“في رُقاد مريـم وانتقالها إلى السّماء…”
بقلم الأب نوهرا صفير الكرمليّ، رهبانيَّة الكرمَليِّين الحُفاة في لبنان،
“إنّ الـمَجدَ قد قيلَ فيكِ، يَا مَريَـم: أنتِ التي ارتفعتِ اليَوم فوقَ أجواق الـملائِكَة، تـملكينَ مع الـمَسيح إلى الأبَد”. (من الليتورجيا اللاتينيَّة في قدَّاس العشيَّة من 14 آب). تـحتفل الكنيسة الـجامعة الـمقدَّسة بِعيد انتقال العذراء إلى السماء بالنّفس والـجسد أو ما يعرف أيضًا بعيد رقادها في 15 آب من كلّ عام، ويذكِّرنا هذا العيد بِسموّ مكانة العذراء وعِظَم قدرتـها، إنّه عيد تَتويج العذراء مريـم سلطانة على السّماوات والأرض، إنّه عيد الأمل والنور والـحياة، الذي تـمَّت فيه مواعيد الله لأَمَته الـمحبوبة وأمّ الفادي، إنّه عيد الأعياد وموسم الـمواسم الذي يذكّرنا بأن الكلمة الأخيرة ليْسَت للشرّ والـموت، بل للحياة الأبديّة والـمجد، ليْسَت لليأس، بل للرّجاء والأمَل، ليْسَت للظلام، بل للنّور، ليْسَت للموت، بل للحياة، إنّه عيد إكرام الربّ لوالدته، إذ لـم يَسمح لـِجسدها القدّوس أنْ يرى فساد القبر وهي التي حَمَلته في أحشائها تِسعة أشهر.
تترنّـم الكنيسة اللاتينيّة بأناشيد الفِصح ابتداءً من العشيّة الفِصحيّة ليلًا حيث تفيضُ الأفراح الفصحيَّة على مدى خـمسين يومًا حتى أحد العنصرة في قدّاس العشيّة. والكنيسَة ترنّـم ترانيم الفرح معتزَّة فخورة بِعيد الأعيَاد وموسم الـمواسم. فالفِصح الـمقدَّس هو رأس الأعياد. وبالـمقارنة ألا يـمكننا أنْ نسمّي عيد انتقال والدة الإله إلى السّماء بالنّفس والـجسد مَوسم الـمواسم؟
هذه هي السيّدة الدائمة البتوليّة والفائقة القداسة والفتاة الإلـهيّة التي حيَّاها الـملاك جبرائيل يوم البشارة قائلًا: “إفرحي يا مـمتلئةَ نعِمة، الربّ معكِ”، وهي التي اختارها الله، من قَبل إنشاء العالـم، لِتَنسج من دمائها النقيّة جسدًا للكلمة، يوم شاء “أن يصير إنسانًا ليَجعل من آدم إلـهًا”، هذه السيّدة التي وحدها بين نساء العالـمِين “هي أمّ وبتول معًا” ومَن استطاعت، وحدها، أنْ تنادي الكلمة الـمتأنّس: “يا ابني وإلـهي”.
يأتي رقاد السيّدة العَذراء وانتقالـها إلى السّماء تأكيدًا لكلّ واحدٍ منَّا على حقيقة الانتصار، حقيقة القيامة الـمجيدة والصّعود إلى السّماء والعودة إلى الديار السماويّة، حيثُ يتجلَّى مـجدُ الله، حيثُ اسـمُهُ مـجيدٌ ومقدَّسٌ ورفيعٌ، ونورُه يَظهر على وجوه الـجميع.