“إنجيل لوقا (لو 24: 1-11)”
عِظة للأب فادي اسكندر ، خادم رعيّة السيّدة العذراء للسريان الأرثوذكس – برج حمود.
باسم الآب والابن والرّوح القدس، الإله الواحد، آمين
قد يتفاجأ البعض من اختيار الانجيل الذي يحكي عن قصة الإخبار بِالقيامة، حسب بشارة لوقا، والّذي اخترته ليكونَ إنجيلَ هذا القدّاس، قبل عيد الميلاد. ولكن في حياتنا اليوميّة، نلاحظُ كثيرًا من الحوادث والتّعابير التي نستعملها أو يستعملها الآخرون معنا، ومنها ما يتعلّق بالأفكار والتعابير الّتي نستحدمها عندما نلاقي شخصًا مريضًا جدًّا، وهو يعاني، فنَطلب له، أو قد يطلب له أحيانًا بعضٌ من أفراد عائلته، أن يقصّر الربّ له أيّامه ليَذهبَ الى الملكوت، لأنّ لنا ثقة بأنّ الملكوت هو دار الرّاحة الأبديّة، كما نعبّر عنه في بعض الأحيان (حيثُ لا حزن ولا وجع ولا مرض ولا تعب) على الرّغم من أنّنا لانعلم بالحقيقة ماهيّة الملكوت!
كما أنّنا نحزن كثيرًا لفقدان أحد الشبّان أو الفتيات، إن داهمهم الموت في شبابهم، وننسى كلّ ماذكرناه عن الملكوت، عندما يتوفّى الله أحدَ المرضى جدًّا أو الّذي عاش سنين مديدة، ونتألّم كثيرًا لهذا الموت ، لأنّنا بالحقيقة لَسنا مدرِكين أصلًا الى أين ذهب فقيدُنا!
نتخيّلُ كثيرًا ماهيّة الملكوت في الحالين، ولكنّنا نرسم في أذهانِنا رسوماتٍ عديدةً لهذا الملكوت، تعبّر عن حالتنا النفسيّة الإنسانيّة التي نمرّ بها، وغالبًا ما ننسى حقيقة مهمّة في الملكوت، ألا وهي أنّ الملكوتَ حياةٌ أبديّة!
في النّص الإنجيلي من البشير لوقا، نرى المريمات ذاهبات إلى القبر ليَضَعْنَ الطّيب على جسد يسوع في القبر، ولكنّهنّ يتفاجَأنَ بالملاكَين اللّذَين يقولان لهما (لماذا تطلبنَ الحيّ بين الأموات؟) فهُما عبَّرا عن ابن الله المتجسِّد بأنّه (الحيّ) ومكان الحيّ ليس القبر طبعًا، ويتحدّث الملاكان مع المريمات (أُذكرْنَ كيف كلَّمَكُنَّ…) في دعوةٍ إلى استذكار تعليم الربّ عن موته وقيامته، وعندما ترجع المريمات لإخبار الرّسُل نراهم يقولون عن كلام المريمات (هذيان) أي أحلام غير معقولة! هل مِن الممكن أنْ تكون الحياة قد رَجعَتْ إلى المائت؟ غير معقول حسبَ فَهمنِا، ولكنّنا ننسى أنّ الله لايموت، والإنسان الّذي خلقه الله وتعب كثيرًا معه، حتّى استوجَب هذا التّعب أنْ يموتَ ابنُ الله عن مجدِه ليولدَ في عالمنا، ولم يقتصر الموضوع على التّعب، بل تعدّاه إلى الموت على الصّليب قبل أن يموت، لكيما نولد نحن أيضًا في عالم الله بعدما نموت!
ما بين القيامة والميلاد علاقةٌ وثيقةٌ، فهما يشيران إلى الحياة، حتّى في طقس العماد، عندما نعمّد طفلًا صغيرًا، نغطّسه بالماء ثلاث مرّاتٍ، لكي نقول إنّنا نخدمه، كي يَتشاركَ مع المسيح موتَه أيّامًا ثلاثة، ثمّ نرفعه لنَقولَ إنّه من بعد الموت سيَستحقُّ القيامة إلى الحياة، فمهما كان عمرنا وحالتنا الجسديّة فإنّ إيماننا المسيحيّ يقودُنا إلى أن نتشاركَ الحياة مع المسيح إلهنا.
ونحن لسنا بأفضل من الرّسل الّذين لم يصدّقوا حدث القيامة، لنَتساءَل متى صدق الرّسل وآمنوا؟ عندما عاشوا حياتَهُم مع المسيح فأكلوا وشربوا معه بعد القيامة! عندما سمحوا للرّوح القدس أن يقودهم في العنصرة، عندما تذكّروا جيّدًا معنى أنّ لهم الحياة والموتُ ربحٌ، لأنّه حالة انتقال إلى عالم ملكوت الله.
نحن مدعُوّون أحبّتي إلى أن نتذكّرَ أنّ أيَّ موت هو انتقال إلى الحياة، وليْسَ فقط إلى مكان آخر مجهول الهويّة، نتخيّله كيف شاءت لنا أفكارُنا، وهذا لايتمّ إلّا إن تذكّرنا الدّعوة إلى الحياة الّتي لنا من الله، وعشنا مع المسيح حياتَنا، وسمحنا للرّوح القدس أنْ يعزّيَنا، فكما يولدُ الطّفلُ من بطن أمّه، وهو لايعلمُ ما في هذه الحياة إلّا الألمَ الّذي يُقاسيه، هكذا أمواتُنا يولدون في عالم الله، وهم لايعلمون إلّا الألمَ الّذي يقاسونَه وينتظرون الحياة. فعزاؤنا الحقيقيّ هو الحياة التي يعطينا إيّاها الله، والّتي أتى في الميلاد ليُعطينا إيّاها مع السّلام، وأتمّها على الصّليب ليَقهرَ موتَنا وتصبحَ لنا حياةٌ أبديّةٌ بِاسمه، آمين.