الّذي هو مَآل هذا الحُبّ.

– الحُبّ: الذي يَربط الـمُحِبّ والـمَحبوب.

مِن هنا نَفهَم أنَّ الآبَ هو الـمُحِبّ، والابن يسوع المسيح هو الـمَحبوب، والرُّوح القدُس هو ذلك الحُبّ العظيم الّذي يَربط بينهما في حَرَكةٍ رائعةٍ:

– الله الآب سَمَّى يسوع “ابنًا مَحبوبًا”، وَأعطاهُ كُلَّ شيء: أعطاهُ روحَهُ…

– الابن أنارَ العالَـمَ بِكَلِمتِه الإلهيَّة، ولأنّهُ مَحبوبٌ، مِن أبيه، عاشَ هذا الحُبّ حتّى مَوت الصَّليب، وهناك، عند لحظة موتِه قال: “يا أبتاه، بين يدَيكَ أستَودعُ روحي”(لو 23: 46)… لَقَد رَدَّ لأبيه كُلّ شَيء، كما أعطاهُ الآب كُلّ شيء.

في اللّيتورجيّة المارونِيَّة نَقرأ تَرجَمةً لِنَشيدٍ سريانيّ قَديم: “قَدِ اتَّخذتُكَ يا ابن الله زادًا لي في السَّفر، وعِندَ الجوعِ أتَناولُكَ يا مُنقِذَ البَشر، تَخمُدُ النَّارُ عنّي حين تَظهَر رائحة جَسَدِكَ وَدَمّكَ الـمُوَقّر، سِرُّ عِمادِكَ يَنشُلُني من لُـجَّةِ الغَرَق، وأدخُلُ دارَ الحَياةِ التي لا يَعتَريها قَلَق”.

عِندما نِلنا سِرّ العِماد، أخَذْنا الرُّوح القدُس نَفسَه الّذي أعطاهُ الآب الـمُحِبّ لابنِهِ الـمَحبوب في نهر الأردن، وعِندَ ساعةِ مَوتِنا، سَنَرُدُّ ذلك الرُّوح، بَعدَما اتَّحدَ جَسَدنا بِجَسد يسوع، وَامتَزجَ دَمُنا بِدَم يسوع، لِنُصبِحَ في قلب الله، كما كان الله ثابِتًا فينَا… هذه هيَ حَياتُنا: رِحلَة عُبور من الـمَوت (الجسديّ) إلى الحَياة الأبديّة في قلب الـمَحَبّة الكاملة: في قلب الله. والسُّؤال الّذي يُطرَح عَلَينا: هل عِشنا الـمَحبَّة التي دُعينا لِنَعيشها، لِنكون بِكامِلِ جُهوزيّتِنا عندَما نَعبرُ إلى بيت الآب؟

نحنُ نِلنا الحُبَّ الذي يَربط الـمُحِبّ والـمَحبوب بالعِماد الـمُقدَّس، وَنحنُ الّذِينَ زُرِعَ فينا حُبّ الله، فَهِمنا مِن خلال حدَثِ نهر الأردن أنّنا لا نَسجُد سِوى لله الـمَحَبَّة: الآب والابن والرُّوح القدُس، فَنَموت عن العالَم الزّائل، لِنَحيا حَياةً أبَديَّة لا مكانَ للموتِ فيها.

Instagram
Copy link
URL has been copied successfully!
WhatsApp